المسجد الأقصى وفلسطين في حياة الصحابة (٢)
ما زال حديثنا مستمرا عن المسجد الأقصى وفلسطين في حياة الصحابة؛ حيث ذكرنا أن مدينة القدس كانت محطة محورية للصحابة -رضوان الله عليهم- وهم الذين قصدوها مجاهدين وفاتحين، ومعلمين وعبّادا، وقد تجلت أهميتها لديهم في العصر الإسلامي الأول، واستمرت بالتزايد مع تطور الحضارة الإسلامية، وانتشار العلوم الإسلامية، وظهور العديد من العلماء في مختلف الأقطار الإسلامية، وذكرنا من ارتبط بفلسطين من الصحابة، وأسباب ارتباط الصحابة بفلسطين، وذكرنا مجالات ارتباط الصحابة بفلسطين، ومنها: الجهاد، والإقامة، والتعبّد، ونكمل في هذه الحلقة ذكر هذه المجالات.
رابعاً: الحكم والسياسة
عندما استقر الأمر للفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعد فتح بيت المقدس جعل على المدينة المفتوحة وعلى أنحاء فلسطين ثلةً من الحكام الإداريين والولاة لتصريف أمورها، ومنهم علقمة بن حكيم الفراسي وعلقمة بن مجُزِّز المُدْلِجِيِّ، ثم كان بعدهما في غير خلافة عمر بن الخطاب تميم بن أوس الداري وغيره، وكان معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - يجتمع بكبار أصحاب رسول الله في مقر خلافته وفي بيت المقدس.خامساً: التعليم
كان من ثمرات إقامة كثير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فلسطين أنهم كانوا يحدثون بأخبار رسول الله وأحاديثه، ويأتيهم الناس ليسمعوا عنهم كما سنرى في مواضع كثيرة من تراجمنا لساكني فلسطين من الصحابة.سادسًا: التجارة
كان لبعض كبار الصحابة قبل الفتح علاقة تجارية قديمة بفلسطين، وهو ما كان من أمر عمر بن الخطاب وأبي سفيان بن حرب وعمرو بن العاص وغيرهم -رضي الله عنهم- جميعا، ومن النصوص الأولى التي تتحدث عن العلاقة التجارية لقريش بأرض فلسطين في تجارتها: عنْ عِكْرِمَة - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّجِرُ شِتَاءً وَصَيْفًا، فَتَأْخُذُ فيِ الشِّتَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْرِ وَأَيلَةَ إِلىَ فِلَسْطِين يَلْتَمِسُونَ الدِّفَاءَ، وَأَمَّا الصَّيْفُ فَيَأْخُذُونَ قِبَلَ بُصْرَى وَأَذْرِعَاتِ، يَلْتَمِسُونَ الْبَرْدَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: «إِيلافِهِمْ»، كانت لقريش في كل عام رحلتان - والرحلة السفرة، لما يعاني فيها من الرحيل والنزول- رحلة في الصيف ورحلة في الشتاء طلباً للتجارة والكسب. واختلف في رحلتي الشتاء والصيف على قولين، أحدهما: أن كلتا الرحلتين إلى فلسطين، لكن رحلة الشتاء في البحر وأيلة طلباً للدفء، ورحلة الصيف إلى بُصرى وأذرعات، طلباً للهواء، قاله عكرمة. والثاني: أن رحلة الشتاء إلى اليمن؛ لأنها بلاد حامية، ورحلة الصيف إلى الشام؛ لأنها بلاد باردة، وكان هاشم بن عبد مناف جدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج في تجارة من قريش أربعين من بني عبد مناف ومخزوم وسهم وعامر بن لؤي، فاشتكى بغزة، فأقاموا عليه حتى مات بها، فدفنوه هناك. وهذا الغرض تقلّص كثيراً بعد فتح فلسطين لكثرة من وفد إلى الشام من الصحابة والمسلمين الجدد، وأصبحت الإقامة والمعاش والتعبّد هي الأغراض الأبرز في دخول فلسطين.عدد الصحابة في بيت المقدس وفلسطين
بلغ جملة عدد الصحابة المذكورين في (موسوعة الصحابة على أرض فلسطين) 221 (واحداً وعشرين ومائتي صحابي)، ويبلغ عدد الصحابيات المذكورات في الموسوعة سبعًا وهن: أم المؤمنين صفية بنت حييّ، وأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وأمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام، وأم حرام بنت ملحان، وفاختة بن قرظة النوفلية القرشية، وسبيعة الأسلمية.
لاتوجد تعليقات