رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني 25 نوفمبر، 2017 0 تعليق

الفرق بين دعوة أهل السنة ودعوة أهل البدع والأهواء

في هذه المقالة سنبين كثيراً من الفروق بين دعوة أهل السنة وغيرهم، والقصد من ذلك بيان الرتبة العلية لدعوة أهل السنة، فيشكر أهلُها ربَّهم على هدايته إياهم لهذا السبيل؛ فإن شكر النعمة فرع عن معرفتها وتصورها، وأيضًا أردت من ذلك بيان اضطراب الدعوات الأخرى، ليحذر منها المسلمون، ولينخلع منها من وقع فيها وهو يريد نجاة الدنيا والآخرةـ

      وأكثر هذه الأسطر موجودة في أحد أسئلة العدد التاسع من (سلسلة الفتاوى الشرعية) إلا أنني رأيت انتزاعه وتنقيحه والزيادة عليه، ونشره مستقلاً، تحت عنوان (رفع الحجاب عن الفرق بين دعوة أهل السنة ودعوة أهل البدع والأحزاب)، وقد نبهت في آخر الجواب أنه يجب الحذر من الإفراط والتفريط، وأن هذه الفروق منها ما هو فرق صحة، ومنها ما هو فرق كمال، فبعضها يفرق بين صاحب الفرقة الناجية وأصحاب الفرق الهالكة، وبعضها يفرق بين الكمال في الدعوة والنقص فيها وإن كان الجميع من أهل السنة، وذكرت أيضًا أنه يجب أو ينبغي لمن ينتسب لدعوة أهل السنة أن ينظر أين هو من هذه الفروق؟ أعني الموافقة للحق منها كي لا يكون انتسابه للسنة مجرد عاطفة أو كلمة باللسان؛ فإن السنة منهج في الاعتقاد والأقوال والأفعال، وإنما احتجت، للتنبيه أيضًا على ذلك في مقدمة هذه الرسالة لأهمية هذا الأمر، وإني أحمد الله- عز وجل-؛ إذ شاع بين طلبة العلم في هذه الدعوة الاعتدال في الأمر كله، زادنا الله جميعًا بصيرة وثباتًا على الحق، إنه جواد كريم، بر رحيم.

يُحَكِّمون الكتاب والسنة

      أهل السنة: يُحَكِّمون الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ولا يُقدمون على ذلك عقلاً أو عادة، أو مكاشفة، أو ذوقًا أو منامًا، أو حزبًا، وأما غيرهم فيحكمون بهذه الأمور أو ببعضها على الكتاب والسنة، فما خالفها من الكتاب والسنة حرَّفوه، فإن عجزوا عن ذلك ردوه، بدعوى أنه يخالف الأصول أي أصولهم هم أو أنه آحاد، أو أنه يخالف مصلحة الدعوة أي فهمهم للدعوة، لا فهم سلف الأمة وقد رحم الله أهل السنة بوقوفهم عند فهم السلف الصالح، وترك ما سواه.

يوالون ويعادون بعدل وإنصاف

      أهل السنة: يوالون ويعادون على المنهج السابق بعدل وإنصاف، وغيرهم يوالي ويعادي على هواه وحزبه، فمن وافقهم على ما هم عليه فهو المقرَّب المبجَّل وإن كان فاجرًا شقيًا، ومن خالفهم فهو المعذَّب المهمل، وإن كان عالمًا تقيًا، وكأن من وافقهم فهو من أهل بدر: «اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم» وكأن من خالفهم فلا تنفعه شفاعة الشافعين.

يعتنون بالعلوم الشرعية

      طالب العلم من أهل السنة يعتني بالعلوم الشرعية، ويظهر ذلك عليه بالرحلة لأهل العلم، والاستفادة من علمهم وخُلُقِهم، والاعتماد على ما يثبت من الأدلة الشرعية، والعمل بمقتضى العلم الشرعي بخلاف أهل البدع: فإنهم يُحَذِّرون من علوم السنة وأهلها، ويكرهون علم الإسناد والأثر، ويحرضون طلبة العلم مع هذا على الانكباب على الجرائد والمجلات والصحف اليومية أو الأسبوعية أو نحو ذلك، وأهل السنة لا يمنعون الاطلاع على ذلك، لكن العناية العظمى عندهم بالعلوم الشرعية، وأما غيرهم فإن اعتنى بشيء من العلوم الشرعية فبمقدار ما يخدم به حزبه ودعوته أو يشغب به على صغار أهل السنة، أو يشنع به على علمائهم {وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (فاطر:43)، و«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».

