رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالهادي بن حسن وهبي 14 يناير، 2018 0 تعليق

طرق التخلص من الهوى(3) أشد أعداء الإنسان هواه

إننا نعيش في زمان صعب، كثرت فيه الفتن، وانتشرت الشهوات انتشار النار في الهشيم؛ فالشر مستطير، والفساد مستفحل، وداعي الهوى مشمر. استرسل الناس في اتباع الهوى استرسال البهائم؛ فعقولهم مسبية في بلاد الشهوات، ودينهم مستهلك بالمعاصي والمخالفات، وهمتهم واقفة مع السفليات، لذلك كان على الإنسان أن يعرف كيف يتخلص من هواه، وهذا ما نحاول معالجته في هذه السلسلة، واليوم نكمل ما بدأنا الحديث عنه في طرق التخلص من الهوى.

الطريق السابع

أن يعلم العبد بأن أعدى عدو له هواه، قال أبو حازم -رحمه الله-: «قاتل هواك أشد مما تقاتل عدوك». احذر من الهوى؛ فالهوى عدو أزرق، فكن منه على حذر شديد. ومن أطاع هواه، أعطى عدوه مناه.

قال أبوالعتاهية -رحمه الله-:

قاتل هواك إذا دعاك لفتنة

                                  قاتل هواك هناك كل قتال

فالهوى كالنمر إذا حارب، لا ينصرف إلا بقمع بالغ، وقهر ظاهر.

     حارب عدوا قد قتلك بالهوى، واطلب الثأر. لا تستخفن بعداوة الهوى أبدا، وإن كان ضئيلا. كم نظرة محتقرة، زلت بها الأقدام؟! فكن على حذر من الهوى «فأمان المرء من حذره»، قال بعد ملوك العجم لأسير أتى به، كان عظيم الجرم: لو كان هواي في العفو  عنك، لخالفت الهوى في قتلك؛ ولكن لما كان هواي في قتلك، خالفته إلى العفو عنك.

ولا يقوى على ذلك إلا من تخلص من ذل حظه، ورق هواه.

الطريق الثامن

أن يعلم العبد أن الهوى داء، ومخالفته دواء, قال الحسن البصري -رحمه الله-: «شر داء خالط قلبا -يعني الهوى».

     وقال أبوسليمان الداراني -رحمه الله-: «أفضل الأعمال خلاف هوى النفس». فالهوى من أكبر أدواء النفوس، ومخالفته من أعظم أدويتها. واعلم أن داء الآدمي الهوى،  وعلاجه الحسم، متى استفحل الداء، فالكي أنفع. والهوى قاتل الفتى، وفي كل يوم غصة يتجرع. ومن تداوى بدائه، لم يصل إلى شفائه. فداؤك هواك، ودواؤك ترك هواك.

فالعجب منا، ومن جهلنا: كيف ندع الدواء، ونقتحم الداء؟!

فيا أيها الموفق: خالف هواك وكن من العقلاء؛ قبل أن يعظم بك الداء والبلاء.

قال القائل:

هوت بك النفس ولم تعصها

                                          إلى مكان من هواها سحيق

وقال القائل:

وأنت يا نفس شغلت بالهوى

                                 حتى هويت منه في قعر هوى!

خالف نفسك «من متابعة هواها، ومساعدتها على نيل مشتهاها».

فبلاء الهوى موافقة النفس

                                وبدء الهوى طمح العين

والعين داعية الهوى.

                               وغض عن المحارم منك طرفا

طموحا يفتن الرجل الأريبا

                               فخائنة العيون كأسد غاب

إذا ما أهملت وثبت وثوبا

سئل الأستاذ أبو سهل الصعلوكي -رحمه الله- عن حقيقة العبودية؛ فقال: «الموافقة والمخالفة، وهو أن يوافق الحق، ويخالف نفسه وهواه».

واعلم بأنك متى خالفت هواك فالهم عنك زائل، والأجر لك حاصل.

ومن أعطى النفس هواها، أرداها في مهواها، فتلك شقوة بلغت مداها.

فمن آثر هواه خسر دينه ودنياه، ومن اتبع رضاه جعل الخير والحسنى عقباه، وصير الجنة مثواه مأواه.

فازجر واردع نفسك عن هواها، واقمعها عن شهواتها، عساك تبلغها يوم العرض مناها.

الطريق التاسع

ألا يعرض العبد نفسه للفتنة

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «من سمع بالدجال فلينأ عنه».

