إصدارات لتصحيح المسار- دراسة علمية حول مظاهر الغلو ومفاهيم التطرف والأصولية- الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة
الخوارج كانوا عباداً ومجاهدين ولكن غلوهم الاعتقادي والعملي جعلهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية
دراسة علمية كما وصفها مؤلفها الشيخ عبدالرحمن اللويحق حول مظاهر (الغلو في الدين في حياة المسلمين)، وأصل هذا الكتاب رسالة ماجستير قدمت لقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وقد قدم له الأستاذ الشيخ زين العابدين الركابي الأستاذ المشارك بكلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ ومما كتب أن أناساً من الناس ندوا عن الدين الحق، واضطربت صلتهم به، ليس بسبب كراهيتهم له، وليس بسبب ضعف الاستعداد في الأخذ بعزائمه وفضائله، وإنما تورطوا في ذلك بسبب الشطط في العلاقة بالدين: فهماً واعتقاداً وسلوكاً.
إن الخوارج كانوا عباداً ومجاهدين في الجملة ولكن غلوهم الاعتقادي والعملي جعلهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.
ولماذا زاغت المعتزلة؟ لقد بالغوا في تنزيه الله -تعالى- حتى قالوا بنفي الصفات إلا قليلاً إذ قالوا: «ما قامت به الصفات فهو جسم؛ لأن الصفات أعراض والأعراض لا تقوم إلا بالأجسام».
وبناء على ذلك أنكروا رؤية الرب سبحانه يوم القيامة؛ فالعين لا ترى إلا جسماً بزعمهم. وبالغوا في الربط بين الإيمان والعمل حتى كفروا المسلمين بالمعاصي والذنوب.
وهناك طوائف من العباد والزهاد لا تزال تغلو في فهم التوكل حتى جعلته نقيضاً للتدبير والأخذ بالأسباب، وكل ذلك دليل على أن صدق الباعث وجمال القصد لا يغنيان عن صحة المنهج.
وقد اختلف الناس في الموقف من الغلو، ونزعوا منازع شتى:
الأول: لا يزال يدعو للغول بحسبانه أخذاً بعزائم الدين وجهداً مكافئاً لسلوك التفلت من الإسلام.
الثاني: ينتقد الغلو ليتوسل بذلك إلى نقض الإسلام ذاته.
الثالث: ينتقد الغلو بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
الرابع: ينتقد الغلو وينقضه لينتصر لوسطية الإسلام، وليرد الناس إلى منهج الاستقامة الاعتقادية والفكرية والسلوكية.
ونحسب أن مؤلف هذا الكتاب الباحث عبدالرحمن بن معلا اللويحق المطيري قد أخذ مكانه بجدارة في هذه الطائفة الصادقة بالحق الصادحة بمنهج التوسط والاعتدال.
والمؤلف بدأ رسالته ببيان وسطية ويسر الإسلام وسماحته، وأن الدين بني على اليسر، ثم أمضى في شرح معنى (الغلو) ليدرك القاريء أصل التسمية ومغزاها فيما وردت فيه من الأحاديث والآيات، وأوضح أنواع الغلو في الدين مبتدءاً بالغلو الكلي الاعتقادي ثم الجزئي، وضوابط إطلاقه.
وفي الفصل الثاني بين المؤلف جذور الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة من الناحية التاريخية والفكرية والنفسية. وأوضح المؤلف بأن معرفة طبيعة الغلو مدخلاً مهماً لتقويم المشكلة وعلاجها في كل عصر من العصور، وكثير من الأخطاء التي يقع فيها الدارسون للمشكلة سببها غياب الفهم لطبيعتها، مجملاً التساؤلات التي تجلي الإجابة عنها طبيعة الغلو في العصر فيما يلي: هل المشكلة فعل أو رد فعل؟ هل هي مشكلة مرحلية أو مشكلة دائمة؟ هل هي مشكلة تربوية اجتماعية أو سياسية أو هي أعم من ذلك؟ هل هي مشكلة محلية في بلد واحد أو عالمية؟ هل هي مشكلة نابعة من المجتمع المسلم أو هي متأثرة بعوامل خارجية؟ هل الظاهرة فردية أو جماعية ؟
وقد أجاب المؤلف عن هذه التساؤلات بما يكشف طبيعة الغلو في حياة المسلمين المعاصرة.
تطرق المؤلف بعد ذلك إلى حجم الغلو في الدين، موضحاً بأن الدراسات والإحصائيات التي قامت بها بعض الصحف والمجلات الأمريكية توضح أن العمليات الإرهابية التي وقعت في الشرق الأوسط الذي هو المحور الذي تظهر فيه تيارات الغلو تعد 15% من الحوادث التي وقعت في العالم، وإذا علمنا أن معظم هذه العمليات الإرهابية الواقعة في المنطقة في الغالب انعكاس لقضايا الحرب العراقية الإيرانية والاحتلال اليهودي لفلسطين وصراعات لبنان، تأكد لنا أن حجم الغلو في الدين يعد ضعيفاً في مقابل الإرهاب العالمي.
بعد ذلك ذكر المؤلف مفهوم الغلو عند كل من: العلماء المعاصرين، والعلمانيين، والغربيين، والأصولية عند النصارى، وانتقال هذا المصطلح (الأصولية) إلى بلاد المسلمين، وماهية المفهوم الغربي للغلو عند المسلمين.
أما الفصل الثالث، فتم فيه ذكر الغلو في الولاء والبراء، والغلو في التكفير، ومن ذلك التكفير بالمعصية، وتكفير كل من: الحاكم بغير ما أنزل الله بإطلاق، والاتباع المحكومين بغير ما أنزل الله بإطلاق، والخارج عن الجماعة، والمقيم غير المهاجر، والمعين دون اعتبار للضوابط الشرعية، ومن لم يكفر الكفار بزعمهم.
كما تطرق لبدعة التوقف والتبين، والقول بجاهلية المجتمعات المسلمة وتكفيرها، موضحاً بأن وصف الزمان أو الإنسان بالجاهلية ليس وصفاً عادياً، بل هو إطلاق شرعي يتضمن حكماً لا بد فيه من مراعاة الضوابط الشرعية، وأن هذا الحكم له آثار كبيرة وخطيرة.
وقد اتضح استيلاء فكرة جاهلية المجتمع على فكر جماعات الغلو اتضاحاً كبيراً؛ إذ يبنون كثيراً من المعتقدات والآراء والأفكار على القول بجاهلية المجتمع، وقد دلت كثير من النصوص على أن الجاهلية العامة لا تكون بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم .
وفي الفصل الرابع تطرق المؤلف إلى مجالات الغلو العملية والسلوكية؛ من حيث الغلو في السلوك الفردي عن طريق التشديد على النفس وتحريم الطيبات.
كذلك مجالات الغلو في السلوك الاجتماعي، ومنها الخروج على الحكام، موضحاً بأن جمهور أهل السنة والجماعة ذهب إلى تحريم الخروج على أئمة الظلم والجور بالسيف ما لم يصل ظلمهم إلى حد الكفر، ثم ذكر الأحاديث التي تدل على تحريم اقتتال المسلمين فيما بينهم، وأن الخروج على الحكام الفاسقين بالسيف هو قتال بين المسلمين، وهذه من الفتن؛ وأن مما علم بالاستقراء لوقائع التاريخ أن الخروج على أئمة الجور مفاسده أكثر من مصالحه.
ومن أوجه العنف الموجودة (الاغتيال)، والتي يكثر اتهام من يوسمون بالغلو بها، ويستند من يقول بجواز الاغتيال إلى قصة اغتيال كعب بن الأشرف، ولكن الاستدلال به على جواز الاغتيال للحكام ونحوهم لا يستقيم لما يلي: أن الاغتيال لابد أن يكون بأمر الإمام، وأن يكون لمن تيقن كفره، فكعب وابن أبي الحقيق كلاهما كافر بالله -تعالى- يقيناً.
كذلك أن يكون المقتول محارباً للمسلمين، وأن تؤمن الفتنة من هذا القتل، وهذا بين من القصة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتله إلا عندما قويت شوكة المسلمين.
وأضاف المؤلف أن من مجالات الغلو في السلوك الاجتماعي أيضاً تحريم التعليم والدعوة إلى الأمية، وتحريم الصلاة في المساجد، كذلك إيقاف صلاة الجمعة، والغلو باعتزال المجتمعات ومفاصلتها، كذلك الغلو بهجرة المجتمعات، والقول بمرحلية الأحكام وإننا نعيش في العهد المكي، كذلك تحريم العمل في الوظائف الحكومية.
لاتوجد تعليقات