التصفية الشاملة

      السني -ولاسيما في حالة الاختيار- يعتني بالتصفية الشاملة: في العقيدة وفي العبادة وفي الخطابة والكتابة،وفي المناهج والصفوف، ثم التربية على هذا الإسلام المصفى مما علقه من شوائب الجهل والكيد، وغير السني شعاره الغثائية والحرص على الكم لا الكيف في كل ما مضى، ويَعُدُّ أهل التصفية والتربية متنطعين.

أسماؤهم وألقابهم

      أهل السنة: يحرصون أن تكون أسماؤهم وألقابهم كما كان عليه سلفهم؛ لأنهم يعلمون أن التسمية تكون أول أمرها كلمة سهلة، وفي نهاية أمرها تكون ملة ونحلة، فتراهم يتسمون بـ: أهل السنة والجماعة، وأهل الحديث، والفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، والسلفيين ونحو ذلك، وأما غيرهم فيسمى نفسه بما اختاره له أميره أو قائد حركته، ويتبرم من الأسماء السابقة، ويضيق بها ذرعًا، فالله المستعان.

أهل اعتدال مع الموافق والمفارق

      أهل السنة: أهل اعتدال مع الموافق والمفارق، فيشهدون بما عند المخالف من حق إن كان في ذلك مصلحة شرعية، ويردون على من أخطأ منهم وكان مقدمًا فيهم، وهمهم في ذلك الذب عن السنة، وغيرهم يغضون الطرف عن زلات أصحابهم وإن كانت في العقيدة، ويتتبعون عثرات مخالفيهم، ويشنعون بها عليهم وإن كانت لها وجه احتمال فلسان حالهم يقول:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

                                    كما أن عين السخط تبدي المساويا

تاريخهم قديم

      تاريخ دعوة أهل السنة قديم؛ فهم يرجعون بدعوتهم إلى ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضي الله عنهم-، ومن تبع هداهم ممن جاء بعدهم، وأما غيرهم فتبدأ دعواتهم بمؤسسيها ونُظّارها، وربما نظر بعضهم بلسان الحال أوالمقال إلى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم - الذي هو خير الهدى وأنه لا يصلح الوقوف عنده في هذا الزمان، مع أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها.

سلفية المنهج والمواجهة

      أهل السنة يقولون: بسلفية المنهج والمواجهة، وغيرهم يقول: سلفية المنهج عصرية المواجهة، ويعني أن الاشتغال في هذا العصر يكون بالحكام وأفعالهم، ولا يُشتغل بمسائل الأسماء والصفات إلا بما يحفظها فقط من الاندثار والنسيان، أما أهل السنة فيعطون لكل شيء حجمه، وعلى ما كان عليه سلفهم، وبما يوافق قواعد السلف في تكميل المصالح وتحصيلها، أو تعطيل المفاسد وتقليلها.

منهجهم كله حق

      منهج أهل السنة كله حق؛  لأنه هو الإسلام، والخطأ إنما يكون في آحاد أهل السنة، ولا يجتمعون على ضلالة، ومناهج أهل البدع والحزبيات العصرية لا يمكن أن تكون حقًا من جميع الوجوه، بل فيها حق بمقدار قربها من السنة، وفيها من الباطل بمقدار بُعدها عن السنة، فلو التزم أهلها بجميع أصولها ما حققوا العبودية الصحيحة لله رب العالمين، بخلاف أهل السنة؛ فالحق مذهبهم، والسنة شعارهم ودثارهم،وغيرهم ليس منهجه بمعصوم ولا إجماعهم بحجة.

اتباع الدليل الشرعي

      أهل السنة: يحثون الناس على اتباع العلماء بالدليل الشرعي، ويرجعون إلى أهل العلم في مسائل الاجتهاد التي تتجاذب فيها الأدلة، ويلتبس فيها الأمر على الناظر، فيرون أن اجتهاد أهل العلم خير لهم من اجتهادهم، وإن خالف الطالبُ شيخه لدليل ما، فإنه يترحم على شيخه، ويستغفر له، بخلاف غيرهم، فإنهم لا يرجعون للعلماء، إنما يرجعون لأمراء الجماعات أو نحوهم، ويرمون العلماء بالعمالة والجبن والركون إلى الدنيا، وإن أخذوا بفتوى العلماء فبحسب ما يخدم فكرتهم، وعند ذاك يرفعون من شأن العلماء، فهم علماء لهم عند الحاجة فقط، وإلا فهم عندهم جهلة بواقع الأمة، يوجههم حكامهم للفتوى التي تخدمهم كما يوجه السادة عبيدهم: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (الكهف:5)!.

أبعدُ الناس عن الفتن

      أهل السنة أبعدُ الناس عن الفتن، ودعوتهم تَضْعُف في الفتنة، وغيرهم دعاة للفتن، وإن لم يكن بعضهم داعيًا لها فمنهجه تربة صالحة لزراعة الفتن فيها علم ذلك أم لم يعلم، ولما كانت دعوة أهل السنة صافية واضحة، فإنها تربو في الصفاء والهدوء، وغيرهم يحب الصيد في الغبار أو في الماء العكر، ويتسلق على أكتاف الحوادث، عسى أن ينال بغيته!.

بناء المعتقد الصحيح

      أهل السنة يعتنون ببناء قاعدة صلبة على المعتقد الصحيح،والاستقامة على أمر الله في الظاهر والباطن، وينظرون إلى القمة في الأمة أنهم محتاجون إلى الدعوة، ليصلح الله بها شأنهم، فينصحونهم بالتي هي أحسن، ويذكرونهم بحق الله -عز وجل- وحق الرعية، ومع أنهم يكرهون ما يأتي منهم ومن غيرهم مخالفًا بحق الله -عز وجل-فإنهم لا يكيدون لولاة أمورهم المسلمين وإن جاروا بخلاف غيرهم الذين لا يهتمون بالدعوة للعقيدة الصحيحة، وإحياء السنن، وإماتة البدع، إنما جُلَّ همهم متى يثبون على زمام الأمور، وإن كانت المجتمعات تعجُّ بالشرك الصراح أو الكفر البواح فإنهم يرون أنه ليس هذا وقت الدعوة إلى ذلك، فإن عجزوا عن مرادهم ألهبوا نار الفتن هنا وهناك، تارة بِدَويّ الانفجارات، وأخرى بضجيج المظاهرات، فتكون النتيجة: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} (النور:40) وإن كان ذلك عن حسن نية عند بعضهم إلا أنه لا يسمن ولا يغني من جوع.

لا يدعون إلى بيعات مفرقة

      أهل السنة: لا يدعون الناس إلى بيعات أو عهود مفرِّقة لصفوف الأمة، إنما يبايعون من ولاه أهلُ الحل والعقد، أو من غلب عليها بشوكته جمعًا للكلمة، وسلامة للصف، وينصحون المخالفين بأن يتقوا الله في المسلمين، ولا يزيدوا المسلمين فُرقة فوق فُرقتهم.

لا يلعنون الولاة

     أهل السنة لا يلعنون الولاة فوق المنابر أو غيرها، ولا يشهّرون بأخطائهم، ولا يهيّجون العامة والدهماء والمتربصين بالأمة عليهم، ومع ذلك فلا يتزلفون إليهم، ولا يحرصون على ملازمتهم، والانتفاع بدنياهم، بل ينصحونهم النصيحة الصادقة، ويشيرون عليهم بما يعينهم على القيام بحق الله وحق العباد، ويهتمون بالدعوة إلى الله لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11) ويسمعون ويطيعون في المعروف ويصبرون على الأذى، ويلجؤون إلى الله -عز وجل- لكشف كُربة المسلمين، ولا يتكلفون في تسويغ المواقف، والتماس الأدلة الواهية؛ فإن الدين النصيحة.

يبحثون عن الدليل

      السني يبحث عن الدليل، فإن وجده اعتقد ما فيه، وغيره يعتقد أولاً، فإذا طُلب منه الدليل على قوله، ذهب يلتمس الأدلة، حتى لو لم يجد إلا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وهذا من شؤم الاعتقاد قبل الاستدلال.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك