قراءة في كتاب: الإدارة العليا – المنظور الإسلامي للإدارة
أزعم أن المنظور الإسلامي للإدارة يبنى على سبعة أعمدة ثابتة وردت في القرآن الكريم في سبعة كلمات وهي: (وأعدوا)، جمعت مبادئ التخطيط كلها، (وتعاونوا)، جمعت مبادئ التنظيم الجماعي كلها، (ولا تعاونوا)، جمعت مفاهيم الترك الجماعي كلها؛ فليس المهم التعاون على الحق فقط، ولكن الأهم التعاون على ترك الباطل أيضًا، (واستعينوا)، البعد الغيبي للتحركات الإدارية كلها، (ولا تهنوا ولا تحزنوا)، وتعني التوجه الذهني الإيجابي وعدم اليأس، (فاعدلوا)؛ فالعدل أساس الإدارة، (وتواصوا بالمرحمة)، الرحمة في القرارات والتصرفات كلها، ولعل هذه الكلمات القرآنية، هي أركان التفكير الإداري قبل التنظيم الإداري؛ فمهارات التفكير الإداري مقدمة على مهارات التنظيم الإداري.
وليس هذا هو مجال تفصيل الأعمدة السبعة، ولكن لعلها تكون مقدمة وإطارًا ضابطًا وحاكمًا لملخص هذا الكتاب المميز (لباتريك لنسيوني) كتاب (The Advantage)، والكتاب مقصود به الإدارة العليا أو فريق التغيير في كل مؤسسة، وهدفي من القراءة في هذا الكتاب هو الإجابة عن السؤال الدائم: من أين نبدأ إداريًا وأين الخلل؟
والإجابة عن هذا السؤال تبدأ بشرح وظائف الإدارة الخمسة المعروفة، مع بعض المهارات الإدارية الملحة، ولكن هذا وحده لا يكفي؛ لأن البيئة تهزم الإدارة في أول معركة، أو كما قال (بيتر دراكر): الثقافة تلتهم الاستراتيجية على الإفطار، وهدفي من الدرجة الأولى المؤسسات غير الربحية صغيرها وكبيرها، كلٌ في درجته الوظيفية ومساحة تحكمه الوظيفي؛ فالكل مسؤول.
يبني المؤلف فكرة كتابه على معنى رئيس، وهو أن صحة البيئة التنظيمية والإدارية أهم من الإجراءات الإدارية والتنظيمية.
وتعريف البيئة التنظيمية أو البيئة الإدارية هو: توفير مناخ عمل إيجابي ومثمر، وتعني أن يذهب الموظف إلى عمله وهو سعيد مشتاق، يحب العمل، ويقضي فيه أسعد أوقاته.
وتبنى الصحة التنظيمية من خلال الآتي:
أولًا: تشكيل فريق قيادي
تشكيل فريق قيادي متميز له وظيفة محددة، وهي بناء الثقة بين أفراد المؤسسة؛ فالثقة بين أفراد المؤسسة أساس للوجود قبل أن تكون الأساس للتغيير أو التطوير، يقول (ستيفن كوفي): الثقة هي صمغ الحياة، إنها أهم مكون في التواصل الفعال، إنها المبدأ الأساسي الذي يربط كل العلاقات معا.
والثقة حتى تبنى داخل المؤسسة لها أربعة إجراءات عملية واضحة.
(1) إدارة الخلافات: يكون هناك منهجية لإدارة الخلاف ولائحة واضحة منضبطة معلومة للجميع:
(2) تقبل المساءلة: فلا أحد كبير على المساءلة من الأصغر إلى الأكبر.
(3) التركيز على النتائج: فكلما كانت النتائج قابلة للقياس لها معايير واضحة للرقابة والتطوير، زادت الثقة بين أفراد المؤسسة الواحدة، فضبابية النتائج معدل هدم للثقة وللصراعات.
(4) تحقيق الالتزام: اعترض، ولكن التزم بعد مغادرة غرفة الاجتماعات الجميع يلتزم، وهي آفة واضحة في البيئة العربية، وهي النقد من جلوس لا من حركة وعلم؛ فالناقد العامل الملتزم عامل بناء وضده عامل هدم.
إذًا الوظيفة الأولى لفريق القيادة بناء الثقة مع الإجراءات الأربعة وننتقل معها إلى غيرها لا منها إلى غيرها؛ فالثقة ثقافة تبنى وتستمر لا موقف يحدث ويمر.
الوضوح والمكاشفة تأتي من خلال الإجابة المستمرة والمتكررة عن خمسة أسئلة:
ما سبب وجودنا؟ ما القيم والسلوكيات التي نتبناها ؟ ماذا نفعل وما الإجراءات التي نتخذها على أرض الواقع؟، ما الشيء الأهم الآن أو الأولويات؟ من يجب أن يفعل كذا؟ مهمة كل فرد ودوره، والإجابة عن هذه الأسئلة لابد أن تخالط أنفاس كل فرد في المؤسسة، وهي وظيفة فريق القيادة.
أفراد مؤسسة بلا تواصل، أو بتواصل مشوه، أو مشوش، يعني أنها مؤسسة على حافة الانهيار؛ فوظيفة فريق القيادة إنشاء طريقة للتواصل، ثم تثبيت الطريقة المعتمدة للتواصل، وأن تتميز هذه الطريقة بصحة المعلومات، دقة المعلومات، توقيت المعلومات، وأخيرًا سرعة وصول المعلومات.
والمقصود بتعزيز الوضوح هو الإجابة عن سؤالين، الأول: كيف نرسخ العناصر الثلاثة السابقة باستمرار مع التجديد ومنع تسريب الفتور وعدم الحماس إليها؟ والثاني: كيف نجعل كل خطوة أو كلمة أو إجراء داخل المؤسسة يكون لبنة جديدة في بناء العقلية الجماعية؟
انتهى كتاب (باتريك لنسيوني)، وبقى أن أختم بخمسة نقاط وهي:
1- تركت الإجابات عن السؤالين مفتوحة؛ لأن لكل مؤسسة طابعها الخاص، وحين تخرج الإجابات من رحم المؤسسة يحدث التغيير.
2- أنصح فريق التغيير والقيادة مهما كان مسماه، مجلس إدارة، لجنة نظام، فريق طوارئ، ثلاثة أفراد في كيان عائلي، ربما أب، وأم داخل بيت، أو أسرة كبيرة، المهم أن يقرؤوا مجتمعين هذه الخطة، ويعلموا أنها لن تكتمل إلا بقلم الفريق، ببصمته، برؤيته الخاصة، وتجربته العملية، وأمثلته الواقعية، بعد النزول إلى الميدان والتجربة.
3- الصيحة الثابتة في علم الإدارة الحديث، هي إدخال كلمة فريق قيادي بدل كلمة قائد؛ فالجماعية هي الصيحة الأحدث لإدارة الأعمال، زمن الفرد الواحد ولى، والجماعية أصبحت ركنًا ركينًا في نجاح المؤسسة.
4- عن صفية بنت حُيي -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا فحدّثته، ثم قمتُ فانقلبت؛ فقام معي ليقلبني -وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما-؛ فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «على رسلكما، إنها صفية بنت حيي»؛ فقالا: سبحان الله يا رسول الله!؛ فقال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يَقذف في قلوبكما سوءا -أو قال شيئا-». متفق عليه، واللفظ للبخاري.
هذا الحديث ببعده الإداري يقول لنا، لا تترك مجالًا لدخول الشيطان من خلال معلومة واحدة ربما تفسر خطأ، هذا الحديث عمدة في بناء الصحة التنظيمية، يقول لك لا تترك الناس وشياطينهم، بل خذ إجراءات سريعة وواضحة.
حديث يجمع بين طياته بناء الثقة، وتقبل المساءلة، مع حسن المكاشفة والشفافية والوضوح مع دقة التواصل وسرعته وصحته في جانب المعلومات، وكل هذا بالأفعال لا بالأقوال بالموقف والقدوة العملية لا بالأطروحات النظرية.
5- العمليات والأنظمة الإدارية تأخذ قليلًا من الوقت لتبنى ثم تكرر وتطور، ولكن الصحة التنظيمية هي عملية بناء مستمر لا تقف أبدًا، والأوطان مجموعة من المواطنين والمؤسسات، والأوطان القوية تكون قوية بمؤسسات قوية، ومواطنين أقوياء، ونجاح مؤسستك مقدمة وخطوة لنجاح الوطن والأمة، وإذا نجحت فيما هو تحت دائرة سيطرتك وتأثيرك، وفقك الله لما هو ليس تحت دائرة سيطرتك و تأثيرك، وصحة البيئة الإدارية مع صحة العمليات الإدارية تصنع مؤسسة تترك بصمة في هذا العالم.
لاتوجد تعليقات