وقفات سلفية – من ثمرات الالتزام بمنهج السلف – توحِّد صفوف المسلمين والنصر والتمكين
من أغلى ثمرات الالتزام بمنهج السَّلف توحد صفوف المسلمين؛ فالسّلف أحرص الناس على جمع كلمة المسلمين على الحق، ولم شعثهم، وإصلاح ما فسد من شؤون دينهم ودنياهم، وإزالة أسباب النزاع والفرقة بينهم؛ لعلمهم أن الاجتماع رحمة، وأن الفرقة عذاب؛ ولأن الله - عزّ وجلّ - أمر بالائتلاف، ونهى عن الاختلاف كما في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}(آل عمران: 102- 103).
وذلك؛ لأن طريقة السّلف هي الطريقة المثلى؛ فهي ترد جميع المسلمين إلى الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين؛ فالدول التي قامت على السنة، هي التي جمعت شمل المسلمين، وقام بها الجهاد والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعزّ بها الإسلام قديماً وحديثـاً، منذ عهد الخلفاء الراشدين ومروراً بالدولتين الأموية العباسية، ولاسيما في أول عهدهما إلى الدولة السعودية في الوقت الحاضر؛ حيث نصرت السنة، ودعت إلى التوحيد، وحاربت البدع والشركيات، وطـهّرت البلاد المقدسة منها، ولا تزال كذلك - بحمد الله - وينبغي أن تبقى كذلك على عهدها .
بخلاف الدول التي قامت على غير السنة التي مزقت المسلمين، وأشاعت بينهم البدع والشركيات، ولما صارت للمعتزلة وزارة ومراكز في عهد بعض الخلفاء العباسيين ظهرت البدع الكلامية، وحوصر أئمة أهل السنة، وافتتن الناس - بل العلماء - في دينهم .
الهداية والنصر والتمكين في الدنيا
وهذا موقوف على مذهب متابعة السَّلف، قال الله -تعالى-: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِفَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ}(البقرة: 137).
وقال الإمام مالك -رحمه الله-: «لَنْ يَصْلُحَ آخرُ هَذهِ الأمةِ إِلاَّ بما صَلُحَ بهِ أَوَّلها ؛ فَمَا لَمْ يَكُنْ يوْمئذ دينا لاَ يَكُونُ اليَوم دِينا».
طريقة السلف: أسلم ، وأعلم ، وأحكم
وهو في الواقع برهان ودليل ساطع على الالتزام بمنهج السّلف الصالح وثمرة من ثمراته، كما أنه رد وبيان لبطلان المقالة القائلة: «إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم وأعلم»، ويتضح ذلك من الوجوه التالية :
- أولاً: إن العبارة متناقضة في نفسها؛ إذ لا سلامة إلا مع العلم والحكمة، ومذهب السلف هو الأعلم، والأحكم، والأسلم .
- ثانياً: أن العلم والحكمة في الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو ما عليه السّلف دون الخلف؛ فمذهب السلف هو الأولى بالعلم والحكمة .
- ثالثاً: إن السلامة في الدنيا والآخرة منوطة شرعاً باتباع ما جاء به الرسول[ قال -تعالى-: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}(النساء: 65)، وهذا هو ما عليه السّلف، وهذا لا يكون إلا مع العلم، كما قال -تعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}(محمد: 19)، وقال -سبحانه-: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(الزخرف: 86)، والحكمة اتباع ما فيه السلامة ودلّ عليه البرهان، والدليل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فثبت أن العلم والحكمة والسلامة فيما عليه السّلف .
- رابعاً: إن سبب هذه المقالة، هو ظن من تكلم بها بأن مذهب السّلف هو مذهب أهل التفويض، وهو قراءة حروف القرآن الكريم والسنة النبوية، دون اعتقاد ما تدلّ عليه من معنى عند من يقول منهم: إن لها معنى مفهوما، وعند من يقول: إن لها معنى لا يُفهم، أو ليس لها معنى، فلا يزيد على قراءة الحروف فقط، والحق أن هناك فرقا بين مذهب السّلف، ومذهب أهل التفويض .
وتحريره هو أن مذهب السّلف ، تفويض في الكيفيات والحقائق الخارجية الواقعية ، أما المعاني اللغوية فلا تفويض فيها؛ لأن ألفاظ الكتاب نزلت بلغة العرب، وهي موضوعة لِمَعَانِ مقصودة من إطلاق اللفظ؛ ولذا ثبت عنهم أنهم قالوا أمرّوها كما جاءت، ولا يمكن يصح الإمرار إلا بأن يمر اللفظ بما حمله من معنى .
يقول ابن تيمية -رحمه الله-: «فتأويل ما أخبر الله -تعالى- به عن نفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الأسماء والصفات، هي حقيقة لنفسه المقدسة، المتصفة بما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به -تعالى- عن الوعد والوعيد هو ما يكون من الوعد والوعيد نفسه؛ ولهذا ما يجيء في الحديث نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه؛ لأن ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، فيه ألفاظ متشابهة تشبه معانيها ما نعلمه في الدنيا لفظاً ومعنى، لكن ليس هو مثله ولا حقيقته حقيقته؛ فأسماء الله -تعالى- وصفاته أولى، وإن كان بينهما وبين أسماء العباد وصفاتهم تشابه لا يكون لأجلها الخالق مثل المخلوق ولا حقيقته كحقيقته».
وهذا هو معنى قول الإمام مالك -رحمه الله-: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة»، وقول شيخه ربيعة بن عبد الرحمن -رحمه الله-: «الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا الإيمان»، ومن أسباب هذه المقالة كذلك، هو أخذ الخلف بالتأويل، الذي هو صرف النصوص إلى معنى قد تحتمله اللغة، لكن في غير هذا السياق المعيّن، والتأويل عندهم مظنون بالاتفاق، فلا أحد منهم يقطع بالمعنى الذي صرفوا اللفظ إليه لم يحصِّلوا شيئاً، بل تركوا النصوص، وفيها الحق واليقين، ولجؤوا إلى احتمالات وتجويزات مزقتهم كل ممزق، مع حيرة وضياع .
- خامساً: إن اتفاق السّلف في سائر عصورهم على ما هم عليه دليل علمهم، واضطراب الخلف وتنقلهم من رأي إلى آخر، دليل عدم علمهم بالحق واضطرابهم في الاستدلال .
- سادساً: رجوع كثير من أئمة الخلف إلى مذهب السّلف وتصريحهم بصحة ما عليه السّلف، كالأشعري، والجويني وغيرهما، وأما السّلف فما علم عن أحد علمائهم، ولا صالح عامتهم رجوع عما هم عليه .
- سابعاً : شهادة أئمة الخلف على أنفسهم بالضلال ومن ذلك قول الغزالي: «الإيمان المستفاد من الدليل الكلامي ضعيف جداً مشرف على الزوال بكل شبهة، بل الإيمان الراسخ إيمان العوام الحاصل في قلوبهم الصبا بتواتر السماع».
لاتوجد تعليقات