رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 3 أبريل، 2017 0 تعليق

موسم الموت يجبر الآلاف على النزوح من الصومال- شبح المجاعة يهدد حياة أكثر من 11 مليون شخص

موجات من الجفاف تضرب الصومال بسبب انحباس هطول المطر، أدت إلى إصابته بمجاعة شاملة، يمكن أن تؤدي إلى تكرار ما حدث عام 2011 عندما سقط ما يقارب 250 ألف صومالي موتى من الجوع؛ فبعد ثلاث سنوات من عدم هطول الأمطار في شمال الصومال، نقصت كثيرًا إمدادات الغذاء والمياه، وقضى الجفاف على مساحات واسعة من أراضي الرعي؛ مما تسبب في نفوق الآلاف من رؤوس الإبل والماعز، التي يعتمد عليها السكان المحليون للبقاء على قيد الحياة.

     وحسب التقديرات المحلية في (بونتلاند)، هناك خسائر بنسبة 65 في المائة من مجموع الثروة الحيوانية التي ترعى، كما أن هناك تقارير عن هجرات داخلية جماعية؛ حيث يرحل الرجال بحثًا عن أراضي أفضل للرعي، والنساء والأطفال يهاجرون إلى المدن الكبيرة، وتشهد العاصمة مقديشو أكبر تدفق؛ إذ يصلها يوميًا -حسب أحد التقارير- 7 آلاف شخص يتجهون مع أطفالهم المرضى إلى مراكز التغذية فيها، ومن المؤكد أن النزوح الداخلي يضغط كثيرًا على الموارد المحلية، وقد يدفع، إذا ما اشتد وتأزم، إلى صراع بين القبائل، أي بين السكان المحليين والوافدين الجدد، ووفقاً للأمم المتحدة، هناك الآن 6 ملايين إنسان في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، أي أكثر من نصف سكان الصومال، كما أن الجفاف أدى إلى انتشار الأوبئة التي تنقلها المياه الآسنة، مثل الكوليرا وحالات الإسهال.

أنقذوا الأطفال

     من جهتها حذرت منظمة: (أنقذوا الأطفال) من أخطار المجاعة مؤكدة أن هناك حاجة إلى 864 مليون دولار لتقديم مساعدات في هذا البلد هذا العام، وقالت مديرة العلاقات العامة للمنظمة (مارتينا دازه): إن الإشارات التحذيرية لهذه المجاعة تعد واضحة للغاية، ووصفت دازه الوضع لدى زيارة قامت بها في منطقة (بونتلاند) التي تتمتع بحكم ذاتي جزئيا شمالي شرقي الصومال، قائلة: «يموت الأطفال الرضع، وتنتشر جثث الحيوانات في الشوارع، وهناك بدو يائسون يلوحون بعلب مياه فارغة».

     ووفقا لتوقعات، يمكن أن يعاني ما يزيد على 940 ألف طفل من سوء تغذية حاد هذا العام إذا لم تصل المساعدات سريعا، وبحسب بيانات الأمم المتحدة، اعتمد 2.6 مليون مواطن بالصومال، أي ما يزيد على نصف المواطنين هناك، على مساعدات إنسانية، كما يحتاج ثلاثة ملايين مواطن فورًا لمواد غذائية، وهناك عشرات الآلاف من الأطفال مهددون بالموت جوعا.

حجم الكارثة والاحتياجات

     تطلق المنظمات الدولية منذ شهور تحذيرات من احتمال وقوع كارثة مجاعة في منطقة القرن الإفريقي مماثلة لتلك التي شهدتها  عام 2011، وأسفرت عن مصرع نحو ربع مليون شخص في الصومال وحدها، وبحسب هذه المنظمات فإن شبح المجاعة بات اليوم يهدد حياة  أكثر من  11 مليون شخص في الصومال، وأن الأمر  يتطلب تدخلاً عاجلاً لتفادي وقوع كارثة إنسانية واسعة النطاق،  تطل برأسها على سكان هذه الدول والصومال على وجه الخصوص؛ إذ تحتاج نسبة 40% من سكانها إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

     واللافت أن الاستجابة لمواجهة هذا الخطر  سواء من  الحكومة الصومالية أم من المنظمات الإغاثية الدولية والمحلية ليست على مستوى حجم الكارثة؛ فهي لا تعدو كونها مبادرات محلية غير منظمة تحاول إيصال شحنات بسيطة إلى المدن الكبرى  التي تستقبل أعدادا كبيرة من النازحين رغم قدرتها الاستيعابية المحدودة إمكانياتها الضعيفة، ولم تصل حتى الآن أي مساعدات تذكر  إلى المناطق الأكثر تعرضا للمجاعة، ولاسيما التي تقع في الشمال وشمال الشرق، والمناطق الوسطى ومنطقة جنوب غرب البلاد.

حجم الكارثة

     ساءت أحوال سكان معظم الأقاليم الصومالية التي ضربتها المجاعة ونفد مالهم، وأصابتهم نكبة وجهد، وباتو  يشوون القراح؛ فهي باختصار حالة مجاعة خطيرة قد تودي ما لم تصل إلى هذه الأقاليم خلال الأيام المقبلة  مساعدات غذائية عاجلة  إلى وفاة عشرات من الأشخاص ولاسيما الأطفال والمسنين، ونفوق أعداد هائلة من المواشي .

     وعلى الرغم من الجهود المحلية التي بذلت خلال الأيام الماضية لإغاثة ضحايا الجفاف  في تلك المناطق، إلا  أن تلك الجهود لا تتناسب مع حجم الكارثة، ولا  تكفي  إلا لتخفيف معاناة جزء بسيط  جداً من المنكوبين؛ فالضحايا الحقيقيون تركوا في (حيص بيص)، تقطعت بهم السبل وهم محاصرون حاليا في القرى والبوادي والفيافي النائية، ويرون كل ساعة مواشيهم تنفق أمام أعينهم  بسبب الهزال وقلة المراعي، أو يخطف الموت أحد أبنائهم بسبب الجوع والعطش.

     وتزداد أحوال هؤلاء كل يوم سوءاً ويتكالب عليهم الجوع والمرض، ولم تحصل حتى الآن  على أي مساعدات غذائية، وباتوا يأكلون مواشيهم المصابة بأمراض معدية لسد رمقهم،  إذا لم تمتد يد المحسنيين  لهؤلاء المحتاجين  بطريقة عاجلة فسيصعب إنقاذهم في قادم الأيام؛ لأن كل ما لديهم من المدخرات قد نفد، ويكاد يبلغ حالهم حد أكل أوراق الشجر والجيف.

خريطة الكارثة تتسع

     لا تقتصر المجاعة على المناطق الشمالية والشرقية في البلاد، بل ضربت كذلك المناطق الوسطى، والأقاليم الزراعية في جنوب البلاد التي يمر بها نهرا (جوبا وشبيلي)؛ بسبب نضوب مياه النهرين أو تراجع مستويات مياههما، وعدم هطول الأمطار الموسمية أو قلة الأمطار التي تساقطت في المواسم الماضية؛ لم يهطل هناك سوى ربع كمية الأمطار المتوقعة،  وأن موسم الحصاد الرئيس المقبل لن يكون قبل يوليو، بحسب ما ذكرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).

نزوح جماعي

     وفقا لمنظمة أطباء بلاحدود أدت حالة المجاعة الراهنة في الصومال إلى نزوح أعداد كبيرة من سكان المناطق المنكوبة إلى دول الجوار ولاسيما أثيوبيا، وهم يعيشون الآن في  حالة إنسانية صعبة وفي معسكرات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، ويعانون نقصاً في الغذاء ومياه الشرب والأدوية.

