رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 25 يوليو، 2016 0 تعليق

المتهم الأساس في انقلاب تركيا- جماعة فتح الله كولن منطلقها ومنهجها

تعتمد جماعة الخدمة على فكر كولن وآرائه ومواقفه وهي حركة اجتماعية صوفية تركز على مسلمي تركيا ومنفتحة أكثر على الغرب

تدير الحركة أكثر من 1500 مؤسسة بمختلف مراحل التعليم إضافة إلى 15 جامعة منتشرة في أكثر من 140 دولة في مختلف أنحاء العالم

 

 

ولد فتح الله كولن في إحدى القرى التابعة لمحافظة ارضروم، في عام ١٩٤١م، وأكمل تعليمه ودراسته في معاهد حديثة ودرس العلوم الإسلامية، وحصل على شهادة تؤهله للتدريس، وعُين كولن وهو في العشرين من عمره إماماً جامعاً في مدينة إدرنة، ثم بدأ عمله الدعوي في مدينة إزمير، وانطلق بعدها ليعمل واعظًا في جوامع غرب الأناضول، كما رتب محاضرات علمية ودينية واجتماعية وفلسفية وفكرية.

رسائل النور

     وفي أثناء دراسته تعرف على رسائل النور التي ألفها سعيد النورسي (أحد إبرز الإصلاحيين في عصره)، وتأثر بكتاباته وسيرته الشخصية حتى أنه عزف عن الزواج تشبهًا به وتفرغاً للدعوة، وخلال النصف الثاني من القرن الماضي، كان كولن من الرواد الذين كونوا الجيل الثاني من الحركة النورسية بعد تفرقها، منشئاً ما سمي لاحقاً بحركة (الخدمة) أو (جماعة كولن) التي تعد أحد أهم فرق الجماعة الأم وأقواها.

حافظ كولن طوال حياته المهنية على أسلوبه في الحياة الشخصية من الزهد والورع، ولكن في الوقت نفسه حافظ على الاختلاط بالناس والبقاء على علاقة جيدة مع السلطات المدنية والعسكرية التي واجهها خلال تلك الخدمة.

جماعة الخدمة

     أسس فتح الله كولن جماعته عام 1970م بمدينة أزمير التركية، غير أنها توسعت وأصبحت حركة قوية داخل البلاد وخارجها، ويطلق عليها جماعة الخدمة لتؤكد أن عملها تربوي اجتماعي، لكن آراءها السياسية متعددة، وتصب في انتقاد حكومة حزب العدالة والتنمية التركي.

     وتعتمد الجماعة على فكر كولن وآرائه ومواقفه، وتوصف بأنها حركة اجتماعية صوفية تركز على مسلمي تركيا ومنفتحة أكثر على الغرب، وتركز أيضاً في عملها أساسا على التعليم، فهي تبني المدارس داخل البلاد وخارجها، كما أنها اخترقت المجتمع بإنشاء مؤسسات اقتصادية وإعلامية وطبية وثقافية وإغاثية.

القفزة الكبرى

كانت القفزة الكبيرة في نشاط الجماعة بعد انقلاب عام 1980؛ حيث استفادت من دعم الدولة ومن مساحات الحرية المتاحة، لتبدأ رحلتها مع إنشاء المدارس خارج تركيا، مروراً بتكوين وقف الصحفيين والكتاب الأتراك، الجهة الممثلة للجماعة بنوع شبه رسمي.

تدير الحركة أكثر من 1500 مؤسسة بمختلف مراحل التعليم، 15 جامعة منتشرة في أكثر من 140 دولة في مختلف أنحاء العالم، وأهم ملامح هذه المؤسسات التعليمية أنها تتفق مع علمانية تركيا، ولا تطبق برامج تحمل مواصفات دينية.

قطاع الإعلام

     أما في قطاع الإعلام، فتمتلك الحركة مؤسسات إعلامية عدة منها وكالة (جيهان) للأنباء، كما تمتلك مجموعة (سامانيولو) التي تضم ست قنوات تلفزه متنوعة، وثلاث إذاعات. وتغطي هذه المجموعة 150 دولة، ولها بث خاص بأميركا وأوروبا ودول آسيا الوسطى باللغات التركية والإنجليزية والألمانية والأذرية. كما تمتلك مجموعة زمان الإعلامية التي تصدر جريدتي زمان التركية ونسختها الإنجليزية (تودَيْ زمان).

وفي القطاع الاقتصادي تمتلك الحركة (بنك آسيا)، بينما يتجمع رجال الأعمال الذين يدورون في فلكها في جمعية (توسكون).

اهتمام الغرب بجماعة الخدمة

في الاستطلاع الذي أجرته سنة 2008 مجلة (فورين بوليسي) - وهي مجلة أكاديمية أمريكية ذائعة الصيت- احتلّ المرتبة الأولى في قائمة أهم مائة عالم، وكذلك اختارته مجلة (بروسبيكت) البريطانية المشهورة بوصفه شخصية عالم.

     وقد أنشأت له عدة جامعات في الولايات المتحدة، وإندونيسيا، وأستراليا، أقساماً خاصة باسمه (كرسي أكاديمي)، ومراكز علمية متخصصة، وانعقدت مؤتمرات وندوات دولية عديدة في جامعات عالمية لدراسة أطروحاته ونظرياته الدعوية والفلسفية والإصلاحية والتربوية.

