الموالاة بين المؤمنين
- إن هذه الأخوة تصير عديمة الجدوى فارغة المضمون والمعنى إذا لم تكلل بتلك الموالاة فإذا حققوها صاروا بهذا الولاء كيانًا واحدًا قويًا متماسكًا
- إنَّ ما يحدث للمسلمين في أرض الإسراء والمعراج واحدة من تلك الصفحات المأساوية التي يعيشها المسلمون بل هي أشدها على الإطلاق وأكبر دليل على هذا الواقع الأليم المهين الذي نعيشه
عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبي ذرٍّ - رضي الله عنه -: «أيُّ عُرَى الإِيمَانِ -أظُنُّهُ قال-: أَوْثَق؟» قالَ: «اللهُ ورسُولُهُ أعلم؟» قالَ: «المُوَالَاةُ فِي اللهِ وَالمُعَادَاةُ فِي اللهِ وَالحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ» إنَّ الأخوَّة الإسلاميَّة القائمة على أساس الإيمان توجب على المسلمين كافة، أن يوالي بعضهم بعضًا، أي: يكون بينهم قُربٌ، وحبٌّ، وتوادٌّ، ومناصرة، وتحالف، قال الله -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (سورة التوبة: 71).
وإن هذه الأخوة تصير عديمة الجدوى، فارغة المضمون والمعنى، إذا لم تكلل بتلك الموالاة، فإذا حققوها صاروا بهذا الولاء كيانًا واحدًا قويًا متماسكًا، له تقديره ووزنه بين الناس. ويشير النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يجب أن يكون عليه المسلمون من التوادِّ والتآزر والتقارب والتماسك -الذي هو من مظاهر الولاء ومن ثماره أيضًا؛ فيقول - صلى الله عليه وسلم -: « مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ، مثلُ الجسَدِ، إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ، تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى». لذلك فإن المسلمين في شتى بقاع الأرض -بحكم الأخوة التي تجمعهم- مطالبون شرعًا بأن ينصر بعضهم بعضًا، ولا سيما حين تدعو لهذا ضرورةٌ من ظلم أو استضعاف، أو اعتداء خارجي، أو نحو هذا. وهذا التناصر والتآزر من أعظم حقوق الأخوة بين المسلمين وأهمها، كما أنه من مظاهر الولاء بينهم ومقتضياته كذلك. وإنه لا يستقيم شرعًا ولا عقلًا أن يكون بين غير المسلمين ولاءٌ ومناصرة، ثم يتراخى المسلمون في تحقيق الولاء فيما بينهم، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (الأنفال: 73). ومن أعظم المنكر، وأشد الانحراف شرعًا وعقلاً أن يوالي أحدٌ من المسلمين غير المسلمين، وينحاز إليهم من دون إخوانه في الدين؛ ذلك أن ميزان الولاء في نظر الإسلام إنما هو العقيدة الإسلامية، فمن كان من أهل هذه العقيدة وجبت له النصرة والموالاة. والواقع أن هناك كثيرا من المسلمين في شتى بقاع الأرض يتعرضون للفتنة والاضطهاد، ويُسامون في كل يوم سوء العذاب، فتنتهك حرماتهم، وتُزهق أرواحهم، وتهدم بيوتهم، وتصادر ممتلكاتهم، إنها مآسي تحتاج إلى مجلـــدات لإحصائها والحديث عنها، وقد عرف الكثير منها القاصي والداني، بل حتى أطفالنــــا قد ألفوها لكثرة تردادها على مسامعهم وأعينهم. وإنَّ ما يحدث للمسلمين في أرض الإسراء والمعراج، واحدة من تلك الصفحات المأساوية التي يعيشها المسلمون، بل هي أشدها على الإطلاق، وأكبر دليل على هذا الواقع الأليم المهين الذي نعيشه في هذا الزمان. إن أولئك المسلمين المقهورين المظلومين لهم على إخوانهم المسلمين القادرين حقُّ النصرة والنجدة، بكل الوسائل الممكنة، حتى يبرؤوا من محنتهم وينفكوا من أغلال الظلم الذي يكتنفهم، ولا سيما وأنهم محاصرون مستضعفون، يقول الله -عز وجل-: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (الأنفال: 72)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم، ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم، ويردُّ عليهم أقصاهُم، وهم يدٌ على من سواهم».
لاتوجد تعليقات