واجب الأمة في كفالة طلبة العلم والدعاة إلى الله
مِن المعلوم المستقرِّ في شريعة الإسلام أهميّةُ العلم الشَّرعي ومكانةُ حمَلته من العُلماء وطلبة العِلْم العاملين به؛ فإنَّ للعلم الشَّرعي في الإسلام المرتبةَ والمنزلة الرَّفيعة، ومن أهم الرَّكائز الَّتي يقوم عليها بناءُ طالب العِلْم، وهي مسألة جدّ خطيرة، (كفالة طلبة العِلْم)، والمقصود هنا ليْس الكفالة العلميَّة والمعنويَّة، وإن كانا من الأهمّيَّة بمكان، وإنَّما المقصود الكفالة المادّيَّة بتولِّي أمور طالب العِلْم والقيام على إشْباع حاجته؛ ليتفرَّغ ذهنيًّا ونفسيًّا وفكريًّا وبدنيًّا للمهمَّة الكبرى، وهي مهمَّةُ نشْر الدّين، والدّفاع عنه، والرَّدّ على المنافقين بالحُجَج والبيان، وقيادة الأمَّة في ردّ الاعتداء بالبدن والسنان.
فطالب العلم، والداعي إلى الله مثلهم مثل أي إنسان، لهم متطلَّبات وحاجات يَجب إشباعها، فإن قاموا بذلك واقتطعوا من وقتهم ومجهودهم قدرًا للكسْب وتَحصيل الرزق، عاد ذلك بالنَّقْص على المطْلوب منهم، وهو تعلم العلْم ونشْره بين النَّاس.
لذلك كان من الواجب على الأمَّة حكوماتٍ وشعوبًا أن يساندوا طلبةَ العلم، والدعاة إلى الله، ويقوموا على حاجتهم، وإنَّه لحري بنا فعلُ ذلك في الوقت الَّذي يقومُ فيه عدوُّنا بذلك، فهم يجنِّدون الآلاف للدَّعوة إلى الكُفْرِ ونشْره في ربوع المعمورة، أفَلَسْنا نحن أحقَّ بذلك منهم؟ فنحن أصْحاب الدّين الحقّ، وأصحاب المنهج الصَّحيح، وأصحاب القضيَّة المؤيَّدة من الله تعالى؛ {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} (محمد: 11).
لذلك كان الأولى بالأمَّة القيامُ بعملها في دعْم طلبة العلم، وتفريغ النُّبغاء منهم في كلِّ بلد لتحْصيل العلم وتعْليمه للنَّاس، فكثيرٌ من طلبة العلم، مع ذكائِه، وقُدرته على التَّحصيل العلمي، ونبوغه، وظهور أمارات الفطنة عليه، يُعاني الحاجة والفقْر الَّذي لم يقتصر على النَّيل ممَّا يقيم به صُلبه، ولكن تعدَّى إلى أن يَمنعه من شراء سلاحه الَّذي يجاهد به، ألا وهو (الكتب)؛ بسبب عجْز الأمة عن رصد الميزانيَّات التي بها تجهز كتائب العُلماء، مثلما تنفق المليارات لتجْهيز الجيوش العسكريَّة المعطلة عن العمل، فلا جهاد دفْع ولا جهاد طلب، ألَيس طلبة العلم والعُلماء أحقَّ بميزانية ماليَّة تقوم على سدِّ حاجتِهم وحاجات أسرهم، وشراء ما يحتاجون إليه من الكتب والمراجع؟
وإنَّهم في الغرْب يفرغون العُلماء والباحثين لأعمال البحث والتَّجربة، مقدّمين لهم كل العون المادّي والمعنوي في الأمور الدنيوية.
ومن الحلول العملية في هذا المجال التي يمكن من خلالها حل هذه الأزمة ما يأتي:
- تَخصيص الحكومات الميزانيَّات وتوْجيهها لدعْم عُلماء الشَّريعة وطلبة العِلْم.
- مطالبة رِجال الدّين والمؤسَّسة الرَّسميَّة والحكومات بدعم هذا الاتّجاه إلزامًا.
- قيام العلماء والدّعاة ببيان أنَّ هذا الدَّعم والكفالة ليس ضربًا من التسوّل، بل إنَّ الدّين في حاجة إلى كتائب العُلماء، كما هو في حاجة لكتائب المجاهدين، وبيان أنَّه يَجوز صرف الزَّكاة والصَّدقات إلى طلبة العِلْم .
- تخصيص الجمعيَّات الخيريَّة ميزانية مناسبة لدعْم طلبة العلم، ولاسيما الَّذين يتمتَّعون بقدرة على التحصيل.
- حثّ رجال الأعْمال الصَّالحين على توْجيه نفقاتِهم إلى هذا الاتجاه.
- قيام الأفراد بمساعدة مَن يعرفون من طلبة العِلْم الشَّرعي، حتَّى ولوِ اشترك العدد في كفالة الطَّالب الواحد وإمْداده بالمال اللاَّزم لمقوّمات حياتِه وحياة أُسرتِه ونفقات الكتُب، وغير ذلك.
ووالله إنها لمهمة عظيمة تحتاج لتضافُر الجهود على جميع المستويات، نصرةً لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولدينه.
لاتوجد تعليقات