د. أحمد فريد لـ(الفرقان) رمضان شهر الانتصارات، ولن يتحقق النصر للأمة إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة
يقول الله -عز وجل-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وانطلاقا من هذه الآية الكريمة كان حوارنا مع الدكتور أحمد فريد -أحد كبار علماء الدعوة السلفية في مصر-، الذي أكد فيه على أن شهر رمضان من أعظم مواسم الطاعات التي لابد أن يغتنمها الإنسان، وأن يرجع فيه إلى ربه؛ فيسعى لمغفرة ذنوبه، وتكثير حسناته؟
- بدايةً كيف ترى اغتنام ما تبقى من شهر رمضان؟
- الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أطيب المرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فمرحبا بحضراتكم وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، لاشك في أن شهر رمضان من أعظم مواسم الطاعات، ومعلوم أن رمضان ثلاثون يومًا، أو تسع وعشرون يومًا؛ إذ يقول الله -سبحانه وتعالى-: {أيامًا معدودات}، إشارة إلى أن الشهر يمر سريعًا، كالضيف الخفيف الذي لا تشعر به، وتستقبله وأنت فرح بقدومه؛ إذ به يستعد للرحيل قبل أن تشبع منه، وهو فرصة لأمور كثيرة:
- الأمر الأول: تكثير الحسنات؛ وذلك لكثرة العبادة الواجبة والمستحبة في الشهر الكريم.
- الأمر الثاني: مغفرة الذنوب؛ ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه - قَالَ، قال رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وقال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وفي الحديث المتفق عليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه»، ولذلك قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ».
- الأمر الثالث: رمضان فرصة للتوبة؛ فشهر رمضان فرصة عظيمة للتوبة إلى الله -عز وجل-؛ إذ أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا جاء رمضان فُتّحـت أبواب الجنة، وغُـلّـقـت أبواب النار، وصُفّـدت الشـياطين» رواه مسلم.
- الأمر الرابع: رمضان فرصة للدعاء؛ حيث ذكر الله -سبحانه وتعالى- آية الدعاء في وسط آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، والمسلمون في شهر رمضان يستجيبون لله -عز وجل- ويستجيب الله -سبحانه وتعالى- لهم.
- الأمر الخامس: رمضان فرصة للتشبه بالصالحين، وذلك بالقيام، وطيب الكلام، وإطعام الطعام، وتزكية النفس؛ فالمسلم في شهر رمضان يرتفع من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان؛ فأسأل الله أن يبارك لنا فيما تبقى من رمضان، وأن يختم لنا فيه بالإحسان.
- ذكرتم فضيلة الشيخ في كلامكم أن شهر رمضان فرصة لتزكية النفس، كيف تكون تزكية النفس في هذا الشهر الكريم؟
- شهر رمضان هو شهر تزكية النفوس، والتزكية هي التخلية والإصلاح، والنفس تزكو بطاعة الله -عز وجل-، بالصلاة والصيام وتلاوة القرآن والصدقة، كما تزكو كذلك بغض البصر وإمساك اللسان وصيانة النفس من سماع الغناء والموسيقى وكل ما يغضب الله -عز وجل-، وفي صحيح مسلم من حديث زيد ابن أرقم، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا».
- القرآن والصيام يشفعان للعبد يوم القيامة. كيف ترى شفاعة الصيام والقرآن وسبل تحقيق ذلك؟
- القرآن يشفع لمن قرأه بفهم وتدبر وإتقان، والصيام يشفع لمن صان صيامه، يقول جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه - رضي الله عنه -: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً»، أما من صام عن الطعام والشراب ولم يصم عن الكلام المحرم والنظر المحرم والسماع المحرم فينطبق عليه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -ُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري.
- كيف يكون ذلك؟
- كثير من الناس يصومون رمضان ويصلون التراويح ويختمون القرآن بوصفها عادات، وهذا خلاف النص النبوي: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، فلا بد من الإيمان والاحتساب، أي انتظار الأجر من الله -عز وجل- حتى يترتب الثواب ومغفرة الواحد الوهاب، والأعمال بالخواتيم، وينبغي أن تكون خواتيم الشهر خيرا من بدايته.
- تمر الأمة الإسلامية والعربية بأزمات كبيرة ومتتالية كيف ننظر إلى شهر رمضان مع هذه الأزمات؟
- الأمة تمر بأزمات كثيرة في الحقيقة، من أهمها تسلط اليهود على فلسطين، وقد عوّدنا الله -عز وجل- في شهر رمضان على الانتصارات، فقد انتصر المسلمون في رمضان في أعظم انتصارين في الإسلام، انتصار بدر في السنة الثانية من الهجرة، وفتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة؛ فشهر رمضان شهر الانتصارات وتفريج الكربات والوصول إلى الدرجات، ولن يعود للأمة مجدها وعزها وتحقق النصر الذي تريد إلا بالعودة والاعتصام بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة في شؤونها كافة، نسأل الله أن يجعل رمضان هذا العام كذلك.
- قبيل شهر رمضان احتفل الصهاينة بالقدس بوصفها عاصمة للكيان الصهيوني، برأيك كيف ترى هذا الحدث؟
- الكيان الصهيوني يريد تحقيق حلمه بإقامة دولتها المزعومة من النيل إلى الفرات، وأن تكون القدس عاصمتها، وهي -مع الأسف- تستغل ضعف المسلمين لأخذ خطوات إلى الأمام، وفي الحقيقة صمود الشعب الفلسطيني ووقوف المسلمين وراءهم بعد فضل الله -عز وجل سوف يحول بينهم وبين أحلامهم بإذن الله، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}.
فستعود القدس إلى المسلمين إذا أخذ المسلمون بأسباب العزة والنصر بالجهاد والبذل وإعزاز دين الله -عز وجل-؛ إذ يقول -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
- بماذا تنصح المجتهدين في العبادة في شهر رمضان والمقبلين على الله تعالى؟
- كما يقولون: المؤمن يزرع رطبًا ويخاف أن يُثمر شوكًا، والمنافق يزرع شوكًا ويرجو أن يُثمر رطبًا، ومِن علامات النجاة: أن يجمع العبد بين الاجتهاد في الطاعة والعبادة والخوف مِن الله -عز وجل- ومِن علامات الهلاك: أن يجمع العبد بين التقصير في طاعة الله -عز وجل- والأمن مِن مكر الله -عز وجل-؛ فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- مع اجتهادهم في طاعة الله -عز وجل- يتهمون أنفسهم بالتقصير، ويغلب عليهم الخوف مِن الله -عز وجل.
- ما الواجب الذي يتحتم على المسلم المداومة عليه سواء في رمضان أم في غير رمضان؟
- لا شك أن من أوجب الأمور التي أوجبها الله -عز وجل- علينا التوبة، قال -تعالى-: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون}، وقال -عز وجل- في وصف المتقين: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}، وقال: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}.
فالمؤمن ليس معصومًا من الذنوب، ولكنه يبادر بالتوبة، ويسارع إليها إذا بدرت منه معصية، وهكذا كان الصحابة -رضى الله عنهم- يسارعون إلى التوبة والإنابة، وقد فتح الله -عز وجل- هذا الباب العظيم باب التوبة، ودعا كل العباد للولوج منه، قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»، وقال - صلى الله عليه وسلم - «إن الله -عز وجل- يقبل توبة العبد ما لم يغرغر».
قال الإمام النووي: وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة؛ فالتوبة واجبة على الفور، وتأخير التوبة ذنب تجب التوبة منه.
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: «واعلم أن الإنسان ما دام يأمل الحياة، فإنه لا يقطع أمله في الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصى وغيرها، ويرجيه الشيطان بالتوبة فى آخر عمره، فإذا تيقن الموت، وأيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا؛ فندم حينئذ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب ويعمل صالحا فلا يجاب إلى شيء من ذلك، بل يستعد للموت قبل نزوله بالتوبة والعمل الصالح، قال -تعالى-: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}».
- ما موقف أهل السنة من مرتكبي الذنوب والمعاصي ولا سيما الكبائر منها؟
- أهل السنة دائما وسط بين من تلاعبت بهم الشياطين فأوقعتهم في الإفراط أو التفريط؛ ففي هذة القضية أهل السنة وسط بين المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، وبين الخوارج والمعتزلة – ويشملهم اسم الوعيدية-؛ فحكمت الخوارج على فاعل الكبيرة بالكفر في الدنيا، وبالخلود في النار في الآخرة؛ والمعتزلة أنزلوا فاعل الكبيرة في الدنيا (منزلة بين المنزلتين) فنفوا عنه اسم الإيمان، ولم يثبتوا له اسم الكفر، وقالوا: فاسق، ثم الآخرة إما جنة وإما نار، فحكموا عليه بالخلود في النار؛ فاختلفوا مع الخوارج مقالا، واتحدوا معهم مآلا.
فأهل السنة وسط بين هؤلاء (المرجئة)، وهؤلاء (الوعيدية)، يرجون للمحسنين من المؤمنين الجنة، ويخافون على المذنبين من النار، ولكنهم لا يحكمون لأحد بجنة أو بنار إلا من شهد له الشرع بذلك.
قال الطحاوي رحمه الله: وأهل الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في النار لا يخلدون، وإذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر -عز وجل- في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48)، وإن شاء عذبهم في النار بعدله ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته؛ وذلك بأن الله -تعالى- تولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من وَلا يته، اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به!
- بماذا تفسر انتشار التكفير في هذه الأيام وانجراف كثير من الشباب في هذا المستنقع ؟
- لا شك أن ما يعيشه المسلمون في هذه الأيام من فراغ فكري لا يجد فيه المسلمون ما يشغلون به أوقاتهم، يتيح الفرصة لأهل الأهواء والبدع لترويج بدعهم ونشر أفكارهم المنحرفة، وساعدهم على ذلك غياب شمس الشريعة، واختلاف المناهج الإسلامية في الدعوة إلى الله، وعاطفة الشباب التي لا تضبطها مقاييس إسلامية صحيحة مستندة إلى الكتاب والسنة الصحيحة؛ كانت هذه الظروف كالعوامل المساعدة لخلف الخوارج القائلين ببدعة تكفير المسلمين بغير بينة واضحة أن يروجوا بعض آرائهم وأهوائهم، وذلك لشيوع المخالفات في أمور التوحيد وغيره نتيجة لجهل الناس بأمور دينهم، وعدم وجود من ينبههم إلى خطورة ما وقعوا فيه.
- مفهوم السلفية تعرض لكثير من التشويه من أناس ادعو الانتماء إليه فما رأيكم في هذه القضية؟
السلفية ليست فهم شخص من الأمة للإسلام غيرِ معصوم، وليست مجرد اعتقاد السلف -رضي الله عنهم-، وكذلك هي ليست امتثال الهدي الظاهر وحده؛ إنما السلفية منهج حياة متكامل، وصياغة للحياة كما لو كان السلف الصالح -وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم من أهل القرون الخيرية- يعيشون في زماننا.
السلفية عقائد، وأخلاق، وآداب، وأعمال، وأقوال، موافقة لما كان عليه سلف الأمة، السلفية هي الامتداد الطبيعي للإسلام الخالي من البدع، والشبهات والشهوات؛ لذلك الذين يهاجمون السلفية إنما قصدوا الإسلام الصافي الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ونشره أصحابه -رضوان الله عليهم- على الدنيا جميعًا.
- ما نصيحتكم للدعاة، وما أهم الأخلاق التي يجب أن يتصف بها الداعية؟
- الوعظ والتذكير من أشرف الوظائف التي يمكن أن يشتغل بها عبد من عباد الله, وكيف لا يكون كذلك؟ وهو وظيفة الأنبياء والمرسلين الذين اختصهم الله -عز وجل- بهذا الفضل المبين؛ فالدعوة وظيفة أشرف البشر, وكذا أتباعهم من المؤمنين الذين أحبوا دعوة الرسل, وآمنوا بها, وبذلوا ما يملكون في سبيل نشرها, قال -تعالى- آمرًا رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108), وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: «أشرف الناس منزلة من كان بين الله وبين عباده, وهم الأنبياء والعلماء», وقال بعضهم: «إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك».
ومن أهم الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الداعية: الإخلاص، وأن يكون الداعية صحيح العقيدة سليم الفهم للكتاب والسنة، كذلك العلم والبصيرة، الرفق، سلامة القلب، وأن يجتهد الداعية في العمل بما يدعو إليه، كذلك من أهم الصفات الصبر والحلم والمداراة.
- كيف ترون انتشار ظاهرة الإلحاد في الفترة الأخيرة بين الشباب وما نصيحتكم لهم؟
- لا شك أن وقوع الشباب فريسة للمواقع الإلحادية المشبوهة، التي اغتر بها بعض أبنائنا أو بناتنا، وظنوا أنها دواء نافع لما يعيشه كثيرٌ ممن حُرِم أسرة صالحة متدينة، أو ابتلي بأصدقاء سوء زينوا له الباطل وظنه حقًا.
وأنا أحذر الشباب والفتيات من مستنقع الإلحاد، وأقول لهم: احذروا العلمانية والليبرالية؛ فإنها قنوات تصب في هذا المستنقع؛ فهذه المذاهب والأفكار المنحرفة تصل بمن سلك سبيلها في نهاية المطاف إلى الإلحاد، وهو «إنكار وجود الله -عزّ وجلّ-»، واعتقاد أن الكون وُجد صُدْفة بلا مُوجِد أو أنه أوجَد نفسَه، فهو الخالق والمخلوق.
ولقد راجت هذه البضاعة الكاسدة في بلاد الغرب؛ لأنهم ليسوا على شيء، فكيف تروج في بلاد المسلمين الذين أتَمّ الله -عزّ وجلّ- عليهم النعمة بكمال التشريع على قلب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فنزل عليه بعَرَفة يوم عَرَفة في (حجة الوداع): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
- رسالة أخيرة ترسلها للأمة العربية والإسلامية في هذا الشهر الكريم.
- أقول في رسالتي، على الأمة الإسلامية أن تعتصم بحبل الله -عز وجل-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، والوحدة والتعاون على طاعة الله -عز وجل-، وأن يكون طلب العزة من الله لا من غيره، والأخذ بذروة سنام الإسلام، حتى تنتفض الأمة من كبوتها وتعود إلى سالف عزتها.
لاتوجد تعليقات