المساعي الإقليمية والدولية تعزز الخيار السياسي- المشهد اليمني الدامي .. قراءة في سيناريوهات الحل
يحسب لدولة الكويت تاريخها المشرف في التوفيق بين أطراف الصراع في اليمن، وأنها قادرة على تهيئة مناخ ملائم لإنجاح هذه المفاوضات
عاصفة الحزم أحكمت السيطرة على أجواء اليمن وتدمير الدفاعات الجوية ونظم الاتصالات بطلب من الرئيس اليمني هادي لإيقاف الحوثيين
يرى محللون أن أحد سيناريوهات حلحلة الأزمة اليمنية، تتمثل في انفجار تحالف صالح/الحوثي من الداخل
الاستمرار في الحرب اليمنية سيقود إلى اشعال حرب أهلية شاملة لن تكون السعودية بعيدة عن آثارها المدمرة
على الرغم من صدور خمسة قرارات أممية في الشأن اليمني إلا أنها فشلت جميعا في حلّ الأزمة؛ وذلك لكون القوى السياسية اليمنية التقليدية تستند إلى تحالفات خارجية لرسم أجنداتها
أسفرت الحرب الدائرة في اليمن عن أزمات إنسانية معقدة راح ضحيتها الآلاف من المدنيين، والحاجة ماسة إلى تقديم مساعدات لأكثر من عشرين مليون شخص
لاحت في الآونة الأخيرة بوادر انفراج في الأزمة اليمينة، عندما أعلنت دولة الكويت عن استعدادها لاستضافة حوار يمني جاد بين الفرقاء لحل الأزمة اليمنية، وكان المبعوث الأممي ولد الشيخ قد أعلن أن حوار الكويت سيكون من أجل بناء الدولة في المرحلة المقبلة وإنهاء الحرب، باعتبار أن الجميع اليوم باتوا أطرافًا في النزاع، ومطلوب من الجميع التقدم نحو الشراكة الحقيقية لضمان الخروج من الأزمة، إلا أنه لاحت في الأفق بوادر غير مطمئنة عندما ماطل الحوثيون في الحضور إلى تلك المفاوضات، وبعد جهد جهيد تم إقناعهم بالحضور.
وكانت تصريحات ولد الشيخ قد تضمنت خمس نقاط أساسية لتلك المفاوضات تتمثل في سحب الميليشيات والمجموعات المسلحة، وتسليم السلاح الثقيل للدولة، وترتيبات أمنية انتقالية، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة وبدء الحوار السياسي الشامل. والعمل على إنشاء لجنة لتبادل المعتقلين والسجناء.
الكويت بوابة السلام
ويحسب لدولة الكويت أن لها تاريخا مشرفا في التوفيق بين أطراف الصراع في اليمن، وأنها قادرة على تهيئة مناخ ملائم لإنجاح هذه المفاوضات، وذلك بالنظر إلى تلك الجهود الرائدة لها في حل القضايا والمشكلات العربية – العربية وإطفاء نار النزاعات وإحلال السلام العالمي، وما تمتلكه من رصيد حافل في جهود المصالح والوساطة من أجل تنقية الأجواء ولم الشمل العربي.
ويعد سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، من بين أبرز الساسة الرواد الذين يؤدون دورا حياديا إيجابيا في لم الشمل العربي، وتعزيز وحدته خلال العقود الخمسة الماضية، نظرا لما يتمتع به سموه من خبرة وحنكة سياسية تمتد إلى أكثر من نصف قرن في إدارة الشؤون الخارجية للدولة ، وما أضفاه عليه لقب ( أمير الإنسانية) من وسام فخر وشهادة دولية تؤكد مثل هذا الدور المنشود.
وقد بذلت الخارجية الكويتية خلال الفترة الماضية جهدًا مثمرًا في توفير الدعم الدولي لوقف إطلاق النار، والمفاوضات، فمن جانب انطلقت ورش عمل في كل من الكويت ومسقط، بمشاركة فنيين عسكريين من الاتحاد الأوربي وبرعاية الأمم المتحدة، تتعلق بوضع خطة تثبيت وقف إطلاق النار ومراقبتها.
جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة
أصدر مجلس الأمن الدولي منذ أكتوبر2011، العديد من القرارات حول ضرورة وقف عمليات القتال، وإنهاء النزاع المسلح بين الجماعات المسلحة، والعمل على تفعيل مبادرة دول مجلس تعاون الخليج العربي للانتقال السلمي، فضلا عن بنود مؤتمر الحوار الوطني.
ثم انطلقت جلسات الحوار الوطني في مارس 2013، برعاية الأمم المتحدة، وبعد عناء شديد نجح الرئيس اليمني في 25 يناير 2014 بتوقيع وثيقة مخرجات الحوار الوطني؛ حيث وقع الحوثيون مع بقية الأطراف على الوثيقة التي تعد في جوهرها إحياءً لمبادئ الثورة اليمنية 1962. وتضع حلولا وتأطيرًا لقضايا: الجنوب، الدستور، البرلمان القادم، ومشكلة الميليشيات المسلحة، نظام الأقاليم والدولة الاتحادية.
ويرى كثيرون أن الوثيقة تؤسس لدولة اليمنيين كلهم، وتحافظ على وحدة شطري اليمن، وتَحُول دون انفصال الجنوب، وأنها تضع حدًا للمشكلات المزمنة وتحقق التقسيم العادل للسلطة والثروة، إلا أن تغيير المناصب الذي أحدثه الرئيس هادي مؤخرا بعثر تلك الأوراق، وأعاد المخاوف إلى السطح من جديد في لعبة النفوذ وصراعات الشمال والجنوب .
ويعد قرار مجلس الأمن في أبريل (نيسان) 2015 أحدث قرارات الأمم المتحدة التي صدرت مؤخرًا بشأن اليمن. وقُدّم باعتباره مقترحًا من دول الخليج العربي، عقب بدء العملية العسكرية (عاصفة الحزم)، ومطالبة جماعة الحوثي بوقف القتال، وسحب القوات من المناطق التي فرضت سيطرتها عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
وعلى الرغم من تلك القرارات ، فإنه لا يظهر على أرض الواقع من بنودها شيء حتى اللحظة؛ إذ ما يزال اليمن يعيش حالة من الفوضى والفلتان السياسي والأمني، التي أعقبها حصد المزيد من أرواح المدنيين، وتدمير البنى التحتية الرئيسية.
ويبقى أن الحوثيين لم يستجيبوا لقرارات الأمم المتحدة، بل أخذوا في توسيع عملياتها، وتركيزها للسيطرة على المقار الحكومية الرسمية، في تجاهل تام للقرار الأممي.
قراءات ومؤشرات:
وبقراءة متأنية لملامح المشهد اليمني خلال الفترة القريبة القادمة، فإننا نلمس المؤشرات والحقائق الآتية:
تضارب المصالح وتعاكس الحلول
يبدو أن الأطراف الرئيسة للأزمة السياسية القائمة في اليمن تعمل في مسارين متعاكسين بحثا عن حل لهذه الأزمة المستمرة منذ فبراير الماضي التي لم تنجح معها الحلول السياسية ولا الضغوطات الخارجية والمحلية؛ ما أثر على جوانب الحياة كافة في هذا البلد .
وعلى الرغم من صدور خمسة قرارات أممية في هذا الشأن إلا إنها فشلت جميعا في حلّ الأزمة اليمنية، وذلك لكون القوى السياسية اليمنية التقليدية تستند إلى تحالفات خارجية لرسم أجنداتها.
ففي حين يرى مراقبون أن النظام في اليمن يستدعي الحلول السياسية كلما ضاق به الحال وزاد غضب معارضيه وزادت وتيرة التصعيد من الاحتجاجات ، يرى الفريق الآخر أن الحوثيين يضربون بقرارات الشرعية عرض الحائط، وأنهم يشعلون النار في كل مكان، فيما وصل شباب الساحات والمعارضة في اليمن إلى طريق مسدود في حسم قضيتهم .
حتمية الحل السلمي
تفرض معطيات الواقع السياسي واللوجستي للحرب الدائرة في اليمن ضرورة التوجه صوب رسم خيار سلمي؛ وتتمثل تلك البوادر في السعي الحثيث الذي تبديه أطراف خارجية وداخلية للذهاب بالأزمة اليمنية صوب خيارات الحل السلمي، ويؤيد ذلك تصريحات كثيرة صدرت عن مسؤولين في العديد من الدول وعلى رأسها كل من المملكة العربية السعودية وتركيا وألمانيا والإمارات وأمريكا وروسيا، وتصريحات الخارجية التركية بأن تركيا مستعدة لآداء دور فعال لإيقاف الحرب والخروج من الأزمة اليمنية، وذلك بحكم علاقتها الجيدة مع الطرفين الإقليميين المؤثرين على الساحة اليمنية (السعودية وإيران).
كما أوضح الأمير محمد بن سلمان -ولي ولي العهد السعودي- في حديثه لشبكة (بلومبيرغ) الإخبارية، أن السعودية تدفع باتجاه الحل السلمي في اليمن، وفرصة الحوار الحالية مهمة، وفي حال انتكست فإن السعودية مستعدة لهذا.
ويبدو أن الاتحاد الأوربي يلقي بثقله لدعم عملية السلام، متخطيا حاجز التصريحات والبيانات إلى الاندماج الفعلي في إيجاد حلول للأزمة اليمنية، وعلى المستوى نفسه جاء التحرك الأمريكي والروسي، داعمًا ومؤيدًا لجهود المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ.
ويؤيد ذلك أيضا ما ذهبت إليه ندوة أكاديمية نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من أنّ التحرك العربي الذي بدأ بعاصفة الحزم لن يحقّق الاستقرار لليمن في ظل استمرار غياب عنصرين أساسيين: أولهما: أن يضع التحالف الذي تقوده السعودية أهدافًا استراتيجية محدَّدة للعمليات العسكرية تكون هي الموجّه لتطورات العمليات. وثانيهما: التحوّل إلى تحرّك يتجاوز محدودية تأثير القصف الجوي عبر عمليات برية، على أن يخدم ذلك كله الوصول إلى حلٍ سياسي شاملٍ عبر الحوار بين مكونات الأزمة اليمنية، مع ضرورة أن تحقّق عاصفة الحزم هدفها في قطع الطريق أمام التدخل الإيراني ووقف تمدّده.
حقيقة الموقف الأمريكي
إن طبيعة الموقف الأمريكي من إيران- رغم إعلانه تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لعاصفة الحزم- جعلته يميل إلى بلورة حل سلمي للأزمة اليمنية بدلاً من تشجيع السير في خيار الحسم العسكري حتى النهاية، ويعتقد بأن الموقف الأوروبي سوف يسير في الاتجاه نفسه.
حيث تغيرت التصريحات الأمريكية بشأن عملية عاصفة الحزم من التأييد التام إلى التشديد على ضرورة العودة إلى الحوار سبيلا لتسوية أزمة اليمن، ذلك ما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية من أن الوزير جون كيري ونظراءه في دول مجلس التعاون الخليجي توصلوا إلى توافق، بأن أي حل للأزمة اليمنية قابل للديمومة لا يمكن التوصل إليه إلا بالحوار السياسي السلمي، وأن اليمنيين بمختلف أطيافهم وفئاتهم يجب أن تكون لهم أدوار مهمة في حكم بلادهم سلمياً.
وذلك على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2216، وبما يتماشى مع المبادرة الخليجية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني اليمني عام 2013.
تفجير التحالفات
ويرى محللون أن أحد سيناريوهات حلحلة الأزمة اليمنية، تتمثل في انفجار تحالف صالح / الحوثي من الداخل، بحيث تقبل القوات الموالية لصالح بوضع السلاح والتخلي عن الحوثيين، أو العكس، ولاسيما وأن الجميع يعرف قدرة علي صالح على المراوغة وتغيير الاتجاه في أي لحظة، وقد جرت مساع حثيثة لتحقيق هذا السيناريو، مقابل تأمين أسرة علي صالح، أو استمالة الحوثيين لحل منفرد؛ ما يعني العودة مجددًا إلى أجواء المبادرة الخليجية الثانية لحل الأزمة اليمنية.
