لماذا يغير المرء عقيدته؟
قبل أكثر من ثلاثين سنة كتبت حواراً دار بيني وبين بعض طلبتي وجعلته في مقال، وكانت خاتمة ذاك المقال: «هذه مشكلتك ومشكلة الكثيرين أنهم لايعرفون عقيدتهم وما تحتويه المراجع المعتمدة عند علمائهم».
بعد كل هذه السنين سألني أحد أصدقاء أخي غير الشقيق السؤال نفسه «لماذا غيرت عقيدتك؟».
كنا خارج مجلس عزاء أحد أقارب أخي..
- هذا السؤال تطول إجابته، ولكن دعني أبين لك بعض الدوافع القوية.
- أولاً: تعلم أننا مسؤولون يوم القيامة ومحاسبون؛ فهو (يوم الدين).. أي يوم الجزاء بعد الحساب، وكلنا سيقف بين يدي الله، أي أمام الله فرداً، لا والد معه ولا ولد، ولا إمام ولا شيخ، ولارسول ولا ملك، بمعنى أننا مسؤولون عن أعمالنا، وأولها العقيدة. هل تتفق معي على هذه النقطة؟!
-لا أريدك أن تجاريني، أريد أن تجيبني بصدق، وإلا فلا فائدة من خلال نقاشنا.
- بصراحة لا أعلم، ولكن أظن أن أئمتنا ينفعوننا يوم القيامة.
- جيد، هذه بداية جيدة؛ وذلك أن أحب الأسباب التي دفعتني لتغيير عقيدتي أنني قرأت وبحثت، وسألت واستمعت، وحضرت واجتمعت مع كثير من أهل العلم دون تفريق، حتى أتأكد أن عقيدتي صحيحة، ووصلت إلى قناعة وعقيدة ويقين ألا أحد سيكون معي عند الحساب، ابتداء من قول الله تعالى:
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }(عبس: 34-37).
بل أشد من ذلك أنه يود أن يعذبوا هم وينجو هو! {يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ} المعارج: (11-15).
وهذه الآيات نقرؤها في المصحف، بل دعني أذكر لك تفسير قول الله تعالى: {ونرثه ما يقول ويأتينا فردا} أي منفردا لا مال له ولا ولد ولا خدم (أضواء البيان: جـ3). وعلى أي حال كل واحد منا مسؤول أمام الله عن أعماله؛ فإذا كان الأب لا ينفع ابنه ولا الابن ينفع أباه؛ فمن باب أولى غيرهم! أومأ برأسه غير متفق معي.
- لنتجاوز هذه النقطة.
- لك ذلك؛ فالقضية الأولى التي كانت تؤرقني دائماً منذ الصبا أن عقيدة كل منا قضية مصيرية، يجب أن يتعب فيها ليصل إلى الحق؛ وذلك أنه مسؤول عنها أمام الله يوم القيامة، ويتحدد مصيره النهائي: جنة أو نار، شقي أم سعيد على هذه العقيدة، وأغلبنا يعتنق عقيدة آبائه، وعندما تقرأ القرآن تقرأ آيات كثيرة من كتاب الله أن من يعتذر بعقيدة الآباء لا يعذر أمام الله يوم القيامة، وقوم إبراهيم -عليه السلام- عندما سألهم:
{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ}(الشعراء: 72-74).
وعموم الكافرين كان قولهم.. {وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}(الزخرف: 23).
- هذا عن الذين كفروا بالرسل، وليس الذين يؤمنون بالله ورسوله.
- أحسنت، النقطة التي أريد أن أصل إليها أن أحدنا يجب أن يبحث بنفسه عن العقيدة التي يؤمن بها ويعتنقها ويبني عليها، ودائما أذكر هنا قصة إسلام (سلمان الفارسي) فيها من العبر الشيء الكثير.. هل تعرف تفاصيلها؟!
كلا.. ليس بالتفصيل ولكن على العموم.
- دعني أذكرها لك في طريق عودتنا، ولكن قبل ذلك أريد أن نتفق على أن أحدنا يجب أن يبحث بنفسه ويتأكد، ويكون على يقين إن ما يعتقده ويؤمن به هو ما يريده الله ويرضاه، حتى إذا وقف أمام الله يوم القيامة للحساب تكون لديه الإجابات الصحيحة.
لاتوجد تعليقات