الراشي… بئس ما صنع ودفع
الرشوة تفسد الأخلاق، وتلوث الأذواق، وتنجس الأرزاق، ودليل على الشَّرَه والطمع والسفه والجشع، كم من حقوق للعباد أضاعتها، وكم من وضيع رفعته، وكم من رفيع وضعته، وكم من حكم لله عطلته، وكم من باطل أصبح بها حقا، وكم من حق أصبح بها باطلا، واشتريت بها الذمم والهمم والضمائر، وضاعت بها الأمانة، وانتشرت بها الخيانة، وانتهكت بها الحرمات، وضاعت بها الفرائض!
الرشوة: كل ما يدفعه المرء من مال ونحوه لمن تولى عملا من أعمال المسلمين لإبطال حق، أو إحقاق باطل، أو إيقاع ظلم بأحد.
كم هو مؤلم أن تسمع أو تقرأ عن حرص أحدهم على العدل فإذا تعرض إلى أمر على غير هواه تجده يستغل منصبه الرفيع في الانتقام ممن تسبب في ذلك؛ إذ كان سبباً في الإضرار بمصالحه الشخصية بزعمه.
أفسدت الرشوة البلاد والعباد في كل مناحي الحياة؛ فبالرشوة تجد أحدهم قد حصل على شهادة مزورة، أو على منصب، وهو ليس أهلا له، أو على مناقصة لجلب أشياء للبلد ليس لها قيمة ولا تصلح لها؛ ولذلك لا يستطيع أن يساوم تلك الشركة بأن تخفض السعر لمصلحة البلاد، ولا يستطيع أن يستعمل الشرط الجزائي في التأخير، والأسوأ أن يتسلمها رغم عيوبها ونواقصها، ويكلف ميزانية باهظة لصيانتها وإعادة بنائها!
فالرشوة مرض اجتماعي خطير، وهي مغضبة للرب مجلبة للعذاب، وممحقة للبركة وتذهب بالمروءة، وتفسد القلوب والأجساد، قال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}، وقال عز وجل: {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون}، وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «بابان من السحت يأكلهما الناس: الرشا ومهر الزانية».
ولذلك لعنهم الله -تبارك وتعالى- ففي الحديث: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش»، وعدها الشارع الحكيم خيانة للأمانة: {يا أيها الذين أمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}، بل توعدهم الله بالنار يوم القيامة؛ ففي الحديث: «إن أقواما يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة»، رواه البخاري.
والله -عز وجل- طيب لا يقبل إلا طيبا، وفي الحديث «وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}.
فكم من شخص عندما ينتهي من البناء، ويأتي المراقب المفوض الرسمي ليقول له لا أعطيك الموافقة إلا إذا دفعت! يقال له في الجمعيات التعاونية لن نسمح لك بتنزيل بضاعتك إلا بدفع كذا وكذا! ولن أعطيك الامتيازات الموجودة إلا بدفع كذا وكذا.
ومع الأسف يسمونها بغير تسميتها فتارة هدية وأخرى رسوم تعبٍ وإكرامية وغيرها، قال تعالى: {يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتيهم عرض مثله يأخذوه}.
ولذلك نجد استنزاف الأموال ومحق بركتها، ولا نجد لها أثرا على أرض الواقع، ووصل الحد إلى تغافل موظف الدولة عن دفع الشخص ديونه مقابل أن يدفع شيئا إلى الموظف في الكهرباء أو غيره، والآن أصبحت الدولة تكتشف تزوير الأختام والوثائق وغيرها، وبعض الدول -مع الأسف- تجدها تخفف الأحكام عمن يرتكب مثل هذه المخالفات الصريحة، بل قد تبرئه أحيانا وتساعده على الهروب من السجن أو غيره بداء الرشوة!!.
كانت الرشوة سببا في أكل حقوق الآخر، وتوسيد الأمر لغير أهله، فأهدرت الطاقات والأموال، وأبعدت الكفاءات، وقوضت القدرات، وتفشى الفساد، وفشل الإنتاج.
آن الأوان للحديث بكل شفافية وصراحة بوجوب القضاء على الفساد بكل أنواعه وأشخاصه.
اللهم احفظ البلاد والعباد من الفساد وأهله..
لاتوجد تعليقات