     الحركة وفكرها وإنجازها وتأثيرها وتغييرها حظيت في اهتمام دوائر فكرية وأكاديمية وسياسية غربية، وانعقدت لها المؤتمرات وصدرت عنها الكتب والمقالات في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. وعدّت هذه اللقاءات والمؤتمرات في مجملها أن حركة فتح الله كولن من أهم الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

ولعولمة تجربته، انعقد مؤتمر بعنوان: (مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي)، خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية، بجامعة الدول العربية، القاهرة في الفترة 19-21 أكتوبر 2009م.

     شارك في جلساته عبر ثلاثة أيام ما يزيد عن ألف مشارك من أساتذة الجامعات والناشطين والسياسيين والإعلاميين والمهتمين من الشباب. وهدف المؤتمر: دارسة هذه الخبرة الفكرية والحركية من الدائرة التركية في الحضارة الإسلامية إلى الدائرة العربية منها.وتحويل الفكرة إلى واقع ملموس.

     ويوصف في المؤتمر فكر فتح الله كولن بالفكر الصالح المعاصر الذي تعدت إنجازاته من صعيد تركيا إلى صعيد الأمة الإسلامية والعالم، وعدّ حركته من أكثر الحركات الاجتماعية والمدنية تأثير على العالم في القرن الواحد والعشرين؛ لأنها انطلقت من حيز تركيا إلى العالمية.

وجودها وتغلغلها السياسي

في الوقت الذي تبتعد فيه الجماعة عن العمل السياسي الحزبي، فإنها تنهمك في التحالف مع الأحزاب السياسية في مقابل الدعم والامتيازات، وتعمل على التغلغل في مؤسسات الدولة والتقدم في المناصب المهمة.

     وتبرز أدبيات (الخدمة) فكرة النفوذ والتغلغل في أجهزة الدولة المختلفة دون رؤية واضحة أو أهداف محددة لمرحلة ما بعد (التمكين) الذي تتحدث عنه. ويرى بعضهم أن الجماعة تنتهج (تقية سياسية) تجيز لأعضائها التخلي عن بعض العبادات والشعائر لإخفاء هويتهم، حتى لا يتم استبعادهم من أجهزة الدولة، ولاسيما الجيش والشرطة.

وتسعى الحركة للوصول إلى المناصب العليا في مختلف المؤسسات -وخصوصاً الجيش والاستخبارات والشرطة- تأهباً لمشروع سياسي مستقبلي.

     كما يتهمها خصومها بتجاوز العداء الديني للمشروع الصهيوني؛ حيث سبق لكولن أن انتقد تسيير سفينة مرمرة لكسر الحصار المفروض على غزة، كما أنه أدان سحب السفير التركي من تل أبيب عقب تلك الأحداث وإن كان عبر عن تضامنه مع شهداء غزة خلال العدوان الإسرائيلي في صيف 2014م.

     ويضيف خصوم الحركة أنها كانت دائما تؤكد أن مجال اشتغالها العمل الاجتماعي وفق مبادئ التصوف الروحي، غير أن صراعها مع حكومة رجب طيب أرودغان كشف انخراطها في العمل السياسي من خلال أعضائها والمتعاطفين معها، إلى جانب تصريحات مؤسسها كولن الذي انتقد مرارا قرارات اتخذتها الحكومة التركية، كما أنه سبق واتهم أردوغان بجر البلاد نحو الديكتاتورية.

صراعها مع أردوغان وحزبه

     استعر الصراع بين جماعة الخدمة وبين رئيس الوزراء السابق، والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ووصل إلى مستويات كبيرة من التشكيك والتخوين لدرجة أنه لا يكاد خطاب من خطابات أردوغان في الفترة الأخيرة يخلو من التحذير من خطر الجماعة التي يصفها بـ(الكيان الموازي) الذي يريد الهيمنة على الدولة.

     كما اتُّهمت الجماعة بإعلان الحرب على حكومة حزب العدالة والتنمية عبر تسريب أشرطة تنصت غير مشروعة، واتهمت الحكومة التركية الجماعة بأنها كيان مواز تغلغل داخل أجهزة القضاء والشرطة، ما مكنها من القيام بعمليات تنصت غير مشروعة وفبركة تسجيلات صوتية.

غير أن كولن من جهته نفى في سلسلة حوارات مع صحف تركية وقنوات عربية، الاتهامات التي وجهت إليه وإلى حركته، واتهم -بالمقابل- خصومه بتضليل الناس، واصفا تلك الاتهامات بأنها (افتراءات) لا أصل لها.

كما اتهم في الحوار نفسه حكومة العدالة والتنمية بالتضييق على الحقوق والحريات في تركيا، موضحا أن الأتراك تضرروا من ذلك، داعيا إلى سيادة القانون واحترام الحريات.

     ويعيش كولن في منفاه الاختياري بولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية، وعلق على دعوة سابقة لأردوغان بعودته إلى البلاد بقوله لصحيفة (زمان): «سأقرر ذلك بعد التشاور مع إخواني الذين أثق بصدقهم وأمانتهم، وليس بناء على أفكارِ مَن كان بالأمس شيئا، وأصبح اليوم شيئا آخر».

     وقد اتهم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو السابق (الكيان الموازي) (في إشارة إلى جماعة غولن) بمحاولة الانقلاب على القضاء بتركيا في أبريل 2015م، عندما صدر قرار محكمة الجزاء الابتدائية الـ32 بإسطنبول بإخلاء سبيل العديد من المتهمين الموقوفين على خلفية تحقيقات (الكيان الموازي)، من بينهم (هدايت قاراجه) مدير النشر بصحيفة (زمان) المحسوبة علي كولن، ومديرين أمنيين آخرين، وذلك رغم وجود قرار من محكمة أخرى يقضي بعكس ذلك، ورغم عدم إرسال المدعين العامين الذين يديرون التحقيقات لملفات القضية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك