التربية الإيمانية..حصن لأبنائنا
لا يكاد الحديث مع الآباء والأمهات يخلو من التعبير عن مخاوفهم الشديدة على الأبناء من الجنوح أو التعرض لتيارات الانحراف المختلفه التي باتت كثيرة في واقعنا المعاصر، ومهما بحثنا عن حل لتلك المخاوف فلن نجد سوى: تعزيز التربية الإيمانية للأبناء.
فلقد أثبت الواقع والتاريخ أن التربية النبوية الإسلامية، التي أرسى قواعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المنهج التربوي الصالح لكل عصرٍ وزمان بما تحمله من أسباب البقاء، وربانية المصدر، وسلامة المنهج، وهي التربية الوحيدة التي تستطيع أن تصمد أمام جميع المتغيرات الثقافية المعارضة، حتى وإن لم ينصرها أهلها، في زمن ضعفهم وتخلُّفهم، لأنها تستمد قوتها من مصدرها الرباني، القرآن الكريم، وتهتدي في نهجها بسيرة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم.
التربية الإيمانية منهج الأنبياء والصالحين
كان الاهتمام بتعليم العقيدة الصحيحة للأبناء منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمصلحين من بعدهم ومن ذلك قوله تعالى عن إبراهيم حين وصى بها أبناءه {(ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ} وفي أول وصايا لقمان لابنه تحذيره له من الشرك، قال تعالى {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوصي ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: “يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله».
لماذا نؤكد على أهمية التربية الإيمانية ؟
لأن عقيدة أبناء المسلمين مستهدفة، يتضح ذلك جلياً إذا تأملنا في البرامج الموجهة للأطفال في وسائل الإعلام (المرئية والمسموعة والمقروءة) بعين الناقد؛ لنقف على هذا الكم الهائل من الأفكار الهدامة التي تعاكس وتضاد العقيدة والأخلاق الإسلامية، وتؤصل لعقائد وأخلاقيات منحرفة وافدة في عقول أبنائنا، وقد يهيء الإهمال التربوي لهذه البرامج أن تعمل عملها، سواء كان الإهمال بتركهم ليل نهار أمام شاشة التلفزيون بلا رقيب أو مفند أو موجه، أم إهمال تعليمهم العقيدة السليمة داخل مؤسسة الأسرة، ومن أهم قواعد التربية الإيمانية للأبناء ما يأتي:
المحافظة على الفطرة السليمة للأبناء
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ” – رواه البخاري - يقول الغزالي: “الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال إليه. فإن عوّد الخير وعلّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب. وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والوالي له..»
وقد شرع الإسلام أمورا عدة ً تعزز تلك الفطرة وتؤكدها، مثل: الأذان في الأذن اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى للمولود بعد الولادة مباشرة، وسر ذلك أن يكون أول ما يقرع سمع المولود كلمات الأذان المتضمنة لكلمة التوحيد والشهادة التي هي أول ما يدخل بها الإنسان لهذا الدين، وعندما يبدأ الكلام يكون أول ما يلقنه الوالدان له هو كلمة التوحيد أيضاً، لقوله صلى الله عليه وسلم:» افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله».
غرس محبة الله في قلوبهم
إن الطفل يتقنُ أولَ ما يتقن التعلقَ والحب، ولاسيما لمن أحسن إليه، ولذلك فإن الحرص على غرس محبة الله تعالى في نفوس أطفالنا أساس لتوحيده سبحانه؛ فإذا عرف الطفل أن خالقه هو الله، وأن رازقه هو الله، وأن الذي يطعمه ويسقيه هو الله.. ازداد حباً له، وبحب الطفل للخالق يحبّ كلامه (القرآن) وشرائعه والأخلاق التي يرتضيها لعباده.
تعليم الطفل الصلة بالله تعالى
إن قوة الصلة بالله والاعتماد عليه يمثل أساساً في بناء عقيدة الطفل خصوصاً في المراحل الأولى من عمره، وهذا الاتصال دائم لا ينقطع، فالعبادة بأنواعها تشعر المؤمن أنه موصول بالله يستمد منه الهداية والعون، يدعو فيجيب الله دعاءه، ومن خلال تعويد الطفل على العبادات كالصلاة والصوم وقراءة القرآن والدعاء والتضرع يعيش هذا الأصل؛ فكلها صلات بين العبد وربه سبحانه، وبتحقيق هذه الصلة تقوى نفسه، وتكون حياته خالية من اليأس والاضطرابات النفسية. (د.سميحة غريب:كيف تربي طفلاً سليم العقيدة؟،ص:48)
تربية الطفل على مراقبة الله تعالى في السر والعلن
يلقن الأب أبناءه بأن الله يسمعهم ويراهم ويعلم ما يسرون وما يعلنون وما يجهرون به من أقوال، ويستشهد لذلك بآيات من كتاب الله ويشرحها لهم، مثل قوله تعالى:{عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار} الرعد:9 – 10.
إنَّ غرس مراقبة الله في نفوس الأطفال يبني بداخلهم الضمير الحيّ، والذي يطلق عليه علماء التربية (الرقابة الذاتية) التي تمثل بوصلة داخلية للأبناء تجعلهم يرفضون كل قول أو فعل لا يرضى عنه الله تعالى، وهذا هو معنى الاستقامة الذي نريده لأبنائنا.
غرس محبة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس الأبناء، ويتم ذلك من خلال حث الطفل على اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، وتشجيعه على امتثال سننه، وأمره بالصلاة عليه كلما ورد ذكره أثناء الحديث.
الإيمان بالملائكة
ويتم ذلك من خلال شرح بسيط للطفل يتعرف من خلاله على الملائكة الكرام، مثل: من الملائكة؟ مم خلقوا؟ ما أعمالهم؟ هذه المعرفة بالملائكة تثمر لدى الطفل لفتات تربوية عدة مثل: محبة الملائكة واحترامهم في الوقت ذاته، والشعور بالحياء من الملائكة المكلّفين بكتابة الأعمال،
واستشعار حضورهم لمجالس الذكر وشهودهم الصلوات. (د.عدنان حسن باحارث: مسؤولية الأب المسلم في تربية ولده،ص: 115)
الإيمان بكتب الله ورسله
ويتمثل في توضيح معنى الكتب والرسالة والنبوة بإعطاء نبذة قصيرة عن أهمها: التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، مع خلاصة حول القرآن الكريم الذي تميز عن باقي الكتب، بحفظ الله تعالى له من التحريف، وبكونه تضمن التعاليم الإلهية التي وردت في غيره، وأنه جاء تبياناً لكل شيء وهدى وموعظة للمؤمنين. مع الحديث بأسلوب قصصي عن أنبياء الله ولاسيما الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم وأولو العزم منهم خاصة.
الإيمان باليوم الآخر
وهذا الإيمان من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالإنسان توّاق أبداً إلى معرفة مصيره والاطمئنان عليه، و تعدّ قصار الصور مدخلاً جيداً للحديث مع الطفل عن اليوم الآخر، لأنه غالباً سيسأل عن معاني الكلمات الغريبة عليه فيها، (مثال: سورة الزلزلة، والقارعة، والتكوير والانشقاق والانفطار)، وكذلك عند وفاة أحد الأقارب أو الجيران، فيلقن الطفل حقائق اليوم الآخر ليستقر في ذهنه الحافز القوي للعمل الصالح وهو الفوز والنجاة يوم القيامة، والحاجز القوي الذي يمنعه من مقارفة الرذائل خشية الخسران والعقاب في الآخرة، وهذه هي ثمرة الإيمان باليوم الآخر. (عبدالرحمن النحلاوي:التربية بالآيات،ص:85 بتصرف)
الإيمان بالقدر خيره وشره
يكمل المربي مهمته بتفهيم الطفل مسألة القضاء والقدر على قدر ما تبلغه عقولهم، فيبدأ بالشرح البسيط ويتدرج في شرح القضاء والقدر إلى أن يستوعب الطفل المفاهيم الآتية:
معنى القضاء والقدر، ومنزلة الإيمان بالقضاء والقدر من عقيدة المسلم، بيان حكمة الإيمان بالقدر. ولابد أن يرى الطفل من واقع والديه القدوة في هذا الجانب فيرى منهم الرضا والتسليم عند النوازل، والأخذ بالأسباب، وعدم التسخط عند وقوع مكروه أو فوات مطلوب، فيفهم أن الإيمان بالقدر دافع إلى العمل والتضحية وليس مسوغاً للسلبية والتواكل..
وأخيراً عزيزي المربي: بهذا المنهج تربى الأطفال في عصر النبوة تربية إسلامية متكاملة الأركان، صاغت من نفوسهم أبطالاً سادوا الدنيا؛ فلنتمسك بها ونحييها في بيوتنا؛ فهي الحصن الآمن لهم إن شاء الله.
لاتوجد تعليقات