الإضراب عن العمل.. مفسدة كبرى
عندما يمتنع مجموعة من الموظفين عن تنفيذ العمل الملتزمين به بموجب عقود العمل، للضغط على السلطة لتحقيق مطالبهم والحصول على حقوق مالية أو مهنية، وقد أوقفوا الإنتاج، وعطلوا شريان الاقتصاد، وربما قل المخزون، وأشاعوا الفوضى، وأعلنوا مطالبهم عبر قنوات إعلامية عالمية، وبدأت شركات التأمين توقف كفالتها إذا قام بالعمل غير العمال المعتمدين وهم أهل اختصاص؛ فإن حجم المأساة يتسع بصورة سيئة.
- فأين أنتم من إخلالكم بعقد العمل؟، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
- وأين أنتم من إتقانكم للعمل؟؛ ففي الحديث: «إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه».
- وأين أنتم من تعطيل مصالح العباد والبلاد وقد ألحقتم الضرر بالإنتاج والتصدير والمخزون في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة؟؛ ففي الحديث: «لا ضرر ولا ضرار»، أما شبهات قادة الإضراب عن العمل، فهي:
الأولى: إذا كانت الدولة تسمح بالإضراب، وهي دولة علمانية وهذا حق مشروع من حقوقنا استخدمناه وهو من الحرية العامة، فلماذا تقفون حجر عثرة في طريقنا؟
إن مرجعنا في الحلال والحرام هو قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر:7)؛ فالدولة سمحت للبنوك الربوية أن تشتغل ومعروف حكم الربا، فهل يجوز التعامل بالربا تحت هذه الذريعة؟ فكيف تأتي بتشريع غير الوحيين وأنت مسلم؟ قال تعالى: {أم لهم شركاء وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (الشورى:195)؛ ثم إذا سمحت الدولة فأين هذا القانون وضوابطه؟ وإذا سمحت لماذا أحالت قادة الإضراب إلى النيابة العامة؟
أما الشبهة الثانية: هناك من طلبة العلم من أجاز الإضراب؛ فالمسألة خلافية، ويحق لنا أن نختار.
المسألة ليست خلافية، بل هي واحدة، فليس هناك من يقول بجواز الفوضى وتعطيل مصالح المسلمين، وإيقاف شريان الاقتصاد في البلاد ومن الذي يجيز العبث بالأمن الاقتصادي، الذي لا يقل خطورة عن الأمن العام؟ ومن الذي يجيز أن نقلد الغرب في أعماله التي تخالف ديننا، وتحدث أعمال شغب ومظاهر العنف؟ (درء المفاسد أولى من جلب المصالح)، ثم من تتبع الرخص تزندق، والعالم إذا أخطأ هل تتبعه في خطئه؟ فلا تبحث عن تحريف الغالين، ولا انتحال المبطلين، ولا تأويل الجاهلين.
أما الشبهة الثالثة: لا نستطيع أن نحصل على حقوقنا إلا من خلال الإضراب!!
وهذا غير صحيح، ألم تستلم راتبك؟ وهل خصم عليك حقا من حقوق تتمع بها؟ فانظر إلى المميزات التي تحصل عليها مقارنة مع الآخرين في مستواك العلمي وفي الخبرة «أي مدة وجودك في العمل»، ثم هناك قنوات مباحة ومتاحة تستطيع أن تطالب فيها عن طريق الوزير ورئاسة الوزراء، والديوان الأميري، ومجلس الأمة دون الإخلال بالأمن الاقتصادي.
أما الشبهة الرابعة: لابد أن ننصر الاتحاد العمالي الذي اختار الوقت، ولا نغدر أو نتخلى عنهم، وهذه ليست من أخلاقنا.
ألا ترى أن الله -تعالى- دعانا إلى التعاون على البر والتقوى، وألا نتعاون على الإثم والعدوان؟، وذكر النبي[ أن ننصر أخانا ظالما أو مظلوما، فقالوا: عرفنا كيف ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟. قال: «تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه».
أما الشبهة الخامسة: قالوا التجار بددوا الأموال، وسرقوا البلاد، وأفسدوا كثيرا، والدولة لا تأتي إلا على الفقير!
هل تعلم أن هذا اتهام ولابد لك من دليل؟ ثم إذا كان لديك بينة فاذهب بها إلى أهل القضاء الذين سيرجعون الحق إلى أصحابه. ثم إذا سرق الناس وهربوا في الدنيا لاشك أن هناك عقوبات في القبر ويوم القيامة، ثم هل هذا يسوغ لك أن تقلدهم في أفعالهم؟ ستسأل يوم القيامة سؤالين: «من أين اكتسبته وفيما أنفقته»؟
أما الشبهة السادسة: ما دخلكم أنتم والمسأله متعلقة بمطالبنا مع الوزارة؟.
نحن حريصون على البلاد والعباد، بل حريصون عليكم أنتم؛ لأننا نعيش في سفينة واحدة إذا تركناكم تخرقونها غرقنا جميعا، ثم الذي يرى المنكر ولا ينكره يلحقه إثم كبير؛ فكلنا صمام أمان، وهذا الدور هو الذي يجب أن نؤديه في بناء كويتنا لا أن نكون معول هدم، وإن ما تفعلونه يفرح عدونا، والعدو ينظر إلى تفككنا، وينشر اختلافنا، وينتظر تمزقنا، ويفرح للفساد إذا عم وانتشر، يسعى إلى إراقة الدماء، وإحداث الفتن؛ فلماذا نعطيه ذلك على طبق من ذهب؟
وأخيرا (الغاية لا تبرر الوسيلة) ولا نسلك طريقا مظلما، بل طريقا واضحا بينا ولا أحد يمنعك أن تطالب، والتقصير وارد، لكننا نختلف معك في الوسيلة ولا يجوز أن تعالج الخطأ بالخطأ، ولا تتشبه بالعدو فيما يتبع من وسائل؛ ففي الحديث: «من تشبه بقوم فهو منهم». وعليكم بالصبر والدعاء، ولا تسنوا سنة سيئة؛ فهناك أيضا مجموعات كبيرة تنتظر دورها في الإضراب إذا كانت هذه الوسيلة ستحقق المطالب.
نسأل الله أن يحفظ العباد والبلاد، ويجعلنا جميعا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
لاتوجد تعليقات