رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 20 فبراير، 2018 0 تعليق

الجرأة على الله في تحليل الحرام…!!


 

     كم رأينا جهالاً تصدروا للعلم، وتطفلوا في ساحات المعرفة، وهم ليسوا منها في قليل ولا كثير، ديدنهم الجرأة على الفتوى، ودأبهم التجاسر على التحليل والتحريم، متشبعين بما لم يعطوا، يتكلمون بما يعلمون وما لا يعلمون، ويهرفون بما لا يعرفون، وهم من أجهل الناس في أحكام الشريعة. إن الفتوى من أخطر ما أوقف العلماء، وأحرجهم، بينما تجرأ عليها السفهاء؛ فبدؤوا يقدمون للناس الفتاوى على الهواء وفوق الأرض وتحت أديم السماء، ولكثرة الجهل، وحاجة الناس إلى الدواء الشرعي يصدّق هؤلاء لقلة علمهم، وحسن نيتهم؛ فيسعون لتطبيق تلك الفتاوى على أنفسهم، وعلى غيرهم، ولم ينتبهوا إلى خطورة ما يفعلون، وإلى خطر هؤلاء المفتين المتجرئين.


     إن القول على الله -تعالى- بلا علم يتضمن: الكذب عليه، ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما أثبته، وإثبات ما نفاه، وعداوة من والاه، وموالاة من عاداه، وحب ما أبغضه، وبغض ما أحبه، وتحريم ما أحل، وتحليل ما حرم. قال ابن أبي مُليكة -رحمه الله تعالى-: سئل أبو بكر الصديق  رضي الله عنه  عن آية فقال: «أي أرض تقلني؟ وأي سماء تظلني؟ وأين أذهب؟ وكيف أصنع؟ إذا أنا قلت في كتاب الله برأيي، أو بما لا أعلم». يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: في مجموع الفتاوى (16/ 96) «... والله يحب الكلام بعلم وعدل، ويكره الكلام بجهل وظلم».


     إذا التمست أسباب هذه القضية، فإن أهمها ضعف الوازع، وقلة الرادع، والتقصير في التقوى والإيمان ومخافة الواحد الديان، وعدم المنهج الصحيح في التلقي والتحصيل، فضلا عن قاصم الظهور داء الشهرة وحب الظهور، واستشراء التعالم المذموم، وغلبة الهوى، وقعود الأكفاء والمؤهلين عن البلاغ والبيان، ولا يدفعنَّ بعض المؤهلين ورع كاذب، وتثبت بارد في تبليغ ما يعلمون من دين الله عز وجل.

إن هذا جناية وسوء أدب مع الله -عز وجل- كيف تعلم أن الحكم لله ثم تتقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم؟! لقد قرن الله -تعالى- القول عليه بلا علم بالشرك به فقال -سبحانه وتعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33).


     ولا تقولوا في دين الله ما لا تعلمون: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الأنعام: من الآية144). وعلى هذا النهج القويم والطريق المستقيم سار التابعون بإحسان والسلف الصالح -رحمهم الله- أجمعين، فلقد سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أحسنها، فقال له أصحابه: ألا تستحي أن تقول: لا أعلم، وأنت فقيه أهل العراقين؟! قال: ولكن الملائكة لم تستح حين قالت: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (البقرة:32)؟!

إن من التناقضات جرأة كثير من الناس على إصدار الفتاوى الشرعية مع أنهم يجهلون كثيراً ولم يُعرفوا بالعلم ولا مجالسة أهله، بل إنهم زادوا المصيبة وبالاً وشناعةً عندما قاموا يخطّئون العلماء الراسخين، فنصبوا أنفسهم فقهاء ومحدثين، بل ومجتهدين مطلقين.


     قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: «يا لله العجب! لو ادعى رجل معرفة صناعة من صنائع الدنيا ولم يعرفه الناس بها ولا شاهدوا عنده آلاتها؛ لكذّبوه في دعواه ولم يأمنوه على أموالهم ولم يمكّنوه أن يعمل فيها ما يدّعيه من تلك الصناعة. فكيف بمن يدّعي معرفة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وما شوهد قط يكتب علم الرسولصلى الله عليه وسلم-   ولا يجالس أهله ولا يدارسهم؟! فيا لله العجب! كيف يقبل أهل العقل دعواه ويحكّمونه في أديانهم يفسدها بدعواه الكاذبة؟اهـ.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك