زمن الفيسبوك
تمر الأيام، وتتنوع بمجتمعنا ساحات الإدمان، فتارة إدمان المخدرات، وتارة إدمان الإباحيات، وتارة إدمان الفساد، وتارة أخرى إدمان (الفيس بوك) وصفحات التواصل المزعومة، ومع الشاشة الزرقاء ينتقل كثير من شبابنا من عالم الواقع والحقيقة إلى عالم الخيال والأوهام، ومن أرض الإنجاز والإعجاز إلي الأرض البور أرض العجز واليأس والإحباط، ومن قمم القيم والأخلاق السامية إلى بطون أودية سحيقة وأخلاق متردية متعفنة مقيتة.
فمن خلف صفحات الفيس ولوحات الكيبورد ظهرت أقلام مسمومة، وأفكار منكوسة، وأصوات منكرة لشخصيات تنكرت وأظهرت أخلاقها الرديئة، ونسيت أن حسن الخلق دين: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال -صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة رضي الله عنها: قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم»، وقال -صلى الله عليه وسلم - في حديث المرأة التي ذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها «.... وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل».
ياشباب الإسلام: «من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»، وقال تعالي: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد}، وفي الأثر: «إذا أردت أن تعرف مقامك عند الملك فانظر بأي شيء يشغلك وفي أي شيء يستخدمك».
أخي الحبيب: تحرر من أسر (الفيس) وشبكات التواصل السرطانية، وانطلق إلى عالم الواقع وساحات العمل والإنجاز، وانظر لنفسك كم كتابا قرأت؟ وكم آية حفظت؟ وكم مشروعا أنجزته؟!
اترك (الفيس) قاتل الأوقات، وانتقل إلى عالم العمل والإبداع وافعل شيئا وضع بصمتك، فإن أمتك تنتظرك لتحقق لها ريادة العالم في العلم والهداية وكل المجالات.
أخي الكريم: منذ متى ولم يقدم المسلمون للعالم شيئا نافعا من علوم الدين أو الدنيا؟! وقد كان أجدادنا سادة الإنجاز والتقدم بل كانوا مشاعل نور يستضيء بها العالم في ظلمات الجهل.
يابن الإسلام: في مثل سنك كان أسامة ابن زيد قائد الجيوش 17 عاما، وحافظ السنة، وترجمان القرآن ابن عباس 11 عاما، ومحمد بن القاسم الثقفي فاتح بلاد السند (باكستان) والهند 17 عاما، ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية يتوج سلطانا وهو ابن 22 عاما ثم يفتح القسطنطينية، وعقبة بن نافع يدخل ليبيا، ويفتح الجزائر والمغرب وتونس، ويؤسس مدينة القيروان وهو ابن 20 عاما، ويقول عند بحر المغرب لو أعلم أن وراء البحر أرضا لفتحتها في سبيل الله. لقد قضى ما عليه.
كن كهؤلاء الأمجاد واضرب بسهمك في خدمة دين الله؛ فالأمة تنتظرك؛ فبادر وسجل اسمك في سجل الخالدين وأبشر واستعن بالله ولا تعجز.
وصايا حكيم
وأخيرًا هذه وصايا حكيم لابنه في زمن (الفيسبوك):
- اعلم يابني أن (الفيس بوك) بحر عميق، هلك فيه خلق كثير، فكن كالنحلة، لا تقف إلا على الطيب من الصفحات لتنفع بها نفسك والآخرين.
- بني: لا تكن كالذباب يقف على كلّ شي فينقل الأمراض دون أن يشعر.
- بني: قبل أن تعلّق أو تشارك فكّر إن كان ذلك يرضي الله -تعالى- أو يغضبه، وإياك أن تتحدث عن شخص قبل أن تتأكد من صحة مصدرك، وتأكد من أن المقابل قد تجاهر بفعله حقا، فما نفعله في السر لا يجوز لأحد التحدث عنه، إلا إذا تحدثت مع من يمكن أن يصلح عيوبنا أو يوقف شرنا.
- يا بني: لا تتنازل عن أخلاقك على (الفيس) أبدا، وإن كان اسمك مستعارا وشخصيتك غير معروفة، فإن الله تعالى يعلم السر وأخفى.
- بني: لا تجرح من جرحك، فأنت تمثل نفسك وهو يمثل نفسه.
- بني: انتقِ ما تكتب؛ فأنت تكتب والملائكة يسجلون، والله -تعالى- من فوق الجميع يحاسب ويراقب. فلا تنس وأنت تخط السطور موقفك بين يدي جبار السموات في يوم الحسرة والندامة.
- بني : إن أخوف ما أخافه عليك في بحر (الانترنت) الرهيب هو مشاهدة الحرام ولقطات الفجور والانحراف، وهي عقبة كؤود لا يستطيع تخطّيها إلا من أوتي حظا عظيما، فإن وجدت نفسك قد تخطيتها فاستفد من هذا العطاء في خدمة نفسك والتواصل مع مجتمعك، واسعَ في نشر دينك ومذهبك، وإن رأيت نفسك متمرّغا في أوحال المحرمات، فاهرب من دنيا النت هروبك من الأسد، فالنار ستكون مثواك، وسيكون خصمك غدا مولاك. فعاهد الله سبحانه على ألاتقترب من معاصيه.
- بني: إن أخوف ما أخافه على البنت في عالم الفيس هو مداهمات الشبان الطائشين ومراسلات الرجال الجائعين، فلتكن منهم على حذر، وإياها والطمأنينة لوعودهم، والركون لكلامهم الملطخ بالعسل ظاهرا، وللعلقم باطنا، فربنا يقول: {وأتوا البيوت من أبوابها}، ولا تنس يا حبيبي الهدف الذي خلقنا الله -تعالى- من أجله، واعلم أنه لا توجد بعد هذه الحياة محطة غير الجنة والنار، فإن لم تكن من أهل الجنة، فأنت من أهل النار لامحالة.
لاتوجد تعليقات