رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 5 يناير، 2017 0 تعليق

الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (12) القضاء على الفتنة التي قامت بالمسجد الحرام

 لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان.  وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.

 

استكمالا لما بدأناه في الحلقة السابقة عن دور العلماء في فتنة جهيمان نقول: إن القوات السعودية استطاعت -بالفعل- أنْ تبسط سيطرتها التامة على الموقف داخل الحرم، وعالجت الموضوع بحكمة بالغة؛ حسب توجيهات الملك خالد -رحمه الله- الذي شدد على ثلاثة أمور:

1- الحرص على حياة الرهائن الأبرياء الذين تم احتجازهم من الطغاة، وعدم إراقة الدماء في الحرم المكي الشريف.

2- الحرص على إلقاء القبض على أكبر عدد من المارقين أحياء؛ للتعرّف على مخططاتهم، والقوى الكامنة وراءهم.

3- عدم الدخول في معارك؛ حفاظاً على أرواح القوات السعودية.

     واستطاعت القوات السعودية -بحمد الله تعالى- القبض على معظم أفراد المجموعة المارقة الضالة، وإحكام السيطرة على جميع أرجاء المسجد الحرام، بتوجيهات من الملك خالد، ومتابعة من ولي العهد صاحب السمو الأمير فهد -رحمهما الله- ومعاونة أصحاب السمو الأمراء الأمير سلطان وزير الدفاع، والأمير نايف -وزير الداخلية رحمهما الله- والأمير فواز أمير مكة.

إدانة الحادث

     وقد سارع الملوك والرؤساء في العالمين العربي والإسلامي، إلى إدانة هذا الحادث الأثيم، وأبدوا تأييدهم التام لحكومة الملك خالد -رحمه الله- كما استنكرت «رابطة العالم الإسلامي «هذا التصرف المشين، ودعت الله -تعالى- أن يحفظ الأمة الإسلامية من كيد أعدائها.

     كما صدرت الفتوى الشرعية من أصحاب الفضيلة العلماء بالمملكة، التي تحدد طبيعة التعامل الشرعي مع الشرذمة الباغية، التي انتهكت حرمة البيت العتيق؛ وذلك بناء على دعوة من الملك خالد -رحمه الله- ونصت الفتوى على دعوتهم إلى الاستسلام، ووضع السلاح؛ فإن فعلوا قُبِل منهم وسُجنوا حتى يُنظر في أمرهم شرعاً، وإنْ امتنعوا: وجب اتخاذ كافة الوسائل للقبض عليهم، ولو أدى ذلك إلى قتلهم.

     وباشرت الدولة مسؤولياتها تجاه انتهاك حرمة المسجد الحرام، والعبث بأمنه، وطمأنينته منطلقة في ذلك من تأييد أصحاب الفضيلة العلماء، وأصحاب الرأي في المملكة. وقد تم تطهير المسجد الحرام في خلال أيام من هذه الفئة، ونقل التلفاز السعودي صورة حية للحرم، وعدد من المواطنين يطوفون حول الكعبة، ونقلت الصورة عبر الأقمار الصناعية إلى عدد من شبكات التلفاز العالمية، ولم يتبق من الفتنة الباغية غير عددٍ قليل مختبئ في سراديب الحرم.

     وفي يوم 15 / 1 / 1400هـ، الموافق 4 / 12 / 1979م، صدر البيان الثاني لصاحب السمو الأمير نايف -وزير الداخلية رحمه الله- بانتهاء الفتنة، وورد البيان كما يأتي: «إنه قد تم بعون الله وتوفيقه، في الساعة الواحدة والنصف من صباح هذا اليوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر محرم، عام 1400هـ، تطهير قبو المسجد الحرام من جميع أفراد الطغمة الفاسدة الخارجة عن الدين الإسلامي؛ ممن كانوا في قبو المسجد الحرام؛ حيث أُسر بعضهم، وقُتل بعضهم الآخر، وسوف يصدر بيانٌ إلحاقي بالتفاصيل الكاملة، في وقت لاحقٍ إن شاء الله».

بيان هيئة كبار العلماء بالمملكة

وقد صدر بيان تفصيلي من هيئة كبار العلماء بالمملكة، بشأن الاعتداء على المسجد الحرام، وهذا نصه:

     الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه وبعد: فبمناسبة انعقاد مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الخامسة عشرة في مدينة الرياض في النصف الأول من شهر صفر عام 1400هـ. للنظر في الأعمال المدرجة في جدول أعمال هذه الدورة، رأت الهيئة أن من واجبها إصدار بيان بشأن الاعتداء على المسجد الحرام، من قبل الفئة المعتدية الضالة، التي كفى الله المؤمنين شر عدوانها، فتم القضاء عليها بفضل الله وكرمه، فإنّ هيئة كبار العلماء بهذه المناسبة، تستنكر من هذه الفئة المعتدية الظالمة فعلها الآثم، وعدوانها الغادر، وتعدها بذلك قد ارتكبت جرائم عدة. أهمها ما يأتي:

1- انتهاك حرم الله، وجعله ميداناً للقتل والقتال، وتحويله من حرم آمن إلى ساحة حربٍ، تسوده الفوضى والفزع والاضطرابات، والقتل والقتال، متجاهلين ما في ذلك من الوعيد الشديد، والإجرام البالغ. قال الله تعالى {ومنْ يُرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نُذقه منْ عذابٍ أليم} الحج: 25.

     وفي صحيح البخاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ مكة حرّمها اللهُ ولم يُحرّمها الناس، لا يحلُ لامرئٍ يُؤمن باللهِ واليوم الآخر، أنْ يسفكَ بها دماً، ولا يعضد بها شجراً، فإنْ أحدٌ ترخّص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، فقولوا: إنّ الله أذِنَ لرسوله، ولم يأذنْ لكم، وإنما أُذِنَ لي ساعةً من نهارٍ، وقد عادتْ حُرمتُها اليوم، كحُرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهدُ الغائب».

2- سفك دماء المسلمين، في بلد الله الحرام - مكة المكرمة - وفي حرمه الآمن؛ حيث قتل فيه على أيديهم، وبسبب فتنتهم العشرات من المسملين، معصومي الدم والمال.

3- الإقدام على القتال في البلد الحرام، وفي الشهر الحرام قال تعالى: {يَسألونكَ عن الشهر الحرام قتالٌ فيه قلْ قتالٌ فيه كبيرٌ ... الآية} البقرة.

4- الخروج على إمام المسلمين، وولي أمرهم، وهم مع إمامهم، وتحت ولايته وسلطانه، في حال من الاستقرار والتكاتف، والتآلف والتناصح، واجتماع الكلمة، يحسدهم عليها كثير من شعوب العالم ودوله، مستهينين بجريمة الخروج على ولي أمر المسلمين، وخلع ما في أعناقهم له من بيعة نافذة، جاهلين أو متجاهلين ما في ذلك من النصوص الشرعية، من الكتاب والسنة، قال تعالى: {يا أيها الذينَ آمنُوا أطيعُوا اللهَ وأطيعُوا الرسول وأولي الأمر منكم} النساء: 59.

     وفي الصحيحين: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السّمعِ والطاعة في مَنْشطنا ومكرهنا، وعُسرنا ويسرنا، وأثرةٍ علينا، وأنْ لا نُنازعَ الأمر أهله قال: إلا أنْ تروا كفراً بُواحاً، عندكم فيه من الله برهان». وفي صحيح مسلم: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «منْ خَلعَ يداً من طاعةٍ، لقي اللهَ يوم القيامة ولا حُجة له، ومن ماتَ وليس في عُنقه بيعة، ماتَ ميتةً جاهلية». وفي صحيح مسلم: عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «منْ أتاكم وأمركم جميعٌ، يُريد أنْ يشقَّ عصاكم، أو يُفرقَ جماعتكم، فاضربوا عنقه، كائناً مَنْ كان».

5- التسبب في تعطيل حَرَم الله مدةَ اعتدائهم عليه، من الشعائر الدينية، من صلاةٍ وذكرٍ وطواف، وتلاوة لكتاب الله، وغير ذلك من أنواع العبادات، حتى أنه مضى عليه جُمعتان لم تُصليا فيه، ولم ترفع من مآذنه نداءات الصلاة جمعة وجماعة. قال تعالى: {ومنْ أظلمُ ممنْ مَنعَ مساجدَ الله أنْ يُذكر فيها اسمه وسَعَى في خرابها الآية} البقرة: 114.

6- التغرير بمجموعة من الأغرار، والنساء والسذج وغيرهم، بزجهم في حظيرة هذا الطغيان الآثم، وتعريضهم لكثير من المآسي، وصنوف المشقة، والتسبب في قتل بعضهم.

7- الانقياد لداعي الهوى والضلال؛ حيث قام مَنْ تولّى كبرَ هذه الفتنة، بالإشارة إلى أحدهم بأنه هو المهدي المنتظر! وأعلن المطالبة بمبايعته، مع انتفاء ما يدل على ذلك، ووجود ما يُكذّبه.

     وبناء على ما تقدم: فإنّ هيئة كبار العلماء، تعد هذه الفئة فئةً ضالة آثمة، لاعتدائها على حرم الله، وعلى مسجده الحرام، وسفكها الدم الحرام، وقيامها بما يُسبب فُرقة المسلمين، وشق عصاهم، وبذلك دخلت تحت قوله سبحانه: {ومَنْ يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} الحج: 25. وقوله: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها... الآية}.

     والهيئة إذْ ترى في هذه الفئة الظالمة هذا الرأي، ترى أنّ في منشوراتها من الشبه الآثمة، والتأويلات الباطلة، والاتجاهات الضالة، ما يُعد بذور شرٍ وفتنة وضلال، وطريقاً إلى الفوضى والاضطرابات، والتلاعب بمصالح البلاد والعباد، بدعاوى قد يغتر بعض السذج بظاهرها، وفي بواطنها الشر المستطير.

     وإذْ تبين الهيئة ذلك وتستنكره، فإنها تُحذّر المسلمين جميعا مما في تلك المنشورات من الشبه الآثمة، والتأويلات الباطلة، والاتجاهات السيئة، كما أنّ الهيئة بهذه المناسبة، وبمناسبة القضاء على فتنتهم من حكومة جلالة الملك خالد بن عبد العزيز -حفظه الله ووفقه، وأعانه على كل خير- تشكر الله -سبحانه وتعالى- أنْ يسّر أسباب القضاء عليها، وتسأله -تعالى- أنْ يحمي هذه البلاد وبلاد المسلمين عامة، من كل سوء، وأن يجمع شملها على الحق، ويعين ولاتها، ويعزهم بالإسلام، ويعز الإسلام بهم، ويجعل لهم من البطانة الصالحة، من إذا هموا بالخير أعانوهم عليه، وإذا جهلوه أرشدوهم إليه، وإذا نسوا ذكروهم إياه، وأنْ يُحق الحق ويبطل الباطل، ولو كره المجرمون من ظالمٍ وحاقد وماكر وحاسد، وتقدر الهيئة الجهود العظيمة التي بذلتها الحكومة في القضاء على هذه الفتنة، بطريقة اتسمت بالقوة والحكمة والبصيرة، وتشكر كل من ساهم في القضاء عليها بيده أو لسانه أو قلمه، وفي مقدمة هؤلاء جلالة الملك وولي عهده وأعوانه المخلصين، والقوات العسكرية بمختلف مسمياتها ورتب أفرادها، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- لقتلاهم المغفرة والرحمة وجزيل الثواب، ولأحيائهم الأجر العظيم والثبات على الحق والهدى، والله حسبنا ونعم الوكيل.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هيئة كبار العلماء

رئيس الدورة الخامسة عشرة:

عبد العزيز بن عبد الله بن باز 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك