رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أميرة عبدالقادر 6 مايو، 2024 0 تعليق

المرأة المسلمة ومكانتها في الشريعة 6 – اهتمام الإسلام بالجانب الشعوري للمرأة 2

  • أرشد النبي  صلى الله عليه وسلم  إلى السماح للمرأة بشهود الصلوات والأعياد لما في ذلك من أثر إيجابي على نفسيتها فتشهد الفرحة وتشارك فيها وتستمع للخطبة فتتبصر بأمور دينها ودنياها
  • اهتم الشرع الحنيف بالجانب الشعوري والعاطفي للمرأة مراعاةً لطبيعتها وفطرتها والدور الذي خلقها الله لأجله ودورها الكبير في المجتمع المسلم

ما زال حديثنا موصولا عن اهتمام الإسلام بالجانب الشعوري للمرأة، وذكرنا في الحلقة الماضية كيف اهتم الإسلام بهذا الجانب، وذكرنا الفروق بين الرجل والمرأة، وكيف اهتم الإسلام بمشاعر المرأة كونها أمًّا، وكيف اهتم بها كونها زوجة، وذكرنا توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع المرأة بحسب طبيعتها وفطرتها، وكذلك اهتمام الإسلام بالمرأة كونها بنتًا، واليوم نتحدث عن مراعاة مشاعر المرأة في التشريع في الواجبات والتكاليف.

          أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماح للمرأة بشهود الصلوات والأعياد، قال رسول الله: «إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها»، ففي الحديث الإذن للمرأة بالخروج إلى المسجد، ولا تمنع من ذلك إذا خرجت منضبطة بالضوابط الشرعية، فلا تتزين ولا تتطيب وتلتزم بحجابها الشرعي، وفيه مراعاة مشاعرها في خروجها للمساجد، فقد تحتاج المرأة إلى زيارة المساجد للصلاة أو لحصول السكينة والطمأنينة أو طلب العلم أو الاجتماع مع الصالحات، فتقتدي بهن في فعل الخيرات وكذلك خروجها لصلاة العيد ولو كانت حائضًا، عن أم عطية قالت: «أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين وذوات الخدور يشهدن جماعة المسلمين ودعوتهن». وفي الحديث من حصول ثمرة شهود صلاة العيد على نفس المرأة، فتشهد الفرحة، وتشارك فيها وتستمع للخطبة؛ فتتبصر بأمور دينها ودنياها وتعتزل الحائض المصلى، فهذا من حرصه - صلى الله عليه وسلم - على شهود المرأة بمختلف أحوالها الخير ودعوة المسلمين ومشاركتها أخواتها الفرحة والابتهاج في يوم العيد.

مراعاة مشاعر المرأة في الواجبات والتكاليف

ومن مراعاة مشاعر المرأة في التشريع في الواجبات والتكاليف: شهود فريضة الحج والعمرة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة من الأنصار: «ما منعك أن تحجين معنا؟» قالت: «كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك ناضحا ننضح عليه». فقال: «فإذا كان رمضان اعتمري فيه، فإن عمرة في رمضان حجة»، والناضح هو البعير. في الحديث تفقد النبي لأصحابه ولو كانت امرأة، والسؤال عنها وأثر ذلك على نفسها، فالنبي -برغم مشاغله- لم يغفل أن يتفقد حال المرأة، وسبب عدم مجيئها معهم لأداء فريضة الحج، وعندما بينت له السبب، أرشدها لما هو خير لها وهو أداء العمرة في رمضان؛ فإنها تعدل الحج في الفرض، ونحن نتأمل أثر هذا الاهتمام على نفس هذه المرأة وعظم هذا الجواب في تطييب خاطرها عما فاتها من مرافقته -عليه الصلاة والسلام- في الحج.

مراعاة مشاعر المرأة في تخفيف العبادة

         الترخيص للحامل والمرضع في ترك الصيام، عن أنس بن مالك قال: «رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحبلى التي تخاف على نفسها أن تفطر وللمرضع التي تخاف على ولدها»، فيه دقة مراعاة شعور المرأة في هذا التخفيف في لفظ خافت من قوله - صلى الله عليه وسلم -، فقد جعل الرخصة مبنية على خوف الأم على نفسها إن كانت حاملًا وعلى ولدها إن كانت مرضعة، فوجود الرخصة مبنى على مراعاة هذا الخوف حين وجوده. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حريص على صحة المرأة النفسية والجسدية، حتى وإن تعلق الأمر بأحد فرائض الدين لكنه يخفف مراعاة لنفس هذه المرأة وصحتها وتأميناً لها مما تخشاه. وكذلك في ترك الحائض والنفساء الصلاة والصيام تقديراً لما تمر به المرأة في هذه الأوقات من الآلام الجسدية وتغيرات نفسية، فالحيض والنفاس يضعف البدن؛ فلا تستطيع أن تؤدي هذه العبادات على الوجه المطلوب، وأمرها الله بقضاء الصيام دون الصلاة لما في ذلك من المشقة عليها؛ فإن هذا من تمام محاسن الشريعة وحكمتها ورعايتها لمصالح المكلفين.

مراعاة طبيعتها وفطرتها

        وهذا غيض من فيض الأمثلة الكثيرة التي يحملها الشرع الحنيف في الاهتمام بالجانب الشعوري والعاطفي للمرأة، مراعاةً لطبيعتها وفطرتها والدور الذي خلقها الله لأجله. وقد امتلأت السنة بنماذج حرص النبي -[- على مراعاة مشاعر المرأة في المجتمع، في الشؤون العامة والخاصة، ليثبت الحق المعنوي للمرأة، وأنه لا يقل عن الحق المادي بل ربما يفوقه ويؤسس قاعدة مراعاة مشاعر المرأة في المجتمع في الأحوال كافة ومن جميع الناس. فكيف بعد كل هذه النماذج وغيرها في حسن التعامل وجميل المراعاة، من يتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ببخس حق المرأة وتقليل مكانتها، وينادي بمساواتها مع الرجل، ويعقد في ذلك المؤتمرات والندوات مطالبًا بحقوقها؟ أين هو من هذا التعامل الراقي وهذه العزة منقطعة النظير وهذا التكريم واللطف في أدق الأمور مع نفس المرأة ومشاعرها؟ إننا لو اتخذنا هذه النماذج نبراساً لنا في مجتمعنا وسرنا على هذا النهج القويم في التعامل مع المرأة، فلن نجد سعادة نمنحها للمرأة أعظم مما منحها إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم .  

المرأة المسلمة مربية العلماء

  • أم سفيان الثوري -رحمه الله-: قال وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان الثوري لسفيان: يا بُني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، وقالت: يا بني، إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك، فإن لم يزدك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ3، صـ189).
  •   أم محمد بن إدريس الشافعي: وُلد الإمام الشافعي بغزة ومات أبوه إدريس شابًّا، فنشأ الشافعي يتيمًا في حجر أمه، فحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحفظ موطأ الإمام مالك وهو ابن عشر سنين، وطلب العلم حتى أصبح مذهبه أحد المذاهب الأربعة المشهورة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ12، صـ6: 11).
  •  أم أحمد بن حنبل: كان والد أحمد بن حنبل من أجناد مَرو، مات شابًّا وله نحو من ثلاثين سنة، فقامت أم أحمد على تربيته وحثته على حفظ القرآن وطلب الحديث، فطلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان عدد شيوخه الذين روى عنهم في المسند أكثر من مائتين وثمانين شيخًا، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائي، والإمام أحمد صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ11، صـ177: 183).
  •  أم محمد بن إسماعيل البخاري: مات والد البخاري وهو صغير؛ فنشأ في حجر أمه، وفَقَدَ بصره وهو صغير، فرأت أمه الخليل إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في المنام يخبرها بأن الله -تعالى- رد على البخاري بصره؛ لكثرة دعائها له، فاهتمت به أمه اهتمامًا كبيرًا، وألهمه الله -تعالى- حفظ الحديث وعمره عشر سنوات، ولما بلغ السادسة عشرة خرج حاجًّا مع أمه وأخيه، وبعد أداء الحج تخلَّفَ بمكة في طلب الحديث، وفي سن الثامنة عشرة صنف في قضايا الصحابة والتابعين وأقوالهم، وكان للبخاري أكثر من ألف شيخ، وجمع كتابه الصحيح من ستمائة ألف حديث مسموعة. (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ12، صـ391: 415).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك