العلاّمة ابــن جبــــرين مع العلماء.. كلمات ومواقف وفوائد شرعية
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، أما بعد:
فـ «إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيراً منها»..
هي نِعْمَ الدعوة في كل بلاء، وفي هذا البلاء، حيث ما زال يطرق الأسماع صوت الشيخ عبد الله بن جبرين وهو يتكلمُ عن وفاةِ العلماء، يَذْكُرُ حزنَ القلوب، وبكاءَ العيون على فقدهم، يتكلمُ عن الشيخ ابن باز تارة، وعن ابن عثيمين تارة، وعن غيرهما من العلماء تارة أخرى.
وهاهم الناس اليوم يتكلمون عن الشيخ رحمه الله بنحو ما كان يتكلم، فالكلام عن أمثاله شَرَفٌ يعودُ على المتكلم، والكتابة عن أمثاله فَضيلةٌ تعود على الكاتب، وهي مضمارُ خيرٍ يتسابق الناس فيه؛ فلذلك صممتُ على المساهمة في هذا المقصد المحمود، وطمعتُ أن يكون قد أُتيح لي ما يندر الوقوف عليه من سيرة الشيخ ولو كان معدوداً محدوداً، فكانت هذه المواقف والكلمات والفوائد، فإلى المادة:
1 – مع سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ:
يَذْكُرُ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله أن الملك سعود - رحمه الله - رأى إرسال «علماء مأمونين موثوقين حريصين على هداية الأمة وبيان الحق لهم،..»، فكان ممن وقع عليه الاختيار: «الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين»؛ ليكون أحد الـ«دعاة إلى دين الله الذي به السعادة في الدنيا والآخرة، وبه ينجو العِبادُ من غضب الله تعالى وأليم عقابه...، يرشدون الجاهل، ويحذرون من أسباب سخط الله، ويبينون جميع واجبات الدين، وجميع ما حرمه رب العالمين». " فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 13 / 156 بتصرف واختصار".
ويذكر الشيخ ابن جبرين هذه الفائدة عن الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمهما الله- فيقول عن الدعاء عند الملتزم - وهو الذي في الكعبة بين الباب وبين الحجر الأسود - فيلتزمه بأن يصعد ويلصق صدره بذلك المكان ويلصق يديه ويدعو، يقول رحمه الله: إنه «ورد فيه حديث مشهور تناقله العلماء بأسانيدهم أنه تستجاب فيه الدعوة، وآخر من سمعناه شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم ذكر أنه يقول: وأنا دعوت فيه فاستجيب لي، دعوة دينية رأيت أثرها ظاهرا، ذكر أيضا أنه تلقى هذا الحديث عن جده الشيخ عبد اللطيف الذي يقول أيضا: دعوت فيه فاستجيب لي، وعبد اللطيف رواه أيضا عن شيخه والده عبد الرحمن بن حسن وهو يقول أيضا: دعوت فيه فاستجيب لي، وعبد الرحمن يقول: حدثني به الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو أيضا يقول: دعوت فيه فاستجيب لي، وكل من المحدثين إلى الصحابي يقول: أنا دعوت فيه فاستجيب لي؛ فيدل على أنه محل استجابة، ويمكن أن ذلك خاص بمن ينقلون هذا الحديث عن مشايخهم بالإسناد وإن كان آخر الإسناد فيه ضعف، ولكن التجربة هذه تدل ظاهرا على أنه من مظنة الإجابة». " شريط: بيان بعض الأخطاء التي يقع فيها الحاج س8، محاضرة عن الفضائيات".
2 – مع الشيخ عبد الرزاق عفيفي:
«عرفته لأول مرة عام 1374هـ وكان يزور بعض المشايخ كالشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري, ونقرأ عليه في المجلس حديثا من أول صحيح البخاري فيشرحه شرحا موسعا، بحيث يستغرق شرح الحديث الواحد أكثر الجلسة، وعرفته في أحد الأعوام يفسر سورة سبأ في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، فكان يبقى في تفسير الآيتين نحو ساعة أو أكثر، ويستنبط من الآيات فوائد وأحكاما وأقوالا وترجيحات يظهر منها عظمة القرآن، وما فيه من الاحتمالات والفوائد؛ مما يدل على توسع الشيخ وسعة اطلاعه، وكثرة معلوماته». "اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين (72) ط: دار الفرقان".
3 – مع الشيخ عبد الله بن حميد:
«سمعت شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله يذكر أن بعض النصارى لما كشف على إناء قد ولغ فيه الكلب، وجد في ذلك الإناء جراثيم من لعاب الكلب، فغسلها بصابون ولم تزل, وغسلها بماء وأشنان ولم تزل، وألقاه في النار حتى تحترق، ومع ذلك بقيت متمسكة.
فذكر له بعض المسلمين أن الحديث جاء فيه غسله بالتراب، فوضع فيه تراباً ودلكه بحباته، فتعلقت تلك الجراثيم بحبات التراب وتفقست وزالت، فلما كشف عليه بعد ذلك فإذا هي قد زالت.
يقول: مما حمله على الإسلام أنه كيف عرف النبي [ هذا السر في غسل نجاسة الكلب بالتراب. فعلى هذا لا يقوم مقام التراب غيره؛ ذلك لأن حبات التراب إذا دلك بها ذلك المكان الذي فيه تلك الجراثيم الصغيرة التي لا ترى إلا بالمجهر؛ فإنها تفقسها وتزيلها، فلا يكفي الصابون ولا غيره (1)». " شرح كتاب دليل الطالب / باب إزالة النجاسة".
4 – مع الشيخ عبد الرحمن بن محمد الدوسري:
وقال الشيخ عبد الله بن جبرين عن شيخه العلامة الدوسري: «شيخنا الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله فسر كثيرا من القرآن، يعني وصل إلى نحو سورة الأنفال أو التوبة وتفسيره أيضا فيه عجائب، يأخذ كثيرا من تفسير «المنار»، ويرجع إلى كثير من التفاسير ثم يأتي بأساليب عجيبة، حتى إنه طبع تفسير الفاتحة في مجلد، كما هو مشاهد، مما يدل على أن الله تعالى فتح عليه، وأنه يأتي الآخِر بفوائد زيادة على ما جاء به المتقدمون» "شرح (أصول التفسير) لشيخ الإسلام ابن تيمية".
وقد كان الشيخ الدوسري صدّاعاً بالحق حريصاً على دعوة أتباع مذهب الباطنية حتى في الهند وفي باكستان؛ فإن ذلك المذهب ما عُرف عندهم «إلا من تلك الأزمنة القريبة؛ لأنهم كانوا يعطون أحدهم من المال ما يتقوى به، ويعطونه سُبْحَةً فيها علامة الدعاية لهم؛ فيتوافدون إلى تلك البلاد، فيذكر لنا الشيخ عبد الرحمن الدوسري -رحمه الله- أنه أخذ يجادلهم؛ لماذا تحولتم؟ فيقولون: نتوجه إلى السيد الحسين والسيد علي وندعوهما» " شريط: شرح (تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب)".
وقد كانت له مشاركة في النَّظم «حيث إن شيخنا عبد الرحمن بن محمد الدوسري رحمه الله، نظم أيضا على نمط (القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية) أبياتاً أَخْصَرَ منها، متضمنةً لمدلولها». "مسألة محيرة في القضاء والقدر ص7، ط: مدار الوطن بتصرف يسير".
5 – مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز:
كان سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله مشهوداً له بسعة الحفظ، وقد «سئل مرة - ونحن عنده في مجلس- عن حكم التعاليق فأجاب بأنها لا تجوز، وطلب منه ذلك السائل أن يكتب في ذلك مقالا؛ فأمر بإحضار ورقة أو لوح، وأعطاني لأكتب بعنوان "حول تعليق التمائم والأوساط".
ولما ابتدأ يملي سرد بابين من كتاب التوحيد: باب (ما جاء في الرقى والتمائم، وباب التعاليق لرفع البلاء أو دفعه من الشرك، ولبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء ودفعه)، أملى الآثار والأحاديث التي في البابين بسرعة من حفظه، ثم أخذ ينقل ويعلق عليها حتى امتلأت صفحتان تعليقا على هذين البابين، وأذن المؤذن للعشاء، وكان في عزمه أن يواصل، وكتب بعدما رجع تتمة ذلك إلا أنه أملاه على أحد أولاده أو غيرهم؛ مما يدل على أنه كان يحفظ مثل هذه المتون». "شريط: الموعظة الحسنة + لقاء مفتوح ".
ويروي الشيخ عبد الله أيضاً فائدة أخرى حول الصور فيقول عن: «المفروشات إذا كان فيها صور، سمعت شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- يسهّل في أمرها إذا كانت توطأ وتمتهن ويداس عليها؛ لأن ذلك يسهل من أمرها». "المصدر السابق".
ومن المواقف الفقهية التي يذكرها الشيخ عبد الله عن شيخه ابن باز رحمهما الله أنه «جرى ذكر تشريح الأرنب عند سماحة شيخنا الشيخ ابن باز - رحمه الله - فلم يَرَ في ذلك منكرًا لأن فيه فائدة، ولو كانوا مثلا يشنجونها، أو يضربونها بإبرة، بحيث إنها يغمى عليها ثم يشقون بطنها، وينظرون إلى نبض القلب، وحركة بعض الأعضاء، وحركة العروق وجريانها، ويقيسون ذلك على تشريح الإنسان» "الشريط الأخير لشرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني".
6 – مع الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
يقول الشيخ ابن عثيمين عن الشيخ عبد الله: إنه أحد «رموز علماء البلاد، وإذا كان العامة لا يرجعون إلى مثل هؤلاء (أي: الرموز) فإلى من يرجعون ؟! إذا لم يَقُد الأُمَّةَ علماؤها فمن الذي يقودها؟!». "لقاء الباب المفتوح (رقم135 س4)، اللقاء الشهري (رقم70 س20) بتصرف واختصار".
وقد حرص الشيخ ابن جبرين على اتباع جنازة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حتى تناقل الناس أمرا عن الشيخ رحمه الله وهو أنه عند وفاة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- ذهب الشيخ إلى مكة وتجاوز الميقات بدون إحرام، ثم أحرم فيما بعد، وأدى مناسك العمرة بالمخيط، ثم ذبح الدم بالمحظورين السابقين، وقد سئل الشيخ رحمه الله عن صحة ذلك فأجاب قائلاً: «لم نتجاوز الميقات وإنما أحرمنا ونحن في الطائرة لما حاذينا الميقات والإحرام بالنية، ولم يسر معنا لباس المحرِم الذي هو الإزار والرداء فأحرمنا في لباسنا، ودفعنا فديتين: فدية عن تغطية الرأس، وفدية عن لباس المخيط».
لاتوجد تعليقات