التعسف في استعمال الحق
إن التَّعسف في استعمال الحق عندالقانونيين هو: استعمال الحق على وجه غير مشروع؛ فالمفروض أن الحق أمر مشروع ومباح الاستخدام؛ ولكن الذي استعمله نحا في ذلك نحوًا غير مشروع، وفرق بين التَّعسف وبين الفعل الضار أو الامتناع الضار؛ لأن الأخيرين غير مشروعين، أي ممنوعين ومحرمين من أول الأمر، أما التعسف فهو استعمال الحق المشروع على وجه غير مشروع.
وللتعسف في القوانين الحديثة أحوال عدة؛ حيث ذكرت التَّقنينات الحديثة ثلاثة أحوال للتَّعسف في استعمال الحق وهي:
- الأول: أن يأتي الإنسان بعمل مشروع، ويقصد به الإضرار بالآخر من غير أن تكون له مصلحة فيه.
- الثاني: أن يأتي بعمل مشروع للحصول على مصلحة ضئيلة له، لا تتناسب مع الضرر العظيم الذي لحق بالآخر من جراء هذا العمل.
- الثالث: أن يأتي بعمل مشروع يقصد به تحقيق مصلحة غير مشروعة، وقد نص على هذا القانون المصري في المادة 4، 5، والقانون السوري 5، 6.
النظرية والفقه الإسلامي
هذه النَّظرية مسطورة في صميم الفقه الإسلامي وبارزة في آيات الكتاب وأحاديث السنة بأوسع من معناها في القانون، وهي من المبادئ الكبرى التي حفظت بها الحقوق منذ كان الإسلام، ومن الأدلة عليها من القرآن والسنة: قول الله -تعالى-: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}(البقرة: 231)؛ وسبب نزول هذه الآية كما أخرج ابن جرير وابن المنذر، أنَّ رجلاً من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلَّق زوجته حتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها إلا يومين أو ثلاثًا راجَعَها ثُمَّ طلَّقها، فعل ذلك بِها حتَّى مَضَتْ لَها تسعةُ أشْهُرٍ يُضارُّها، فأنزل الله -تعالى- الآية.
يعني - والله أعلم - إذا طلَّقْتُمُ النِّساء فقارَبْنَ انْقِضاءَ عِدَّتِهن فأمسكوهن بالرجعة؛ بما هو متعارف في الشرع من حسن العشرة، أوِ اتْرُكوهُنَّ حتَّى تنقضي عدتهن، ولا تُراجِعُوهُنَّ مُضارِّين لَهُنَّ بِهذه الرجعة؛ فيتحقق بذلك عدوانكم عليهن.
ووجه دلالة الآية أن الإمساك حق للزوج، وقد ندب الله -تعالى- إلى استعماله على نحو مشروع وهو الإمساك مع المعاشرة الحسنة، ونهى عن استعماله على نحو غير مشروع، وهو استعماله على وجه المضارة على النَّحو الذي فعله ثابت بن يسار، وهذا بعينه هو إساءة استعمال الحق؛ لأنَّهُ اسْتِعمالُ حقِّ الإمساك: على وجْهٍ غَيْرِ مَشروع.
ومن الأدلة أيضًا قول الله -تعالى- بعد بيان نصيب الإخوة لأم من الميراث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}(النساء: 12)، يعني -والله أعلم- لكل من الإخوة لأم نصيبه بعد أداء دين المورث، وإخراج وصيته، على أن يكون المورث قد أقر بالدين، وأوصى من غير ضرار بورثته، بأن يكون الدين صحيحًا، والوصيَّة لا ضرار فيها.
ووجه الدلالة أنَّ الوصية حق للمورث، وله استعماله على وجه مشروع بأن يكون فيه بر بالورثة، ولا يجوز استعماله على وجه غير مشروع بأن يكون إضرارًا بالورثة، كأن يوصي بأكثر من الثلث، أو يوصي لأحد الورثة؛ فالوصية مع الإضرار هي بعينها إساءة استعمال الحق.
ومن الأدلة أيضًا ما أخرجه أحمد بسنده إلى عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : «لعن الله المحلِّل والمحلَّل له»، وما رُوِيَ عن الأوزاعي عنه صلى الله عليه وسلم : «يأتي على النَّاس زمان يستحلون الربا بالبيع».
وأسوأ أنواعه الخصومة بين الزوجين؛ حيث إن الأب يرفض حضور عقد زواج ابنته وهو وليها، ويتعمد ذلك انتقاما وتعسفا، أو يرفض حضور المستشفى لإنهاء إجراءات خروج المولود وتسميته تعسفا، أو يرفض إعطاء الزوجه الناشز ثبوتية أبنائه الذين في حضانة أمهم تعسفًا، اللهم أصلح أحوال المسلمين وألف على الخير قلوبهم.
لاتوجد تعليقات