إنكار الغيب نتيجة باطلة لمقدمات خطأ
يقوم الإلحاد على الإنكار لعالم الغيب بكل ما فيه، بدءًا من وجود الله تعالى، ومروراً بوجود الملائكة والجن، والبعث والحساب والحياة البرزخية والجنة والنار، فتحتَ عنوان: (الغيب والعلم) كتب أحد الملحدين يقول: «ليس هناك شيء أكثر كآبة في هذه الحياة من أن تكرس حياتك للتعبد والقيام بتعليمات جاءت من ذلك العالم المجهول؛ فالغيب هو عدو العلم ولا يلتقيان أبدا».
زيف المقدمات الخطأ لإنكار الغيب
ينطلق الملاحدة في إنكارهم للغيب من فرضية خطأ تقول: إن الغيب لا يمكن الاستدلال عليه عقلاً، ومن ثم فلا يمكن القطع بصحته معرفياً، وذلك غلط من وجوه متعددة منها:
خلط بين الحقيقة الوجودية والماهية؛ ففي هذا الزعم خلط بين الحقيقة الوجودية والماهية؛ فماهية ما في عالم الغيب غيب لا نستطيع إدراكه بعقولنا، ولا بحواسنا، لكننا نستطيع أن نبرهن على حقيقته الوجودية بأدلة مصدرها الوحي، وتتسق مع العقل والمنطق؛ فإن الوحي نفسه إنما يخاطب العقل، ويجعل من غير العاقل غير مخاطب به، ولا ملزم بمضمونه.
لذا فإن الملاحدة، وأصحاب الفلسفات المادية، رغم وعورة ما يأتون به من تركيبات لغوية قد توهم تعقيداتها أنها صادرة عن ذهن متيقظ، منطقي في طرحه واستدلاله، إلاَّ أن حقيقة الأمر أنها صور من صور الخواء الفكري، والعجز المعرفي، الذي يبني الأبنية الضخمة على أسس عميقة في أرض متحركة، فعندما يكون الحديث عن الغيب، يجب أن نفرق ابتداءً بين أمرين:
- الأول: هل هذا الشيء محل البحث موجود أم غير موجود؟
- الثاني: هو كيفية هذا الشيء، ما هيته على ما هو عليه في الواقع، فهذا هو الذي لا مدخل للعقل فيه؛ لأنه ببساطة لا مثيل له في عالم الشهادة، كما أن قدرات حواسنا غير مؤهلة لإدراك ذلك.
ما جاء في الكتاب والسنة
ما أخبرنا به الله في القرآن الكريم وما أخبرنا به رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم - من غيب، ليس فيه ما يتصادم مع العقل، ومعنى لا يتصادم، أي أنه ليس مستحيل الوقوع، فنعم عالم الغيب وفق ما دلت عليه النصوص فيه مشاهد وأحداث وأحوال وأهوال تختلف عن عالم الشهادة، ففي الجنة مثلاً يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم - : «فِيهَا مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» رواه مسلم، وفي النار مثلاً يقول -صلى الله عليه وسلم - «ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، قيل يا رسول الله إن كانت لكافية قال: فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها» رواه البخاري، ويتحدث القرآن عن حياة بلا موت في الآخرة للفريقين أهل الجنة وأهل النار، قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} سورة الطلاق آية11، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} سورة الأحزاب، آية64: 65. وليس في شيء من ذلك ما يحيل العلم حصوله، أو يستهجن العقل ادعاءه من حيث الإمكان، لا من حيث حصوله فعلاً في عالم الواقع أو القدرة على إحداثه.
صدق القضايا الغيبية
إن قضية صدق القضايا الغيبية من عدمه، ليست منفصلة عن صدق القائل بها؛ فالخبر الصادق فرع عن صدق المخبر به، والكاذب كذلك، ومن ثم فالبحث فيما وراء الطبيعة، أو الغيبيات جزء لا يتجزأ عند العقلاء من البحث عن صدق من يُروىَ عنه خبره، أما الخبر من حيث هو فلا سبيل لتصديقه أو تكذيبه مجرداً عن قائله إلا في ضوء القبول العقلي له، وفق الممكن لا وفق الواقع.
الإيمان بالغيب ضرورة علمية
ذلك لأن ما لا نراه لا يعني أنه غير موجود، هذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها لا ملحد ولا غيره، بل كثير من النظريات العلمية التي يحترمها العلماء ويعولون عليها مثل نظرية الثقوب السوداء هي مجرد حسابات للكون، لا تستند على المشاهدة، والألم الذي يشعر به المريض موجود ولا يشاهد، والأثير موجود، والجاذبية موجودة، وأشياء عديدة لا تستطيع مدركاتنا المحدودة أن تحيط بمادتها، ولا حتى تحت المجهر، ولكننا فقط نستطيع أن نشعر بها، وربما لا نستطيع في بعض الحالات، ثم إننا حين نشعر بها، أو نعلم وجودها، قد نستطيع أن نتعامل معها، أو لا نستطيع، ومن ثم فإن العلم حاكم بأن حواسنا، ومعارفنا، محدودة، متغيرة ومتطورة، وهذا في حد ذاته كاف لكبح غرور الإلحاد، وحمق الملحدين؛ فالمُسَلَّمة العلمية تقول: إن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، أي إن عدم العلم بالشيء لا يكون علما بعدمه ولا يكون دليلا على نفي وجوده، ولذلك قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} سورة الحج، آية46.
لاتوجد تعليقات