معنى حديث: «بدأ الإِسلام غريبًا»
- أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بدأ الإِسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ»، فهل معنى هذا أنه سيعود له المجد والهيمنة والسلطان كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم غير ذلك؟
- معنى الحديث: أن الإِسلام بدأ غريبًا حينما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليه فلم يستجب له إلاَّ الواحد بعد الواحد، فكان حينذاك غريبًا بغربة أهله، لقلتهم وضعفهم مع كثرة خصومهم وقوتهم وطغيانهم وتسلطهم على المسلمين، حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة فرارًا بدينه من الفتن وبنفسه من الأذى والاضطهاد والظلم والاستبداد، وحتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى إلى المدينة بعد ما ناله من شدة الأذى ما ناله رجاء أن يهيئ الله له من يؤازره في دعوته، ويقوم معه بنصر الإِسلام، وقد حقق الله رجاءه فأعز جنده، ونصر عبده، وقامت دولة الإِسلام وانتشر بحول الله في أرجاء الأرض، وجعل -سبحانه- كلمة الكفر هي السفلى وكلمة الله هي العليا، والله عزيز حكيم، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، واستمر الأمر على ذلك ردحًا من الزمن، ثم بدأ التفرق والوهن، ودب بين المسلمين دبيب الضعف والفشل شيئًا فشيئًا حتى عاد الإِسلام غريبًا كما بدأ، لكن ليس ذلك لقلتهم فإنهم يومئذٍ كثير، وإنما ذلك لعدم تمسكهم بدينهم واعتصامهم بكتاب ربهم وتنكبهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ من شاء الله؛ فشغلهم الله بأنفسهم وبالإِقبال على الدنيا، فتنافسوا فيها كما تنافس من كان قبلهم، وتناحروا فيما بينهم على إماراتها وتراثها، فوجد أعداء الإِسلام المداخل عليهم، وتمكنوا من ديارهم ورقابهم؛ فاستعمروها وأذلوا أهلها وساموهم سوء العذاب، هذه هي غربة الإِسلام التي عاد إليها كما بدأ بها.
وقد رأى جماعة - منهم الشيخ محمد رشيد رضا - أن في الحديث بشارة بنصرة الإِسلام بعد غربته الثانية آخذين ذلك من التشبيه في قوله صلى الله عليه وسلم : «وسيعود غريبًا كما بدأ»، فكما كان بعد الغربة الأولى عزًّا للمسلمين وانتشاراً للإِسلام فكذا سيكون له بعد الغربة الثانية نصر وانتشار. وزيادة في الفائدة نرفق لك تفسير الشاطبي للحديث في كتابه (الاعتصام) ومعه تعليق للشيخ محمد رشيد رضا يتبين منه الرأي الثاني، وهذا هو الأظهر، ويؤيده ما ثبت في أحاديث المهدي ونزول عيسى -عليه السلام- آخر الزمان من انتشار الإِسلام وعزة المسلمين وقوتهم ودحض الكفر والكفرة . (الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 250)
لاتوجد تعليقات