     كما نزح آلاف آخرون إلى داخل البلاد  وتلك كانت بلية أخرى أثقلت كاهل سلطات هذه المناطق التي أقامت معسكرات للنزوح على عجل في (هرجيسا) في الشمال، و(بوصاصو) في الشرق، و(جالكعيو)  في الوسط و(جذو) في الغرب، تأوي هذه المعسكرات مئات من النازحيين من المناطق الريفية مثل: منطقة (سناغ) التي لم يهطل فيها الأمطار منذ ثلاث سنوات،  وقرى تابعة لمنطقة غلمدغ كغلنسور، و(تولو سرمان)، و(ديقلو غذود)، و(كحنطالي).

الصومال بلد رخو

     ومما يعقد الأمور أن الصومال كيان رخو  وهش بفعل الحروب الأهلية، ولا يمكن أن يتحمل الكوارث الطبيعية، فإن  عدد  سكانه يقدر بحوالي 12 مليون نسمة وفقا لتقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي، ويعاني حوالي 82٪ منهم سوء الخدمات في مجالات متعددة، ويعيش 73 ٪ منهم على أقل من 2 دولار أمريكي في اليوم الواحد، ومتوسط عُمر الفرد المتوقع في الصومال هو 51 سنة، ويعاني واحداً من كل ثمانية أطفال دون سن الخامسة سوء التغذية الحاد، ويوجد في الصومال واحد من أدنى معدلات الالتحاق بالمدارس في العالم،  يمثل الشباب في الصومال (14 إلى 29 سنة) نسبة 42 ٪  من السكان في حين يبلغ معدل البطالة بين الشباب 67 ٪  وهو أحد أعلى المعدلات في العالم، ويتم تصنيف الصومال كثيرا بوصفها واحدة من أسوأ الأماكن التي يمكن أن تعيش فيها المرأة. في عام 2014، جاءت الصومال في أدنى الترتيب العالمي؛ من حيث صحة الأمهات ووفيات الأطفال والتعليم .

الاحتياجات  الضرورية

     تقع على عاتق الأثرياء والمحسنين في الداخل والخارج والمنظمات الإقليمية والعالمية، ولاسيما المنظمات العربية والإسلامية  مسؤولية إنسانية وأخلاقية لإنقاذ هذه الأرواح التي يفتك بها الجوع،  ويطاردها شبح الموت، وفتح جسر جوي لمساعدتهم قبل فوات الأوان ولات حين مناص، لا يمكن إيصال المساعدات إلى المحتاجين برا بسبب الأوضاع الأمنية وقد يستغرق  كذلك وقتا طويلا .

     يحتاج ضحايا المجاعة إلى المواد الغذائية الغنية بالبروتينات والأدوية والملابس الواقية من البرد، كما أنهم بحاجة ماسة إلى مياه صالحة للشرب؛ فسكان المناطق التي ضربها الجفاف كانوا يعتمدون  أساسا على عائدات مواشيهم  وغلات مزارعهم وهذه الثروات قد أهلكها الجفاف وأصبحت أثرا بعد عين .

سبل المواجهة

لمواجهة حالات المجاعة التي تتسع رقعتها هذه الأيام في الصومال  ينبغي القيام بالخطوات الآتية:

أولا: فتح جسر جوي إلى المطارات والموانئ الواقعة في المناطق التي تشهد حالات المجاعة الخطيرة كـ (صومالاند)، و(بونت لاند)، و(جالكعيو)، و(جنوب غرب الصومال).

ثانيا: تسيير قوافل إغاثية تصل إلى المناطق البعيدة التي لا يمكن  الوصول إليها.

ثالثا: مشكلة نقص المياه الصالحة للشرب وتفشي الأمراض الناتجة عن سوء التغذية  تعد من أكبر الأسباب وراء زيادة حالات الوفاة  بين النازحين وبالتالي ينبغي إعطاء أولوية خاصة لعمليات توزيع الأدوية وحفر الآبار، وإعادة بناء شبكات المياه وإصلاحها،  وتنفيذ عمليات لتوزيع المياه على  النازحين في المخيمات والمناطق المنكوبة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك