الملاحدة وإنكار وجود الله -تعالى
- الأدلة قائمة على وجود الله تعالى في الكون والآفاق والأنفس وحدوث الكون مصادفة مستحيل من الناحية العلمية والعقلية
- تأمل الآيات المبثوثة في الأرض وفي النفس تدل كل منها على وجود الخالق سبحانه وعلى قدرته المعجزة التي لا تقف عند أحد
- التدبر في نظام الكون وتناسقه يفضي بالضرورة إلى الإقرار بالألوهية والوحدانية جميعا
تنكر طائفة من الملحدين والماديين وغيرهم أن يكون لهذا الكون إله خالق مدبر مسير له، بل يزعمون أنه وجد صدفة، وأن الطبيعة بقوانينها هي التي تسير في حركة ذاتية، يحكمها قانون التطور والارتقاء؛ فالعناصر والكائنات تتطور وترتقي من حال إلى حال ومن كون إلى كون، فالقرد يتطور إنسانا، والإنسان ينتهي إلى تراب، ولا يوجد إله يخلقه، أو يحييه، أو يميته، وسنتناول بالتفصيل وجوه إبطال هذه الشبهة من خلال هذه المقالة.
وجوه إبطال هذه الشبهة:
1) التدبر في نظام الكون وتناسقه يفضي بالضرورة إلى الإقرار بالألوهية والوحدانية جميعا. 2) إنكار وجود الله دعوى إلحادية لا دليل عليها، بل الأمر على عكس ذلك، فالأدلة قائمة على وجود الله -تعالى- في الكون والآفاق والأنفس، وحدوث الكون مصادفة مستحيل من الناحية العلمية والعقلية، وقد نفى العلم الحديث نظرية التطور. 3) الفطرة السوية تتجه إلى فاطرها وتؤمن بوجوده، وليس الإلحاد إلا انحرافا عن الفطرة السليمة. 4) الآثار المروعة للثقافة الإلحادية تؤكد زيغ أصحابها عن صراط الله المستقيم. 5) رجوع كثير من الملحدين واعترافهم بوجود الله بعد طول تدبر وإنعام نظر، وإعمال عقل في رحاب الله وخلقه.- أولا: نظام الكون وتناسقه
شاهد على ألوهية الله -عزوجل- ووحدانيته
كل هذه أمور حارت فيها العقول، وعجزت عن إجابتها الأفهام؛ لأنها اعتمدت على أفكار إلحادية مسبقة، تنكر وجود الخالق -سبحانه وتعالى-، فكانت كالقيود التي كبلت العقول عن أن تنطلق في رحاب الخلق لتستدل به على الخالق، وطمست على الأفهام، فلم تتفتح لتدرك مظاهر القدرة ودلائل الإعجاز في بديع صنع الله في الآفاق وفي الأنفس، ولكن كما يخاطب القرآن الوجدان البشري ليوقظه إلى حقيقة الألوهية، فإنه كذلك يخاطب العقل البشري ليفكر ويتدبر، وينظر في آيات الله في الكون ليعرف دلالتها، وإليك نماذج من الأسئلة التي ترد على العقل ليتفكر ويتدبر.- هل يمكن أن يوجد هذا الكون الهائل بغير خالق؟
- هل يمكن أن يدبر شؤون هذا الكون الضخم إلا إله قادر عليم حكيم؟
- هل يمكن أن يكون لهذا الإله شريك في الملك، أو شريك في التدبير؟
- هل آيات القدرة المبثوثة في الكون تشير بأن هذا الإله يمكن أن يعجز عن أمر من أمور الخلق، أو التدبير أو الرزق، أو الإحياء أو الإماتة، أو البعث أو الجزاء؟
خطاب القرآن للعقل والوجدان
هذه كلها أمور سبق للقرآن أن خاطب فيها وجدان الإنسان وعقله؛ فكما عرض هذه الأمور كلها على الوجدان عرضًا مؤثرا ينتهي باقتناع الوجدان وإدراكه لحقيقة الألوهية، فكذلك يعرضها على العقل، يناقشه ويوقظه للتفكير المنطقي السليم، الذي يؤدى في النهاية إلي الغاية ذاتها، وهي إدراك حقيقة الألوهية، ومن ثم وجوب الإيمان بالله الواحد دون شريك، والآيات التي تخاطب العقل وتدعو إلى التأمل والتدبر كثيرة في القرآن، نكتفي بذكر نماذج منها كقوله -تعالى-: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الذاريات:21).الآيات المبثوثة في الأرض
ولو تأمل الإنسان بعقله الآيات المبثوثة في الأرض، والآيات المبثوثة في النفس لأصابه العجب والذهول من كل آية من هذه الآيات المعجزة، التي ينم كل منها على وجود الخالق -سبحانه-، وعلى قدرته المعجزة التي لا تقف عند حد.الأرض جرم صغير
فالأرض جرم صغير بالنسبة للأجرام السماوية الضخمة التي يزخر بها هذا الكون، لا تعدو أن تكون كحبة الرمل بالنسبة للصحراء الواسعة التي لا يأتي البصر على آخرها، ومع ذلك ففيها - على ضآلتها - من آيات الله المعجزة ما يعجز الخيال عن تتبعه فضلا عن إحصائه، وفيها من الخصائص التي أودعها الله بها ما يذهل العقول. فقد هيأها الله دون الأجرام الأخرى بخاصية الحياة، وجعل لها من الظروف ما يجعل الحياة عليها ممكنة الوجود والاستمرار، فكتلتها محسوبة بحساب رباني دقيق يجعل جاذبيتها تحتفظ حولها بغلاف جوي لا يتبدد، وفي هذا الغلاف يوجد الأكسجين المطلوب لتنفس الكائنات الحية، وبالقدر المطلوب لتنفس هذه الكائنات بلا زيادة فيه ولا نقصان؛ لأن الزيادة والنقصان هما معا مما يضر هذه الأحياء، وحرارتها محسوبة بذلك الحساب الرباني الدقيق، بالطريقة التي تحتملها الكائنات الحية فلا تموت من شدتها ولا من ضعفها، والأقوات فيها محسوبة؛ بحيث تفي بحاجة تلك الكائنات من الغذاء، مع توازن دقيق بين هذه الكائنات وبين أقواتها: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} (الحجر: 19)، {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (فصلت: 10). وهكذا لو مضينا نتتبع آيات الله في الأرض لوجدنا عجائب لا تنتهى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الرعد:4)، فالأرض فيها قطع متجاورات تختلف بنية كل منها عن الأخرى رغم تجاورها، بعضها ينبت الزرع وبعضها لا ينبته، وبعضها يصلح لأنواع معينة من الزرع دون غيرها، وتلك وحدها عجيبة.الأرض الواحدة
ثم إن الأرض الواحدة تنبت أنواعا شتى من الزروع والنخيل والأعناب وكلها يسقى بماء واحد، ولكن بعضها يختلف عن بعض، حتى النوع الواحد كالنخيل تخرج منه النخلة المفردة والنخلة المزدوجة، وتلك عجيبة أخرى، ثم إن هذه الزروع مختلفة الطعوم والمذاقات، ويفضل الناس في طعامهم بعضا منها على بعض، وتلك عجيبة ثالثة.الآيات في الأنفس
أما الآيات في الأنفس فإنها أعجب! فالخلية الواحدة الملقحة التي يتكون منها الجنين تشتمل على كل خصائص الجنس البشري، وهي لا تكاد ترى؛ فينمو منها إنسان كامل فيه كل خصائص الإنسان، ثم إنها تنقسم وتتخصص في أثناء نمو الجنين، فيصبح جزء منها رأسًا، وجزء آخر يدًا، وجزء ثالث قدمًا، وهكذا، ثم إنها تحتوي كذلك على جزئيات تحمل الخصائص الوراثية التي يرثها الجنين من الأب والأم أو الأجداد، فقد يحمل الجنين صفة من الأب كلون الشعر مثلا، وصفة من الأم كلون العينين وصفة من أحد الجدود، كالطول أو القصر، أو شكل الأنف، أو شكل الأذن. بل الأعجب من ذلك وراثة الصفات النفسية والعقلية كالكرم أو البخل، والشجاعة، أو الجبن، والذكاء أو الغباء، والميل إلى العلوم أو الميل إلى الآداب، وهذه الصفات العقلية ذاتها: ما هي؟ كيف توجد؟ وأين توجد؟ كيف يفكر العقل؟ كيف يتذكر الإنسان ما يتذكر؟ إن كل أبحاث العلم حتى هذه اللحظة قد عجزت عن أن تقول لنا كيف يفكر العقل، وكيف يتذكر؟ وأين تكون الأفكار؟ وأين تختزن المعلومات؟ وكيف يستدعيها الإنسان حين يريد استدعاءها؟ وكيف تخطر على باله أحيانا بغير استدعاء؟الصفات النفسية
والصفات النفسية كذلك، ما هي؟ كيف توجد وأين توجد؟ كيف تتكون في النفس صفة الكرم، أو البخل، أو الشجاعة، أو الجبن؟ وفي أي مكان تكمن هذه الصفة في الإنسان؟ في جسمه؟ أين؟ في مخه؟ أين؟ هل هي شىء معنوي أو مادى؟ وفي كلا الحالين كيف تؤثر في تصرفات الإنسان وسلوكه؟ وأعجب من ذلك: كيف تورث؟! ولو مضينا نتتبع خصائص الإنسان، وآيات الله في الأنفس، لما انتهينا من العجب لكل خصيصة وكل آية، ولأدركنا أن هذا كله لا يمكن أن يحدث من تلقاء نفسه بهذه الدقة المذهلة، لابد له من خالق، ولابد أن يكون هذا الخالق حكيما وقادرا إلى حد الإعجاز.
لاتوجد تعليقات