الموقف الشرعي من الاحتفال بالموالد
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ: سُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْاثْنَيْنِ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَعَلَيَّ فِيهِ أُنْزِلَ» رواه مسلم،وهذا الحديث مما استدل به المجوزون للاحتفال بالمولد النبوي؛ ولو تأمل هؤلاء السياق الذي جاء فيه الحديث, ومقاصده, والحكم والعلل التي اشتمل عليها؛ لخرجوا بما يبطل مقصودهم, بل ويدلل على نقيضه؛ كما هو بيّن من خلال الفوائد التالية التي دل عليها الحديث:
السؤال عن صيام يوم الاثنين
- الفائدة الأولى: أنّ السؤال عن صيام يوم الاثنين؛ وليس عن يوم الاثنين نفسِه، وإنّما عن العبادة فيه؛ لبيان أنّ أسباب تعظيم هذا اليوم يرجع إلى أسباب شرعية؛ فذكر -صلى الله عليه وسلم - سببَ الحكم، وبيّنَ أنّ تخصيص صوم يوم الاثنين راجع إلى هذا السبب.
الحكم الواحد قد يُعَلَّلُ بعِلَّتينِ
- الفائدة الثانية: أنّ الحكم الواحد قد يُعَلَّلُ بعِلَّتينِ ويُعلَّقُ بسببين؛ فذكر هنا في الحديث السببين نصاً لا استنباطاً.
تفضيل الأيام
- الفائدة الثالثة: أنّ تفضيل الأيام، وتعيين أسباب الفضل، والأحكام المترتبة على تلك الأسباب، وكيفية العبادة فيها؛ كلّ هذا شرعي توقيفي لا مجال للاجتهاد أو الرأي فيه من أيّ وجه من الوجوه.
حُكم شرعي تكليفي
- الفائدة الرابعة: أن استحباب صوم يوم الاثنين كحُكم شرعي تكليفي معلَّق على أسباب ثلاثة:
السبب الأول: أنه يوم ولادته -صلى الله عليه وسلم -.
والسبب الثاني: أنه اليوم الذي أُنزِل فيه القرآن.
والسبب الثالث: أنه اليوم الذي تُعرَض فيه الأعمال.
وهذه الأسباب الثلاثة جاءت نصّاً، وذكر بعض العلماء غيرها استنباطاً؛ كما قال الشنقيطي في أضواء البيان (8/383): «فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صِيَامِهِ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَعَلَيَّ فِيهِ أُنْزِلَ»، وَكَانَ يَوْمَ وُصُولِهِ الْمَدِينَةَ فِي الْهِجْرَةِ، وَكَانَ يَوْمَ وَفَاتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدِ احْتَفَى بِهِ -صلى الله عليه وسلم - لِلْمُسَبَّبَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَكُلُّهَا أَحْدَاثٌ عِظَامٌ وَمُنَاسَبَاتٌ جَلِيلَةٌ».
يوم العيد لا يُصام
- الفائدة الخامسة: أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم - جعل يومَ ولادته يومَ صومه؛ والمقرَّر في شريعتنا أنّ يوم العيد لا يُصام ؛ وإنما صام يوم الاثنين الموافق ليوم ولادته من الأسبوع؛ لبيان أنه لا يصلح أن يكون عيداً؛ فهذا نهيٌ ضمنيٌّ من اتخاذ يوم ولادته عيداً للمسلمين، فاستحباب صيام يوم الاثنين دلّ على ثلاثة أمور:
الأول: أنه صوم شكر.
والثاني: أنّ استحباب الصوم يستلزم أن لا يكونَ هذا اليومُ يومَ عيد.
والأمر الثالث: قد جعل الشارعُ الصومَ في كل أسبوع؛ وهذا دليل قاطع على أنّ اعتبار تخصيص يوم ولادته بالنسبة إلى تاريخه السنوي في شهر ربيع الأول غيرُ مقصود ولا مطلوب للشرع؛ فلم يَعتبر الشرع تاريخَ ولادته باعتبار الشهر والسنة؛ لمخالفة طريقة أهل الكتاب في اعتماد التاريخ السنوي؛ كما نَرى في ميلاد عيسى -عليه السلام- حيث يعتبرون التاريخ السنوي ويجعلونه عيداً لهم؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم - خالفهم من ثلاث جهات:
- الأولى: جعله يوماً في الأسبوع.
- والجهة الثانية: خالفهم في تخصيصه بالعبادة.
- والجهة الثالثة: الصوم فيه؛ ويوم العيد لا يُفرَد بالصيام كما عليه الجمهور.
فهذا الحديثُ قد دلّ على دلالات كثيرة؛ منها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم - نَهى أمّتَه -بدلالة المفهوم- عن الاحتفال بيوم ولادته وجعلِه عيداً؛ فتأمّل.
لا تجد بدعةً يكون مستنَدُ أصحابها أدلة الشرعية
- الفائدة السادسة: من الفوائد المهمة التي تَقرُب من القاعدة الاستدلالية هي: أنه لا تجد بدعةً يكون مستنَدُ أصحابها بعضَ الأدلة الشرعية المحتملة أو الموهومة أو المظنونة إلا وقد جاء في القرآن أو السنّة ما يَدلّ على بطلانها أو التحذير منها أو النهي عنها بعينها بالمنطوق أو بالمفهوم، والتذكير بهذه الفائدة ينفع في أبواب ثلاثة:
- الأول: في باب الاستنباط والاستدلال؛ فاستحضار هذه القاعدة يُعِين على استحضار المعاني الدقيقة والمقاصد البليغة.
- الثاني: في باب الكشف عن البدعة وإبطال أدلتها ودحض شبهاتها.
- والباب الثالث: في باب زيادة اليقين بزيادة الأدلة الدالة على الحق ودلاتها على كشف الباطل وإبطاله.
لاتوجد تعليقات