رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد النجار 31 أكتوبر، 2016 0 تعليق

شبهات وردود – الإسلام وطوفان الإلحاد (2)

ظهر الإلحاد في أواخر القرن السابع عشر الميلادي وأوائل القرن الثامن عشر مع الفيلسوف الألماني (نيتشه) والإنجليزي (دارون) والألماني (ماركس) والنمساوي (فرويد) وتسربت سمومه إلى عالمنا الإسلامي فيما بعد

 

إن وسائل المعرفة في عصرنا الحالي تعددت، وأصبحت وقنواتها المختلفة من الكثرة ما يصعب معه إحصاؤها، وبعض هذه الوسائل والقنوات لا سيما الانترنت والفضائيات اتخذت من الإساءة للدين الإسلامي والطعن على ثوابته، ومقدساته، هدفاً لها؛ مما جعل بعض الشباب تحت وطأة الهجوم الضاغط عرضة للشك، أو العجز عن الرد في أحسن الأحوال، فتزلزلت عقائد بعضهم، التي هي من الأساس هشة، وهوى دينهم الذي لم يكن راسخاً ولا مبنياً على أسس ثابتة من صحيح الدين، واستكمالا لما بدأناه في الحديث عن الإلحاد في العدد الماضي نقول:

إنكار وجود الخالق

     رغم قدم ظهور الموجة الإلحادية، في عمق التاريخ الإنساني، عند الفراعنة، ثم الإغريق، على نحو ما ورد في المقالة السابقة، لكن الإلحاد الذي هو إنكار وجود خالق بالكلية، وعدم الإيمان بإله مطلقاً، ظل أمراً نادراً على مر التاريخ، حتى كانت الثورة الفرنسية، وظهور النهضة الصناعية في أوروبا، وظهور الفلسفة المادية؛ حيث ظهرت في أواخر القرن السابع عشر الميلادي وأوائل القرن الثامن عشر بوادر الإلحاد، مع الفيلسوف الألماني (نيتشه)، والإنجليزي (دارون)، والألماني (ماركس)، والنمساوي (فرويد)، فقد بذر هؤلاء بذور الإلحاد في الغرب، وتسربت سمومه إلى عالمنا الإسلامي، من خلال النظريات والأفكار الوافدة مثل الشيوعية والعلمانية والوجودية. وكثير من الذين اعتنقوا هذه الأفكار وآمنوا بهذه النظريات، من أبناء جلدتنا، كانوا دائماً ما ينفون عن أنفسهم شبهة الإلحاد، فهم يكفرون بالأديان، لكنهم مؤمنون بوجود خالق؛ أما مسألة عدم الإيمان بوجود خالق البتة، وهي ما نسميه بالإلحاد، فهذا كان إلى وقت قريب غير معروف، ولا منتشر، ثم ظهر على السطح في السنوات القليلة الماضية.

الإلحاد وحركة الهجوم على الإسلام

     إن حركة الهجوم على الإسلام من خلال الطعن في ثوابته العقائدية والشرعية والأخلاقية، حركة دائبة منذ قرون، وقد نشط ذلك مع ظهور حركة الاستشراق، التي كان الدافع الأول لها عند الغربيين، هو الدافع الديني، فقد أرادوا الطعن في الإسلام، وتشويه محاسنه، وتحريف حقائقه، وقد كان من أوائل من انبرى لذلك الراهب الإنجليزي (أديلارد أوف باث) Adelard of Bath، (1070م 1135)، والراهب الفرنسي (بطرس المبجل) Petrus Venerabilis، (1156 1092)، ولم يكن هدف هؤلاء ومن جاء بعدهم من المستشرقين، مجرد نقل الحضارة الإسلامية إلى الغرب، ولكن كان الهدف هو التنصير، عن طريق «إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام»، ومما هو جدير بالذكر أن قرار إنشاء كرسي اللغة العربية في جامعة (كامبردج) عام 1636م قد نص صراحة على خدمة هدفين أحدهما تجاري والآخر تنصيري. فقد جاء في خطاب للمراجع الأكاديمية المسؤولة في جامعة (كامبردج) بتاريخ 9 مايو 1636م إلى مؤسس هذا الكرسي ما يأتي : «ونحن ندرك أننا لا نهدف من هذا العمل إلى الاقتراب من الأدب الجيد بتعريض جانب كبير من المعرفة للنور بدلاً من احتباسه في نطاق هذه اللغة التي نسعى لتعلمها، ولكننا نهدف أيضاً إلى تقديم خدمة نافعة إلى الملك والدولة عن طريق تجارتنا مع الأقطار الشرقية، وإلى تمجيد الله بتوسيع حدود الكنيسة والدعوة إلى الديانة المسيحية بين هؤلاء الذين يعيشون الآن في الظلمات». فقد كانت هذه هي البداية، الاستشراق لأجل التنصير، لكن الأمر اختلف تماماً وتحول إلى منحى آخر مع المستشرق الأمريكي الشهير (صمويل مارينوس زويمر) Samuel Zwemer (1867ـ 1952م)، الذي أعلن صراحة أن هدف الاستشراق ليس التنصير ولكن الإلحاد، فقال في كتابه الغارة على العالم الإسلامي: «إن للتبشير - التنصير - بالنسبة للحضارة الغربية مزيتين؛ مزية هدم، ومزيد بناء، أما الهدم فنعني به انتزاع المسلم من دينه ولو بدفعه إلى الإلحاد!، وأما البناء فنعني به تنصير المسلم إن أمكن ليقف مع الحضارة الغربية ضد قومه!».

     ولعل من أفضل ما يوضح علاقة التنصير بالإلحاد قوله في المؤتمر الذي انعقد في القدس للمنصرين عام 1935م؛ حيث قال: «إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية؛ فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له، ألا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة، والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات ‏.‏‏.‏ إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات» .

شيخ الأزهر/ محمد عبده يشير إلى دور الاستعمار الإنجليزي في نشر الإلحاد:

     في مقدمته لكتاب: الرد على الدهريين، وهو كتاب مترجم من الفارسية، من تأليف الشيخ/ جمال الدين الأفغاني، (1838 – 1897م)، يقول الشيخ/ محمد عبده، (1849م – 1905م)، في مقدمة الترجمة العربية للكتاب، إن الذي حدى بالسيد/ جمال الدين إلى تصنيف هذه الرسالة في الرد على مذهب الطبيعيين أنه: «رأى حكومة الهند الإنجليزية تمد في الغي جماعة من سكان تلك البلاد إغراء لهم بنبذ الأديان، وحل عقود الإيمان، وإن كثيراً من العامة فتنوا بآرائهم، وخدعوا عن عقائدهم».

وهذا يبين مدى قدم العمل الغربي على محاربة الإسلام عن طريق نشر الإلحاد، الأمر الذي حدى بالسيدين جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده إلى كتابة رسالة بالفارسية وترجمتها بالعربية لصد تلك الهجمة الإلحادية الضارية.

الإلحاد خطر يهدد جميع الأديان

     إذا كان الثابت على ما سبق أن المستشرقين، والمستعمرين، قد استخدموا سلاح الإلحاد في محاولة هدم الإسلام، والنيل من الشعوب المسلمة، وإخضاعها، إلا أن المؤكد أيضاً أن نار الإلحاد عند العمل على انتشاره، وتمدده، لن تمثل تهديداً للإسلام فحسب، وإنما ستكون الكارثة محدقة بالجميع، فالملحد منكر لجميع الأديان، رافض لجميع أنواع التدين.

ولذا فإن الحكمة، تحتم على العقلاء في سائر الأمم الإنسانية، والديانات السماوية منها على وجه الخصوص، أن تتضافر جهودها للحيلولة دون انتشار ذلك الخطر.

الإلحاد نذير الفناء

     روى الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وابن حبان وعدي عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله. وفي لفظ: لا يقال: الله الله. وفي لفظ: لا تقوم الساعة حتى لا يقال لا إله إلا الله. وقد صححه الشيخ الألباني.

     ومعنى الحديث أنه لا يبقى على الأرض من يذكر الله، ويوضح ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر الدجال وعلامات الساعة وفيه: فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة، فحين يسمح للإلحاد بالتمدد، وحرية الانتشار، وحين يختار الإنسان أن يحيا، مقطوع الصلة تماماً بالله، فإن هذا يعني أن البشرية الهوجاء قد قطعت شوطاً كبيراً في مسيرها نحو الفناء. يتبع

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك