مكافأة الأبناء.. منهج نبوي وتربوي
الأطفال يحبون الجوائز ويفرحون بها، واستجابتهم التربوية لأنواع الثواب المختلفة أفضل وأعلى بكثير من استجابتهم للعقاب والقسوة، وإنها لطبيعة في البشر عموماً كباراً وصغاراً؛ فالنفس الإنسانية يشجعها الثواب ويجعلها تسخو في البذل والعطاء، سواء في ذلك الصغير أم الكبير؛ لذا كان الثواب معلماً بارزاً من معالم التربية الإسلامية؛ فلقد علمنا الله -تعالى- في كتابه المجيد أنه لابد من الثواب والعقاب جزاء لأعمال العباد، قال -تعالى-: {نبىء عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم، وأنّ عذابي هو العذاب الأليم} (الحجر:50-49).
وإذا كانت الإثابة على الأمور المحمودة من الأقوال والأفعال والتصرفات، إزاء المواقف المختلفة مما ينبغي أن يعتني به المربي، فلابد من ربط ذلك في وجدان الطفل برضا الله -تعالى- ومحبته وثنائه على العبد وشكره لصنيعه، حتى لا يتحول الثواب إلى مجرد مكافأة دنيوية مادية، فيضعف ارتباط الابن بالله -تعالى- ويكون ذلك مدخلاً لفساد النية الصالحة التي نربي أبناءنا على أنها شرط في قبول العمل الصالح، قال الغزالي -رحمه الله تعالى- «مهما ظهر من الصبي من خلق جميل وفعل ممدوح؛ فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به، ويمدح بين أظهر الناس».
الإثابة منهج تربوي
ويقرر علماء التربية أن الإثابة منهج تربوي رئيس في ضبط سلوك الطفل، وتطويره، وهي أيضاً أداة مهمة في خلق الحماس ورفع المعنويات وتنمية الثقة بالذات؛ لأنها تعكـس معنى القبول الاجتماعي الذي هو جزء من الصحة النفسية، والطفل الذي يُثاب على سلوكه الجيد المقبول يتشجع على تكرار هذا السلوك مستقبلا.
ولذلك فإن من أفضل تعريفات (الإثابة) عند علماء التربية، أنها: «أثر يحدثه المربي في المتربي، فور سلوكه سلوكاً إيجابياً، فيسبب له راحة نفسية أو مادية، بهدف دفعه إلى تكرار هذا السلوك الإيجابي، والاستمرار فيه».
الإثابة على السلوك الجيد
يتعلم الطفل الكلام ، والاعتماد على ذاته باللباس، ومشاركة الأطفال في التسلي باللعب؛ لأنه يتلقى الاهتمام والإثابة من قبل الوالدين وأفراد الأسرة، والمحيط الذي يعيش في كنفه وإطاره، ويقع على الوالدين -بالدرجة الأولى- ممارسة الإثابة بوصفها نهجا أساسيا تربويا في توجيه الطفل، والسيطرة على سلوكه وتطويره تطويراً سليماً ومتكيفاً. وإيجابية الإثابة في تعزيز السلوك الحسن لا تقتصر في الواقع على الأطفال، بل هي أداة حفز مهم في ترشيد الأداء الجيد ورفع وتيرته، وخلق الحماس ورفع المعنويات ، وتنمية الثقة بالذات عند الكبار أيضاً؛ لأنها تعكس معنى القبول الاجتماعي الذي هو جزء من الصحة النفسية؛ وعلى هذا فإن الإثابة تؤطر السلوك وتحدد منحاه وتوجهاته عند الصغار والكبار على حد سواء، ثم إنّ الطفل الذي يثاب على سلوكه الجيد المقبول المتوافق، يكون لديه الحافز القوي على تكراره مستقبلاً.
والسؤال الذي قد يتبادر إلى ذهن المربي هو: ما أنواع الإثابة التربوية الفعالة؟
الثواب بالقبول
ويعني القبول بالنسبة للطفل: إحاطته بالحب والتعاطف، وكلما كان القبول كبيراً، كانت المسافة بين الطرفين قصيرة؛ مما يزيد العلاقة بين طرفي العملية التربوية حميمية، ويتولد عنها المشاعر الجميلة، ومن أعظم ما يدل على قبول الولد منذ اللحظة الأولى لميلاده في ثقافتنا الإسلامية هو النسيكة، وهي وليمة استقبال للمولود، يدعى إليها الأهل والأصدقاء على شرف مجيئه، ثم يستمر القبول للطفل بمظاهر متعددة تعبر عنه، كالتحية والتقبيل، والبشاشة عند استقباله، والسؤال عن حاله، والإهداء له، والإنفاق عليه، وغيرها.
الإثابة الاجتماعية
ومنها أيضاً ما يطلق عليه: (الإثابة الاجتماعية) وهذا النوع من الإثابة هو على درجة كبيرة من الفعالية في تعزيز السلوك المقبول المرغوب، ونعني بالإثابة الاجتماعية، الابتسامة والتقبيل والمعانقة والربت والمديح والاهتمام، وإيماءات الوجه وتعبيرات العين المعبرة عن الرضا والحبور والاستحسان؛ فالعناق والمديح تعبيران عاطفيان سهلا التنفيذ،و والأطفال عادة ميالون إلى هذا النوع من الإثابة، فضلا عن التقبيل؛ لأن فيهما مضامين عاطفية، وتعبيرا عن الحنان والحب.
المدح والثناء
يبدو المديح فعالاً في تعزيز السلوك الجيد للطفل إذا كان معتدلاً، وهنا يتعين التركيز على مدح السلوك ذاته وليس الطفل؛ لأن الهدف هو جعل هذا السلوك متكرراً مستقبلاً، مع عدم الغلو في المدح حتى لا يفقد قيمته، أو يدفع الطفل نحو الغرور.
الإثابة المادية
إلى جانب الإثابات المعنوية الاجتماعية هناك المكافآت المادية ، كإعطائه الحلوى، والألعاب والنقود، أو إشراك الطفلة في إعداد الحلوى مع والدتها تعبيراً عن شكرها لها، أو اصطحاب الطفل برحلة ترفيهية خاصة (زيادة مصروف، حديقة حيوانات، سيرك.. إلخ)، وقد دلت الإحصاءات على أن الإثابة الاجتماعية تأتي بالدرجة الأولى في تعزيز السلوك المرغوب، بينما تأتي الإثابة المادية بالدرجة الثانية، ولكن هذا لا يمنع من وجود أطفال يفضلون الإثابات المادية.
تعجيل الإثابة والمكافآت للأبناء
ولابد من إنجاز المكافأة تنفيذاً عاجلاً بلا تردد ولا تأخير، وذلك بعد إظهار السلوك المرغوب، والأداء المطلوب، والتعجيل بإعطاء المكافأة أو الإثابة الاجتماعية هو مطلب شائع في السلوك الإنساني؛ لأن سرعة الإثابة تحدث أكبر الأثر المحفز في نفس من نثيبه، وهو هدي نبوي علمنا إياه النبي[؛ حيث قال: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» (رواه ابن ماجة رقم: 2443)، وعلى الأبوين الامتناع عن إعطاء المكافأة أو توجيه الإثابة لسلوك مشروط من قبل الطفل، أي طلب إعطاء المكافأة قبل أداء السلوك المطلوب؛ فالإثابة تأتي بعد تنفيذ الأداء أو السلوك المطلوب وليس قبله.
وهناك شروط مطلوب توافرها في وسائل الثواب التربوي:
- أن تكون مناسبة لعمر الأبناء وجنسهم.
- أن تكون المكافآت متدرجة في القيمة المالية والتربوية.
- أن تكون المكافآت تستهدف تعزيز قيمة تربوية محددة.
- أن تكون بعض المكافآت قابلة للتخزين والحفظ لمدة طويلة.
- أن تكون بعض المكافآت تكمل حاجات الأبناء ورغباتهم.
- أن تكون متنوعة، ودائمة، ومتباعدة، ومختلفة.
- أن يرفق تسليم المكافأة أو إسداء الثواب ببيان السبب الموجب لها.
وأخيراً عزيزي المربي..
تذكر أن الثواب التربوي لا ينبغي أن يتحول إلى نوع من الشرط على الفعل؛ بحيث إذا لم يعط الصبي لم يفعل، فإن الثواب يظل قائماً بدوره التربوي ما كان ثواباً، فإذا تحول إلى شرط أو إملاء من الصبي، فقد الثواب قيمته التربوية وأتى بالضد منها، وهذا ما لا نريده لأبنائنا، بل نريد لهم أن يكونوا صالحين راشدين .
لاتوجد تعليقات