المرأة المسلمة ومكانتها في الشريعة – 6 – اهتمام الإسلام بالجانب الشعوري للمرأة
- أظهرت العديد من الدراسات الحديثة اهتمام الإسلام البالغ بالجانب الشعوري لدى الإنسان عموما ولدى المرأة خصوصا وأن مراعاة هذا الجانب له آثار كثيرة ليس فقط على المرأة بل على الحياة الأسرية والاجتماعية عموما
- من مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لمشاعر الزوجة التعامل معها بطريقة توافق طبيعتها وتلائم فطرتها التي جُبِلَتْ عليها فكان يوصي بحقها ويؤكده كما قال صلى الله عليه وسلم : «وإن لزوجك عليك حقًا»
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلِقَتْ من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء»، وقد أظهرت الكثير من الدراسات الحديثة اهتمام الإسلام البالغ بالجانب الشعوري لدى الإنسان عموما ولدى المرأة خصوصا، وأن مراعاة هذا الجانب له آثار كثيرة ليس فقط على المرأة بل على الحياة الأسرية والاجتماعية عموما.
والدارس للشريعة الإسلامية بمختلف جوانبها يلمس هذا الاهتمام بالجانب الشعوري والعاطفي والتعامل مع الأحاسيس البشرية عموما وما يخص المرأة خصوصا؛ فطبيعة المرأة مختلفة عن طبيعة الرجل رغم أنهما خلقا من نفس واحدة، فلكل منهما طبيعة مستقلة، لا مجال أن يكونا طبيعة واحدة متطابقة تمامًا، وعندما جهلت المناهج الغربية هذه الحقيقة ضلت طريقها، وظلمت المرأة كما ظلمت الرجل على السواء من خلال التشريعات التي سنتها في حق المرأة وحق الرجل دون مراعاة للفرق بين الطبيعتين في كثير من الجوانب.فروق بين الرجل والمرأة
وهناك فروق بين الرجل والمرأة من الناحية الجسمية والنفسية، فالرجل يميل إلى الأعمال الخشنة والحركية والأعمال الثقيلة والمبارزة والقتال والقيادة والتنافس، والمرأة تميل إلى السلم والهدوء والمؤانسة والتعاون، وهي أسرع تأثرًا من مشاعر الرجل، والرجل أبطأ تأثرًا، وهي أكثر اهتمامًا بالزينة والجمال ومشاعر الأمومة منذ طفولتها، وهي أرق قلبًا من الرجل وأسرع في البكاء.اهتمام الإسلام بالجانب العاطفي للمرأة
ومن هنا أدرك الإسلام هذا الفرق بين الطبيعتين من الناحية النفسية، فوجدناه مراعيًا لمشاعر المرأة في نواح كثيرة تظهر بوضوح كيف اهتم الإسلام بالجانب الشعوري والعاطفي للمرأة سواء في التكليفات والواجبات أم في مراحل حياتها من أم أو أخت أو ابنة أو حتى خادمة، وفي هذا أبلغ رد على من يدعي همجية الدين وتشدده وإغفاله للجانب النفسي ويطالب بسن القوانين الحافظة لحق المرأة المعنوي، ولو تأمل آيات القرآن وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجد أرقى مراعاة للمرأة على مختلف العصور.الاهتمام بمشاعر المرأة أمًّا
جعل الإسلام مكانة الأم عالية، وحث على برها وملاطفتها وأداء حقها، ووصى بها وبحقها، قال -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كَرْهًا وَوَضَعَتْهُ كَرْهًا} (الأحقاف: 15)، ولم يغفل الإسلام هذه المشاعر حتى في حالة الشقاق والخلاف والتمزق الأسري؛ فقد حفظ للأم حقها في الحضانة، ورعاية لمشاعرها تجاه أبنائها، فقد ورد أن امرأة قالت: «يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، فأراد أن ينزعه مني»، فقال رسول الله -[-: «أنت أحق به ما لم تنكحي». ولم يغفل الدين مشاعر الأمومة في نفس الأم حتى في أقدس وأعظم الحالات وهي حالة القيام بين يدي الله -سبحانه- في أثناء العبادة، فعن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي؛ مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه»، وبهذه الرواية يكون الإسلام بلغ النهاية في مراعاة مشاعر المرأة واحترام أمومتها وعواطفها.الاهتمام بمشاعر المرأة زوجة
جعل الإسلام أساس الزواج الناجح الذي يقوم على المودة والرحمة والسكن بين الزوجين، قال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21)، فأساس بناء الأسرة المتينة على أساس المشاعر النبيلة والمودة والمحبة. فإذا جفت المشاعر ونضبت تحولت العلاقة إلى جفاء لا يطاق، ويؤدي إلى انهيار للأسرة بالكلية. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي»، فجعل إكرام الزوجة من مكارم الأخلاق ومظاهر الخيرية والقوامة، ومنها مراعاة مشاعرها في اختيار زوجها واستئذانها في ذلك، ومنها مراعاة مشاعرها في حقها للنظر للخاطب، فيحدد كل واحد منهما رغبته بالآخر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمُغِيرةِ بن شعبة: «انظر إليها فإنه أحرى أن يُؤَدِّمَ بينكما»، أي أن هذا النظر يدعو لدوام المحبة والألفة بينكما فيما يستقبل.التعامل مع المرأة بحسب طبيعتها
وكان من مراعاته - صلى الله عليه وسلم - لمشاعر الزوجة التعامل معها بطريقة توافق طبيعتها وتلائم فطرتها التي جُبِلَتْ عليها، فكان يوصي بحقها ويؤكده، قال - صلى الله عليه وسلم -: «وإن لزوجك عليك حقًا»، ويحترم رأيها ويستمع لها سواء أخذ به أو عدل عنه، فإذا كان صائبًا أخذ به كما حدث في صلح الحديبية وأخذه برأي أم سلمة -رضي الله عنها-، أو عدل عنه كما حدث حين طلب نساؤه - صلى الله عليه وسلم - بتحسين وضعهن الاقتصادي، ونزل الوحي بالتوجيه والتخيير لهن، ومن ذلك أيضًا احترام مشاعرها ورغبتها في التملك والكسب الحلال وعدم السماح للزوج أن يتسلط على مال زوجته، قال -تعالى-: {للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}.احترام مشاعر المرأة بنتا
لقد أنكر القرآن إنكارًا شديدًا على عادات الجاهلية في كره ولادة الأنثى، فضلا عن دفنها، وعدها عارًا ووبالًا على أبويها، وجعل ولادة الأنثى نعمة شأنها في ذلك شأن الذكر، وقد كانت قريش وصلت لأقصى درجات الجاهلية والحماقة في كراهية البنات حتى صار وأد البنات ودفنهن أحياء سنة جارية وعادة مقبولة في المجتمع الجاهلي، قال -تعالى-: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} (التكوير:8)، وكان هذا الوأد تحت مسوغات وأسباب تافهة خوفًا من العار أو الفقر. وقد منع الإسلام هذه الجريمة واجتث جذورها إلى الأبد في إثراء مشاعر المرأة وإعادة الثقة في بشريتها وإنقاذ مشاعرها وكرامتها من التردي، بعد أن كانت تشعر في الجاهلية أنها ودواب الأرض سواء، فجاء رسول الله فرفع من شأنها ورد إليها كرامتها وقال: «ليسَ أحدٌ من أمتِي يعولُ ثلاثَ بناتٍ، أو ثلاثَ أخواتٍ، فيحسنُ إليهنَّ إلا كنَّ له سترًا منَ النارِ»، لتشعر البنت بالرعاية النبوية والحنان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمتلئ قلبها راحة وطمأنينة بأن حقها محفوظ في هذا الدين المبارك، وأنها في أمان؛ فلا تخاف بخسًا ولا هضمًا، فتأمن من الإهانة بكلمة أو إساءة بلفظ، أو أن يؤثر والدها أخاها عليها.حياة النبي - صلى الله عليه وسلم
ويستطيع الناظر في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدرك مشاعره وحنانه تجاه البنات حين يقرأ هذا الحديث، عن أبي قتادة قال: «خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمامة بنت العاص على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها»، وأما عن حبه لفاطمة -رضي الله عنها- فيكفي ما روته عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «أقبلت فاطمة تمشى كأن مشيتها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي: مرحباً بابنتي»، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يطيق رؤية فاطمة حزينة، وقد قال» فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَها أَغْضَبَنِي»، وحين دخلت عليه في مرض موته فبكت فهمس في أذنها وهون عليها بأنها أول أهل بيته لحوقًا به، فضحكت بعد بكائها، فهذه مشاعر أب يحترم ويصون مشاعر ابنته، ويحاول بكل كلمة طيبة أن يبدل حزنها فرحًا.
لاتوجد تعليقات