وسائل النجاة من الغفلة
بعض الناس -مع الأسف- مبتلى بداءٍ خطير ومرضٍ كبير، ألا وهو داء (الغفلة)، هذا الداء الذي نتج عنه عند الكثيرين تبلد المشاعر وموت الأحاسيس، وعدم المبالاة، فنحن نسمع أحاديث عظيمة في فضائل رمضان، وإذا به يدخل ويخرج وقلَّ من يستفيد منه، ونسمع نصوص الترغيب والحث على طاعة من الطاعات كالإنفاق، وقيام الليل، وذكر الله -تعالى- والسنن الرواتب ومع ذلك نسمع وكأن الأمر لا يعنينا.
وهذا خلاف ما ذكر الله -جل وعلا- من حال المؤمنين الذين هم أبعد الناس من وصف الغافلين، قال -تعالى-:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}(القيامة:1-2)؛ فالنفس اللوامة هي نفس المؤمن التي تلومه عند الخير والشر؛ فعند الشر تلومه؛ لأنه وقع فيما حرمه الله -تعالى-، وعند الخير تلومه ألا يكون قد ازداد، أما نفس الفاجر؛ فهي تمضي قدماً لا يكترث ولا يبالي وهذه هي الغفلة بعينها.
مقت الله للغفلة
- مقت الله الغفلة في كتابه في آياتٍ كثيرة؛ فقد شبه الله -جل وعلا- الغافلين بلقب قبيح، ووصف ذميم؛ فقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف:179).
- وبين الله عقوبة الغافلين، وهي الختم والطبع على القلوب؛ فلا تقبل هدى ولا تصل إليها موعظة، قال -تعالى-:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ}(النحل: 107-109).
النجاة من الغفلة
- فإذا كان الأمر كذلك وجب على المرء اجتناب طريق الغافلين واتباع سبيل المؤمنين؛ فمن الوسائل المعينة على السلامة من هذا الداء.
ذكر الله تعالى
- أولاً: الحرص على ذكر الله -تعالى- والاجتهاد فيه وذكر الله -تعالى- كما يكون باللسان؛ فإنه كذلك يكون بالقلب والجوارح، يكون بالقلب بأن يكون في قلب العبد من تعظيم الله -تعالى- والإقرار له بحقه -جل وعلا- قال -تعالى-: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}(الكهف:24)، ويكون بالجوارح بأن تسخر هذه الأعضاء في طاعة الله -تعالى- ومرضاته، وبأن تحجز عن كل ما يسخط الله -جل وعلا.وذكر الله من أعظم أسباب السلامة من الغفلة ولاسيما عند غفلة الناس ونسيانهم، قال بعض السلف :«ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة، ولولا ذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس»، وفي الأثر «لولا شيوخ ركع، وبهائم ركع، وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا». وقال ابن القيم -رحمه الله-: «على قدر غفلة العبد عن الذكر يكون بعده عن الله»، وقال: «إن الغافل بينه وبين الله وحشة لا تزول إلا بالذكر».
عدم مصاحبة الغافلين
- ثانياً: من أسباب السلامة من الغفلة: عدم مصاحبة الأشرار من العصاة الغافلين؛ فإنهم مرضٌ معدٍ وسمٌ قاتل قال -تعالى- لنبيه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}(الكهف:28).
قال ابن القيم: «إن مجالس الذكر مجالسُ الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالسُ الشياطين؛ فليتخير العبدُ أعَجَبَهُمَا إليه وأولاهما به؛ فهو مع أهله في الدنيا والآخرة»، وفي هذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الجلوس في مجالس الغافلين؛ فقال: «ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة»، رواه أحمد عن أبي هريرة .
تدبر كلام الله تعالى
- ثالثًا: ومن أسباب السلامة من الغفلة كذلك تدبر كلام الله -تعالى- والنظر في مصير الأقوام المكذبين، والفجار المعرضين، قال -تعالى- عن فرعون:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}(يونس:92).
قيام الليل
- رابعًا: ومن الأسباب كذلك الحرص على قيام الليل؛ فهو من أعظم ما يطرد الغفلة عن القلوب، ويجعلها متعلقة بمناجاة علام الغيوب، قال صلى الله عليه وسلم: جاء عند الدارمي من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين, ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين».
صلاة الجمعة
- خامسًا: ومن الأسباب الحرص على صلاة الجمعة, ولا يعني هذا التفريط في بقية الصلوات، كما يفعل بعض الناس اليوم؛ ممن يظن ألا تجب عليه الجماعة إلا في الجمعة فقط، وإذا حضر حضر متأخراً، وقد لا يدرك الخطبة أو حتى الصلاة، وهذه من أنواع الغفلة؛ فعن عبدالله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: «لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجمعات أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكوُننَّ من الغافلين».
حضور القلب
- سادسًا: ومن أسباب طرد الغفلة حضور القلب حال الدعاء، وألا يكون الدعاء مجرد ألفاظ تجري على اللسان دون معرفة لمعناها، ولا إدراك لمحتواها قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلبٍ غافل» رواه أحمد وحسنه الألباني.
توحيد الله تعالى
- سابعًا: تحقيق توحيد الله -تعالى-؛ فالمشرك الذي يصرف العبادة لغير الله من ميتين ومقبورين، أعظم الناس غفلة، وقد جمع هذا الجاهل بين ذهاب عقل وانعدام رأي, وحطَّ بنفسه إلى أن هبط بها إلى دركات البهيمة وهذا حق؛ فماذا نتوقع ممن يدعو الأموات ويترك رب الأرض والسماوات؟ قال -تعالى-:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (الأحقاف:5-6).
عدم اللهث وراء الدنيا
- ثامنًا: ومن الأسباب أيضاً عدم اللهث والركض وراء الدنيا حتى ينسى العبد أمر الآخرة؛ لهذا جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني: «من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتُتن»، ولا شك أن أعظم ما ينسي العبدَ أمر الله -تعالى-، نسيان أمر الآخرة، والفرح بالدنيا؛ فهي في الغالب سبب البلاء، وموطن الشقاء والحسرة, جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يُجاءُ بالموت يوم القيامة كأنه كبشٌ أملح؛ فيوقف بين الجنة والنار؛ فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم: هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال ثم يقال: يا أهل الجنة خلودٌ ولا موت ويا أهل النار خلودٌ ولا موت، ثم قرأ رسول الله قوله -تعالى-:{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُون} (مريم:39)، وأشار بيده إلى الدنيا؛ وهذا حق؛ إذ إن بعض الناس لعجزه وضعفه ليست عنده القدرة أن يدفع عن نفسه أدنى فتنة، وأقل شهوة.
قال بعض العلماء: «ركب الله الملائكة من عقل بلا شهوة، وركب البهائم من شهوة بلا عقل، وركب ابن آدم من كليهما؛ فمن غلب عقله على شهوته؛ فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته على عقله فهو شر من البهائم».
وصدق القائل:
إذا المرء أعطى لنفسه كل ما اشتهت
ولم ينهها تاقت إلى كل باطلِ
وساقــت إليه الإثم والعــار بالذي
دعته إليه من حلاوة عاجـلِ
لاتوجد تعليقات