شبهات وردود- الإسلام وطوفان الإلحاد (3)- التوحيد أمان للإنسان وللأرض
الإلحاد الجديد له أبعاد سياسية أسفرت عن وجهها في السنوات الأخيرة أهمها الترويج للخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)
لابد من فهم نفسية الإلحاد وبواعثه وتدريب الكوادر القادرة على احتواء الشباب في تلك الفترة العمرية الحرجة
انتهينا في المقال السابق إلى أن بقاء الإيمان بالله على الأرض هو أمنة لكل البشر مؤمنهم وكافرهم، وإنه ما دام على الأرض من يذكر الله، فإن هذا يعني أن حصول الفناء بقيام الساعة لم يتحقق شرطه بعد؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله». رواه أحمد وصححه الألباني، ولكن الذي ينبغي التأكيد عليه أن المقصود بالإيمان الذي به يتحقق الأمن لأهل الأرض الذي هو ضمانة لهم من وقوع العذاب بهم، ليس هو مجرد أي إيمان وحسب؛ فلقد فهم بعض الناس ذلك خطأ؛ إذ جاء في بعض روايات ذلك الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله»؛ فبعض الناس ظن أن ذكر الله بالاسم المفرد (الله) يكفي، وذلك غير صحيح، فقد يكون معترفاً بالله من يذكره بالاسم المفرد، لكنه غير مفرد له بالعبادة والطاعة، مشرك معه غيره، كحال من يزعمون لله الولد.
ومن يتخذون معه آلهة تقربهم إليه زلفا، قال المناوي -رحمه الله-: في فيض القدير: وليس المراد ألا يُتلفظ بهذه الكلمة ، بل إنه لا يُذكر الله ذكرا حقيقيا، فكأنه لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل، أو التكرار كناية عن ألا يقع إنكار قلبي على منكر؛ لأن من أنكر منكرا يقول عادة متعجبا من قبحه (الله الله) فالمعنى : لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من ينكر المنكر. فإذًا اللفظ المفرد في هذه الرواية كنايةٌ عن التوحيد، ومعناه: إنه لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يعبد الله، بتوحيده، وإفراده بالعبادة، وإلا فإن كثيراً من الكفار يقول الله، ومع ذلك لا يعد بمجرد قوله لها مؤمناً بالله؛ لأنه يقولها بلا تنزيه، فهو ينسب لله ما لا يليق به -سبحانه- من النقائص، كالولد والزوجة، والحلول بذاته في مخلوقاته، -جل الله وعلا- عن ذلك، فليس المقصود بعدم قيام الساعة لوجود من يقول: الله الله على الأرض، أنه يتلفظ بلفظ الجلالة دون تحقيق معناه، إنما المقصود أن يحقق بقوله مدلوله، وهو توحيده -سبحانه- المستلزم لتنزيهه عما لا يليق، ولذلك كررها في الحديث فقال: الله الله، للدلالة على إفراده بالعبودية سبحانه.
محاولة القضاء على الإسلام
ومع أن الإلحاد في صورته التقليدية هو رفض لكل الأديان، لكن ذلك لم يعد حقيقياً في الواقع، فقد أسفر الإلحاد عن وجهه القبيح، وأعلن صراحة أنه لا عدو له إلا الإسلام.
في كتاب وهم الإلحاد يشير د. عمر شريف إلى ذلك فيقول: في عام 2006 ظهر في الغرب اصطلاح (الإلحاد الجديد)، الذي لم يكتف بإحياء مفاهيم الفلسفة الوضعية المنطقية بما فيها من نظرة مادية، بل رفض التعايش بين الإلحاد والدين، ولم يكتف بنقض الألوهية والمفاهيم الدينية وطرحها للتحليل العلمي والموضوعي، لكنه تبنى أسلوب الهجوم والانتقاص والسخرية، ولاشك أن وراء الإلحاد الجديد أبعاد سياسية أسفرت عن وجهها في السنوات الأخيرة، أهمها الترويج للخوف من الإسلام، (الإسلاموفوبيا)؛ إذ إن كتابات هذه الفترة في أمريكا وبريطانيا (من 2004 ـ 2007) تتبنى مفاهيم (صامويل هنتنجتون) التي طرحها في كتابه (صراع الحضارات) التي تؤصل العداء للإسلام في نفوس الشعوب؛ لذلك فالإلحاد الجديد ليس جديداً فقط في عدوانيته ووقاحته والترويج له إعلامياً، ولكن أكثر الجديد ظهوراً هو مهاجمته للممارسات الإسلامية بل وللإسلام ذاته.
وقد أسفر زعيم الملاحدة الجدد (ريتشارد دو كنز) عن هذا الوجه القبيح للإلحاد حين أعلن عام 2012م مراراً أن أحداث 11 سبتمبر 2001م قد حولته من ملحد مسالم إلى ملحد أصولي ضد الإسلام، كما صرح (بعد أن كان معادياً للمسيحية) بأن المسيحية يمكن أن تكون الحصن الأخير ضد شر أشد منها وهو الإسلام.
وهذا الكلام من الأهمية بمكان؛ لأنه يظهر لنا مكان الإسلام في قائمة العداء الإلحادي، ويعرفنا بأن الإلحاد الذي يرفض جميع الأديان، هو في اللحظة الآنية متحالف مع ملل أخرى من أجل غاية آثمة وهي القضاء على الإسلام.
وهذه هي الرسالة التي ينبغي أن يقرأها المهتمون، على مستوى العالم الإسلامي، فنحن في الوقت الذي نطمح فيه إلى تضافر جهود المؤمنين بوجود الله من سائر الديانات لوقف تدفق ذلك الطوفان القادم، طوفان الإلحاد، إلا أن الواقع أن المواجهة وفق معطيات الملحدين أنفسهم تؤكد أنه لا موجهة إلا مع الإسلام.
وهذا إن كان محزنا، لكنه منطقي من جهة أنه إذا كان الصراع بين حق وباطل، فلا ينبغي أن يكون في جانب الحق طرف يشوش عليه، أو لا يؤمن به الإيمان الصحيح الكامل، أو المقارب لذلك.
القضاء على الإلحاد
إننا بحاجة إلى خطة متكاملة للمواجهة، تتضافر في تكوينها وتنفيذها أجهزة الدول المسلمة، وعلماؤها، ليس فقط للتوعية، ودق ناقوس الخطر لدى الأسر، ومؤسسات التعليم والتربية، والثقافة، والإعلام، ولكن لابد كذلك من فهم نفسية الإلحاد، وبواعثه، وتدريب الكوادر القادرة على احتواء الشباب في تلك الفترة العمرية التي تتوارد على أذهانهم فيها الأسئلة الحرجة من مثل: أين الله؟ ولماذا خلقنا؟ ولماذا خلق الشر؟ ونحو ذلك.
إن النظرة الفوقية من بعض الدعاة والمربين، تجاه بعض الشباب حين يقوم بطرح مثل هذه الأسئلة، والتعالي عليهم، ونهرهم، ونهيهم عن الخوض في ذلك، تصرف تعوزه الحكمة، وينقصه الذكاء والتدريب على الرد، وهو إن أفلح مرة، فإنه لن يفلح في الغالب مع الشباب الذين يعرفون الدخول إلى مواقع الإنترنت، ويستمعون إلى الفضائيات المعادية للإسلام، وهم مع ذلك لا يملكون سلاح المواجهة!!
حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في دحر الإلحاد
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: «وقد وجدتموه»؟ قالوا: نعم، قال: «ذاك صريح الإيمان» وفي الرواية الأخرى سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة فقال: «تلك محض الإيمان».
وفي الرواية الأخرى: «فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسله» وفي الرواية الأخرى «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته».
وفي رواية أبي داود: «فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ من الشيطان»، قال الألباني: حسن.
الشاهد من ذلك
إن بعض الصحابة حين شكى للنبي صلى الله عليه وسلم ما يرد على قلبه من الخواطر المنافية للتوحيد، لم يقابل ذلك صلى الله عليه وسلم بنفور وصد، ولكن قال: «ذاك صريح الإيمان»، وهو قول محتمل لمعنين كلاهما صحيح، الأول: أن استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك، والثاني أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد؛ فعلى هذا يكون معنى الحديث أن سبب الوسوسة محض الإيمان أو أن الوسوسة علامة محض الإيمان. ومن ثم فإنا نتعلم من ذلك أن خطأ السؤال لا يستلزم الحمل على السائل؛ لأنه إنما سأل من جهل، والواجب هو تهدئته، ووضعه على الطريق الصحيح، إما بإجابة سؤاله، إن كان مبنياً على شبهة، وبيان الحق له، أو بإرشاده إلى دفع الوسوسة عنه بالاستعاذة وقول لا إله إلا الله وقراءة سورة الإخلاص، فالخواطر كما يقول النووي -رحمه الله- على قسمين فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل؛ إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها.
فإذاً الرد على أسئلة الإلحاد، يجب أن يكون معه:
- قدر من الحلم وسعة الصدر.
- العلم بحال السائل، ودوافعه.
- جواب كل سائل بما يصلح له.
- عدم تسفيه السائل ولا تأنبيه، إذا ظهر أنه يسأل طلباً للحق، لا ليجادل.
لاتوجد تعليقات