هـل هـي آخـر المعارك؟!
لا للتقسيم، لا للمفاوضات السرية، لا للحكم الذاتي لصرب شمال كوسوفا، لاءات تسبق السجالات المتوقعة داخل الأمم المتحدة، بين بلغراد وبريشتينا، والتي يصفها البعض بأنها آخر المعارك حول كوسوفا، أو بداية النهاية للصراع التاريخي بين الصرب، والألبان. ويصفها آخرون بأنها معركة مهمة للغاية، في حرب ستستمر لبعض الوقت، وإن كانت نهايتها معروفة. وبدا واضحا من تصريحات الطرفين، أن الشعور يلعب دورا مهما في نسج المواقف، فالشعور سواء كان مستندا إلى حقائق موضوعية، أوحقائق عاطفية، غالبا ما يقود العقل ، ويسيطر على الإرادة، ويسبح ضد التيار حتى لو كان جارفا. فقد دعت صربيا مجلس الأمن إلى بدء محادثات جديدة بين بلغراد وبريشتينا حول مستقبل كوسوفا ، في حين طالبت كوسوفا بقرار جديد لمجلس الأمن يسمح لها بالانضمام إلى الأمم المتحدة. وكان مجلس الأمن قد عقد أولى جلساته يوم الاثنين 2 أغسطس بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ، الذي أيد شرعية استقلال كوسوفا من وجهة نظر القانون الدولي. وانتهت جلسة مجلس الامن دون تحقيق، أي شيئ يذكر. ولكن المعركة المثيرة، كما كان الحال أمام محكمة العدل الدولية في 22 يوليو الماضي، ستكون في الأمم المتحدة في سبتمبر القادم، حيث تسعى بلغراد للحصول على أغلبية تدين قرار استقلال كوسوفا وهو ما يشكك في حصوله السياسيون والخبراء الصرب قبل غيرهم.
إصرار مقابل إصرار
وقد أبدت صربيا إصرارا لا مثيل له رغم تساقط أوراقها الواحدة تلو الأخرى، من الحرب 1998 – 1999م، إلى المفاوضات 2005 – 2007م ، إلى التحكيم 2009 – 2010م، وها هي تتمسك بورقة الأمم المتحدة، والتي في ظلها تجرعت صربيا كل الهزائم السابقة.
معركة صربيا من أجل كوسوفا، داخل الأمم المتحدة، تبدو حاليا غامضة، رغم الحشد الصربي الكثيف لها، والمتمثل في تسليم 55 دولة مطالب صربية بعدم الاعتراف باستقلال كوسوفا، تقول بلغراد عنها وفق صحيفة (فيتشرني نوفوستي)، الصربية الصادرة في بلغراد يوم 12 أغسطس2010م: إنها تتعرض لضغوط من أجل الاعتراف باستقلال كوسوفا.
وتعتقد بلغراد أن مساعيها لدى الدول المذكورة قد نجحت، وهي في معظمها دول أفريقية ، وآسيوية، ومن أمريكا اللاتينية، إلى جانب الدول الخمس داخل الاتحاد الأوروبي وهي، إسبانيا، وسلوفاكيا، ورومانيا، وقبرص، واليونان, فلم تعلن أي دولة اعترافها باستقلال كوسوفا منذ صدور الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي يوم 22 يوليو 2010م وحتى منتصف أغسطس من نفس العام، فقد بقي الرقم كما هو ، ويعني اعتراف 69 دولة من أصل 192 دولة عضو في الأمم المتحدة . وقالت صحيفة (بليك) الصربية الصادرة في بلغراد يوم 13 أغسطس 2010م إن وزير الخارجية الصربي فوك يريميتش يحاول هذه الأيام دون كلل أن يؤمن أغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار من الأمم المتحدة يدين الإعلان عن استقلال كوسوفا في 17 فبراير عام 2008 م.
أما وزير خارجية كوسوفا، إسكندر الحسيني، الذي حقق نصرا لبلاده أمام محكمة العدل الدولية، فقد اعتبر في كلمته أمام مجلس الأمن يوم 2 أغسطس 2010م أن «قرار مجلس الأمن 1244 لم يعد يعبر عن حقيقة الأوضاع على الميدان، فقد اتخذ سنة 1999م بشكل مؤقت، وبعد إعلان الاستقلال في 2008م، وصدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، يتوجب مسايرة التغيرات الهيكلية الحاصلة» وتابع: «أنا أتحدث بصفتي وزيرا لخارجية دولة مستقلة ذات سيادة ومن حقي الاحتجاج على أي دعوة تستهدف النيل من هذه السيادة التي تعترف بها الولايات المتحدة و22 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي أو 69 دولة عبر العالم». بيد أن «الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استبعد قبول كوسوفا عضوا في الأمم المتحدة ما لم يكن هناك عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعترف (120 دولة على الأقل) باستقلال كوسوفا»حسب صحيفة «كوهادي تور» الألبانية الصادرة في بريشتينا، وأن «تغيير القرار 1244 يتوقف على مجلس الأمن، وليس الأمم المتحدة، أو محكمة العدل الدولية».
وفي الوقت الذي رفضت فيه روسيا اعتبار الحسيني وزيرا لدولة مستقلة ذات سيادة لأنها لا تعترف باستقلالها، أعلنت فرنسا على لسان مندوبها في مجلس الأمن «ميشال ساربوني» أنها «ترفض الطلب الصربي الداعي لمواصلة المفاوضات حول مستقبل كوسوفا» وأيدتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من الدول الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن. وتابع ساربوني «صربيا ستكون الخاسرحتى لوحصلت على الأغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وإن كنت أشك في ذلك». وأردف «بالتأكيد فإنه لا فرنسا ولا الدول ال 22 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت باستقلال كوسوفا ، ولا مجلس الأمن يمكنه قبول الطلب الصربي». وحسب ما ذكرته «شبكة بي 92» الصربية ، فإن الولايات المتحدة «أعربت عن أسفها لاستمرار صربيا في الجري وراء قضية حسمت».
تحذيرات من عدم الاعتراف
مرور بعض الوقت على صدورالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، أثار قلق بريشتينا، حيث حذر وزير خارجية كوسوفا، إسكندر الحسيني، من أن التباطؤ في الاعتراف باستقلال بلاده مضر للسلام والاستقرار في المنطقة ودعوة إلى إثارة البلبلة، وقال: إن «أي استشارة أو دعوة، إلى عدم الاعتراف باستقلال كوسوفا، هي دعوة ضد السلام ودعوة ضد الاستقرار في منطقة غرب البلقان وأوروبا» وأضاف في حوارمع «شبكة صوت أميركا»: «دعوة صربيا وبعض الدول المؤيدة لها إلى استئناف بحث مستقبل كوسوفا، مضيعة للوقت وتهديد للسلام والأمن الإقليمي والقاري والدولي»، وأكد على استعداد كوسوفا لإجراء مباحثات مع صربيا ولكن «على مستوى الدولة» وأن تكون «مباحثات بين دولتين جارتين تنعمان بالاستقلال والسيادة وتتوقان لعلاقات حسن جوار في إطارمساعي الطرفين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي».
وانتقد الحسيني استمرار صربيا في مساعيها لاستمرار الجدل حول استقلال كوسوفا، ونقلها المعركة إلى الأمم المتحدة «ليس وراء الإجراء الصربي سوى استمرار حالة اللاسلم واللااستقرار في المنطقة، وهذا، هو جوهر الطلب الصربي من الأمم المتحدة» وأكد أن كوسوفا ضد أي محادثات حول مستقبلها بعد خطة مارتي اهتساري، عام 2007م وإعلان الاستقلال عام 2008م وصدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 22 يوليو الماضي. وفي رده على سؤال بخصوص تقسيم كوسوفا قال: «لدينا حدود دولية، ونحن لن نتخلى عن أي شبرمن أرض كوسوفا أو إعادة ترسيم حدودنا». وأعلن عن أن «العشرات من الدول عبر العالم أعربت عن استعدادها للاعتراف باستقلال كوسوفا، كما أن الدول الخمس في الاتحاد الأوروبي، والتي لم تعترف بعد باستقلالنا ستخطو قريبا في هذا الاتجاه».
معركة الأمم المتحدة
المعركة القادمة داخل الأمم المتحدة ، ستكون مصيرية، ولكنها لن تكون حاسمة، فصربيا ستلجأ لآخر الملاجئ هربا من الهزائم المتلاحقة، وهو مجلس الأمن الذي تتمتع فيه الحليفة روسيا بمقعد دائم، يضمن لها استخدام حق النقض (الفيتو). وهذا ما قاله أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الصربية، رادوسلاف ستويانوفيتش، لصحيفة (نوفوستي) الصربية في 14 أغسطس 2010م «إذا خسرت صربيا المعركة في الأمم المتحدة، يجب أن تواصل المعركة داخل مجلس الأمن الذي تعد قراراته ملزمة، ويمكن من خلاله التحصن داخل موقفنا من استقلال كوسوفا» وتابع: «روسيا والصين وهما دولتان تتمتعان بحق النقض (الفيتو)، مؤيدتان لنا، وبذلك نضمن بقاء القضية مفتوحة وأن بلغراد لم تستسلم»، وأضاف: «إذا فشل مشروع قرار إدانة إعلان استقلال كوسوفا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا ينبغي الاستسلام لليأس»، واعتبر هزيمة صربيا في الأمم المتحدة «خسارة معركة الدبلوماسية وليس الحرب». أما أستاذ العلاقات الدولية بريدراغ سيميتش فقد أشار إلى أن «خسارة صربيا للمعركة في الأمم المتحدة، ستضعف موقف روسيا في مجلس الأمن وتظهر في صورة مواجهة الأغلبية، ولكنها تظل تتمتع بحق النقض».
وأما وزير خارجية صربيا الأسبق فوك دراشكوفيتش فقد توقع «خسارة جديدة لصربيا في الأمم المتحدة»، وحذر من «مفاجآت جديدة» بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. كما حذر من اللجوء إلى الأمم المتحدة، بدل المراهنة على مجلس الأمن، والموقف الروسي داخله.
وأعرب كوشتونيتسا عن تشاؤمه من إمكانية إحراز أي فائدة من الأمم المتحدة لمصلحة صربيا « لأن الأمم المتحدة لا توجد بها مواقف آمنة كما هو الحال في مجلس الأمن وموقع روسيا فيه».
على الصعيد الأوروبي، اتفقت الدول الأعضاء في الاتحاد على تحديد التاسع من شهر سبتمبر القادم كآخر موعد للتوصل إلى صياغة موقف موحد حول كوسوفا في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونقلت صحيفة « زيري « الألبانية الصادرة في بريشتينا يوم 12 أغسطس 2010م، عن مصادر دبلوماسية تأكيدها أن «الاتحاد الأوروبي حدد يوم 9 سبتمبر القادم كموعد أخير للدول الأعضاء الـ 27 للتوصل إلى اتفاق حول موقف موحد من كوسوفا، بناء على الاقتراح الذي تقدمت به رئيسة الدبلوماسية الأوروبية كاترين ايشتون في هذا الخصوص، وقالت مصادر: «بروكسل أمام تحد كبير، وهو ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيتغلب على انقساماته، لكن السائد هو التفاؤل برد موحد وإيجابي لكل الدول الأعضاء؛ حتى يكون موقف الاتحاد قويا ومؤثرا ومتماسكا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك». ولم تخف تلك المصادر وجود عقبة كبرى، تمثلها إسبانيا قد تحول دون التوصل إلى وئام يعبرعن أوروبا موحدة، كما يتوقع أن يمارس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضغوطاً لآخر لحظة على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإفشال مشروع قرار إدانة استقلال كوسوفا الذي تقدمت به صربيا للجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية يوليو الماضي.
لاتوجد تعليقات