فما استعين على التخلص من الشر، بمثل البعد عن أسبابه ومظانه.

فاحذر -رحمك الله- من أن تتعرض للفتنة، فبعيد أن يسلم مقارب الفتنة منها. وكما أن الحذر مقرون بالنجاة، فالتعرض للفتنة مقرون بالعطب، وندر من يسلم من الفتنة مع مقاربتها ولاسيما فتنة النساء.

    عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون؟ فاتقو الدنيا، واتقوا النساء، فإن أو ل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».

وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء».

     فإن فتنتهن عظيمة، والوقوع فيها خطير وضررها كبير؛ فإنهن مصائد الشيطان وحبائله، كم صاد بهن من معافى فأصبح أسير شهوته، رهين ذنبه، قد عز عليه الخلاص! والذنب ذنبه؛ فإنه الذي لم يحترز من هذه البلية، وإلا فلو تحرز منها، ولم يدخل مداخل التهم، ولا تعرض للبلاء، واستعان باعتصامه بالمولى، لنجا من هذه الفتنة، وخلص من هذه المحنة.

قال أبو العتاهية -رحمه الله-:

إذا اعتصم المخلوق من فتن الهوى

                                      بخالقه نجاه منهن خالقه

فعلى العاقل ألا يستصغر شيئا من الهوى؛ فإن استصغر الصغير أوشك أن يجمع إليه صغيرا وصغيرا، فإذا الصغير كبير.

كل الحوادث مبداها من النظر

                                         ومعظم النار من مستصغر الشرر

قال ابن القيم -رحمه الله-: الشهوة مثل النار، إذا أضرمها صاحبها بدأت بإحراقه.

      فابتعد عن أسباب الفتنة؛ فإن المقاربة محنة لا يكاد صاحبها يسلم. ومن تعرض لساحل البحر -وهو لا يحسن السباحة- فالظاهر غرقه. ومن اقتحم بحر الهوى لعبت به أمواجه، فهو إلى الهلاك أدنى منه إلى السلامة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: «بحر الهوى إذا مد أغرق».

بحر الهوى بحر عميق قعره، كثير خطره، لا قرار له. فمن رام مع متابعة الهوى البلوغ إلى الدرجات العلا، فهو غريق في الغفلة.

الطريق العاشر

رأن يعلم العبد أن متبع الهوى دائماً مأسور

     فهو أسير مسجون مقيد، أسير الشهوة: مكبل بقيودها مستسلم لها، وفي قيد الهوى مأسور، ونفسه في أيدي الهوى مأسورة. فهو كما قيل: طليق برأي العين وهو أسير. كلما مرت به امرأة، صعد النظر إليها وصوبه. «فهو طليق ومأسور».

فهو في قيد جديد، قائلا من جهله: هل من مزيد؟

     يرى نفسه حرا مطلقا وهو أسير الشهوات، وسجين الموبقات، ورهين الظلمات، محبوس في سجن الهوى في بئر مظلم عميق، ومكان سحيق. فهو أسير الأغنية، والقصص الماجنة، والأفلام الخليعة، والمواقع الإباحية- المرتع الخصب للهوى- «ولا أسير أسوأ حالا من أسير أسره أعدى عدو له، ولا سجن أضيق من سجن الهوى، ولا قيد أصعب من قيد الشهوة». و«المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه».

     فكيف يسير إلى الله والدار الآخرة «قلب قد قهرته الشهوة، وأسره الهوى، ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه»؟! وكيف يخطو خوة واحدة؟! ومتى أسر الهوى قلبا لم يفلح؛ «فأصبح في سجن الهوى ثاويا، وفي أسر العدو مقيما، وفي بئر المعصية ساقطا، وفي أودية الحيرة والتفرقة هائما، معرضا عن المطالب العالية إلى الأغراض الخسيسة الفانية».

     «قيدتك نفسك بقيود الهوى، وأفسدت من حالك ما استقام واستوى». وقد قيده الهوى بسلاسله؛ تأخر «عن الفضائل إلى الورى، وتدهور إلى الهاوية والردي». قد ضيقت على نفسك الخناق، فما أبقيت للنجاة موضعا. عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إن مثل الذي يعمل السيئات، ثم يعمل الحسنات، كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة، فانفكت حلقة، ثم عمل حسنة أخرى، فانفكت حلقة أخرى، حتى يخرج إلى الأرض. ألا فاطلبوا الخلاص من أسر الهوى، فقد جد الطالبون.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك