رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد الجسار 16 أغسطس، 2010 0 تعليق

إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا

 

 

إن شريعة الإسلام حريصة على جمع الكلمة، ووحدة الصف واجتماع الأمة، ونبذ كل ما من شأنه التفريق بين المسلمين؛ فكل ما من شأنه اجتماع الأمة فالشريعة تحث عليه، والعكس صحيح. فالشريعة تحث على اجتماع المسلمين في العبادات كالصلاة والصيام والحج، وتنهى عن كل خلق يفرق بين القلوب؛ فتنهى عن الغش في التعامل وعن الربا وعن الإساءة بالقول أو الفعل وعن الغيبة وعن النميمة وعن كل خلق سيئ لا يليق بالمؤمن الاتصاف به، ويؤدي إلى التنازع وتنافر القلوب الذي يؤدي بدوره إلى الفشل والضعف كما قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} (الأنفال 46).

ومن أعظم ما يسبب الفرقة والخلاف نقل الأخبار السيئة بين المسلمين بما لا يليق بأخلاق المؤمن العفيف، الذي يَعف لسانه وقلبه عن ذكر مسلم بسوء؛ فيقع الكثير في كبيرة من الكبائر ألا وهي الغيبة؛ فقد قال الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} (الحجرات: 12)، وقال رسول الله[: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره». قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» (رواه مسلم). نعم! فقد يصل البعض إلى مستوى البَهت فيتعرض لمقت الله -والعياذ بالله- فيشيع ما ليس في المسلمين، وبعضهم قد يتقول ذلك على غيره، وفي ذلك ما فيه من خطر التعرض لغضب الله عز وجل، وبعضهم الآخر يسمع فيردد، يسمع من أي مصدر كان ولا يتثبت؛ قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} (الحجرات: 6)، فكثير من الناس لا يُعِفّـون سمعهم عن كلام من يخوض في أعراض المسلمين، فيسمعون كل ما يقال، ويقرؤون كل ما يكتب، ولو كان من مصادر لا تراعي حقا لأعراض المسلمين، فمن الناس من يسمع الكلام ممن هو ليس أهلا للثقة فيما ينقل، وبعضهم يأخذ مادة حديثه عن إخوانه المسلمين من مصادر إعلامية ليست أهلا للثقة، ونفس هذه المصادر التي تنقل هذه الأخبار هي التي تنشر صور الكاسيات العاريات مما ينشر الفسق، دليلا على أن ما تحرص عليه هذه الوسائل هو الربح المادي مهما كان مصدره! وربنا تبارك وتعالى يقول: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} أي لا تصدقوه حتى تتبينوا صدقه. وفي قراءة حمزة والكسائي: {فتثبتوا}، تثبتوا من الأمر حتى تعرفوا صحته خشية أن تصيبوا قوما بجناية منكم فتندموا على ذلك. وأعظم الندم والحسرة يوم القيامة: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} (مريم 39-40)، يوم أن يرى المغتاب والنمام ومن خاض في أعراض المسلمين حسناتهما تذهب من صحيفتيهما إلى صحيفة من ظلماه بقول أو فعل، وقد يصل بعضهم بسبب ذلك إلى حد الإفلاس من الحسنات؛ مما يكون سببا في طرحه في نار جهنم والعياذ بالله.؛ قال النبي[: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» (رواه مسلم). أرأيتم إفلاسا أعظم من هذا الإفلاس؟! عمل أعمالا متقبلة، صلى وصام وزكى، وحصّل حسناتها، لكنه المفلس يوم القيامة! له أعمال عظيمة متقبلة حسناتها كثيرة، لكنّ عليه ديونا يجب أن يوفيها عند ملك عادل جبار، حينما توضع الموازين بالقسط: {يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة: 6-8)، يوم الحساب عند الله عز وجل: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (الأنبياء: 47)، فإذا كان الله هو الذي يحسب، أتظن أن يضيع عنده حق؟! لا والله! لا تظلم نفس شيئا، حتى الشاة الجلحاء يقاد لها من الشاة القرناء. نعم! حتى الشاة الجلحاء التي لا قرن لها يقتص لها من الشاة القرناء التي نطحتها؛ قال النبي[: «لتؤدُنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» (رواه مسلم)، فاحذر ظلم الناس والخوض في أعراضهم. وإذا أردت أن تقول كلمة في حق مسلم فتمهل، وانظر هل يكره أن يقال عنه ذلك؟ فإن كان كذلك فهي الغيبة فاحذرها وكف لسانك واطلب النجاة. ولو كان فيه ما تقول! نعم! ولو كان فيه ما تقول، ما دام يكره ذلك فهي غيبة كما علمت، وإن لم يكن فيه فقد جمع المغتاب إلى غيبته البهتان والكذب على أخيه فازداد إثما على إثم، نسأل الله السلامة.

ثم إن الذي يمشي وينقل الحديث بين الناس بقصد زرع الكره تجاه هذا الشخص أو ذاك فذلك النمام والعياذ بالله، وهو وإن رأى أن ما يفعله ليس بكبير إلا أنه عند الله كبير، قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: خرج النبي[ من بعض حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال: «يعذبان، وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير: كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة» (متفق عليه). فالنميمة ونقل الحديث السيئ بين الناس من أسباب عذاب القبر والعياذ بالله؛ ذلك أن النمام مفسد للقلوب، مفرق للجماعات، متسبب في تقطيع الأمة؛ ولذلك استحق ذلك العذاب في القبر، واستحق عقوبة أعظم في الآخرة؛ فقد قال النبي[: «لا يدخل الجنة نمام)»، وفي رواية: «قتّات» (متفق عليه). واقرأ -رعاك الله- هذه الأوصاف لذلك الصنف من الناس: قال تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم} (القلم 10-12)، هذه صفاته: يكثر الحلف لعلمه بكذبه، مهين وحقير، مغتاب للناس، نقال للحديث على وجه الإفساد بينهم، نسأل الله السلامة في الدين والأخلاق.

روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أنه دخل عليه رجل فذكر عنده وشاية في رجل آخر، فقال عمر: إن شئت حققنا هذا الأمر الذي تقول فيه وننظر إلى ما نسبته إليه، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية: {هماز مشاء بنميم}، وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفو يا أمير المؤمنين! لا أعود إليه أبدا!

وليعلم كل من نُقل إليه شيء عن الناس، فإنه يُنقل عنه كذلك ما لا يرضاه:

لا تقبلـــــــن نميمـــــــة  بُلغتهــا

                               وتحفظن من الذي  أنبــــــاكها

إن الذي أهدى إليك نميمة

            سينم عنك بمثلها قد حــاكها

فليصن المؤمن لسانه عن إخوانه المسلمين، وليقل خيرا أو لِيَصْمُت. وليصن سمعه عما يقال فيهم ولا يقبل أن يسمع إلا كل خير؛ ليكون سليم الصدر والقلب فينجو بإذن الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أحب الفتى ينفي الفواحش  سمعُه

                             كأن به عن كل فاحشة  وقــــــرا

سليم دواعي الصدر لا باسطا يدا

                             ولا مانعا خيرا ولا قائلا هجرا

إذا ما بدت من صاحب لك زلـة

                             فكن أنت محتالا  لزلته عـذرا

وليتذكر قول الحق سبحانه: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق: 18)، وليكن شعاره قول النبي[ في الحديث المتفق عليه: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو لِيَصْمُت».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك