حكم من يسب القدر ويشتمه
- هل يجوز التكلم بكلام فيه سخرية من القدر كأن يقول قائل: إننا أعمار يلهو بها القدر، والقدر يلهو أحيانا بدموعنا وضحكاتنا؟
- هذا الكلام مناف لكمال التوحيد، وكمال الإيمان بالقدر؛ فإن القدر لا يلهو، والزمن لا يعبث، وإن كل ما يجري في هذه الحياة هو بتقدير الله وعلمه، والله -سبحانه- هو الذي يصرف الليل والنهار، وهو الذي يقدر السعادة والشقاء، بحسب ما تقتضيه حكمته، وقد تخفى تلك الحكمة على الناس؛ لأن علمهم محدود، وعقولهم قاصرة عن إدراك تلك الحكمة الإلهية، وكل ما في الوجود مخلوق لله، خلقه بمشيئته وقدرته، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويغني ويفقر، ويضل ويهدي، ويسعد ويشقي، ويولي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، وقد أحسن كل شيء خلقه، وكل أفعال الخالق وأوامره ونواهيه، لها حكمة بالغة وغايات محمودة، يشكر عليها -سبحانه-، وإن لم يعرفها البشر لقصور إدراكهم. وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال -فيما يرويه عن ربه- «:يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وفي رواية: لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر وفي رواية: لا يقل ابن آدم: يا خيبة الدهر؛ فإني أنا الدهر، أرسل الليل والنهار، فإذا شئت قبضتهما». وقد كان العرب في الجاهلية ينسبون إلى الدهر ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد، سبوا فاعلها فكان مرجع سبها إلى الله -عز وجل-؛ إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها، فنهوا عن سب الدهر، وقد نقل هذا التفسير للحديث بهذا المعنى عن الشافعي، وأبي عبيد، وابن جرير، والبغوي وغيرهم.
لاتوجد تعليقات