وبطبيعة الحال فإن هذا السيناريو، ليس مطروحًا على أجندة الأمم المتحدة، أو من قبل المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ؛ لأن الحل الأممي يستهدف نزع فتيل الحرب وإقرار السلام دون مراعاة للوضع التاريخي لأطراف الأزمة اليمنية، ولا يشترط تحقيق مصالح القوى الإقليمية في الوقت ذاته؛ لذلك فقد كان الفشل مصير كل جولات الحوار التي تمت تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف أو مسقط.
هاجس الحرب الشاملة
من ناحية أخرى تحذر دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أنها تمكنت من خلال عاصفة الحزم من توجيه ضربة مؤلمة لقوات الجيش اليمني ومليشيات الحوثي، ولاسيما بعد تدمير الصواريخ البالستية التي كانت تقلقها، وقد ضمنت بذلك منع أي تهديدات جادة توجه ضدها من الأراضي اليمنية، وذلك سيجعلها تتعامل مع أي مبادرات سلمية بجدية، لاسيما وأنها باتت تدرك صعوبة القضاء النهائي على حلف الحوثي وصالح، وذلك للعقبات التي تعترض طريق التدخل البري الشامل؛ ما يعني أن الاستمرار في تلك الحرب إنما سيقود الأمور إلى إشعال حرب أهلية يمنية شاملة لن تكون السعودية بعيدة عن آثارها المدمرة.
ويؤيد ذلك تأكيدات مستشار وزير الدفاع السعودي أحمد عسيري، أن حل الأزمة اليمنية يتمثل في الحل السياسي عبر حوار وطني خالص بين السلطات الشرعية ومكونات المجتمع السياسي، بما في ذلك الحوثيون، مشيرًا إلى أن عمليات التحالف العربي باليمن ستنتهي بطلب من الحكومة اليمنية، وموضحا أن التحالف العربي بقيادة المملكة سيبقى داعمًا للحكومة اليمنية والأمم المتحدة لتطبيق قرار 2216.
تبدد أحلام الحوثي
إدراك الحوثي وأنصاره في اليمن وخارجها أن عاصفة الحزم رغم عدم قدرتها في القضاء النهائي عليه واستمراره طرفاً رئيساً على الساحة اليمنية، إلا أنه صار يعي أن ضربات طيران العاصفة قد جعلت أطماعه بالانفراد بالسيطرة على الدولة اليمنية كما كان يخطط من أحلام الماضي، وكسرت حاجز الخوف منه، وولدت مقاومة شعبية متنامية ضده، وهو ما يؤكده تخبطه في اتخاذ قرارات غير مدروسة العواقب
الجانب الإنساني
وقد أسفرت الحرب الدائرة في اليمن عن أزمات إنسانية معقدة راح ضحيتها الآلاف من المدنيين، فضلا عما خلفته من آثار سيئة على الإنسان اليمني صحيا وتعليميا وبيئيا.
ويكفي أن نعلم أن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية نحو 21.2 مليون شخص، وأنَّ الذين يعيشون في المناطق المتضرِّرة نحو 4.12 مليون شخص، فيما بلغ النازحون 3.2 مليون شخص، (52%) منهم من الإناث، ونصفهم في محافظات تعزّ وحجة والضالع، وبلغ عدد طالبي اللجوء 273 ألف شخص، كما بلغ عدد المهاجرين المستضعَفين 182 ألف شخص، وإنَّ نحو 14,4 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك 7,6 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، ونحو 3 ملايين يعانون من سوء التغذية، بما في ذلك الأطفال والنساء والحوامل والمرضعات، ونحو 19,3 مليون شخص يفتقرون إلى إمكانية الوصول الكافي إلى المياه النظيفة والصرف الصحي، ونحو 14,1 مليون شخص لا يستطيعون الحصول على رعاية صحية كافية، ونحو 2,8 مليون شخص بحاجة إلى مأوى ومواد غير غذائية، ونحو14,1 مليون شخص بحاجة إلى الحماية.
وعلى الرغم من ذلك فإن الأوضاع المأساوية التي بات يعيشها المواطن اليمني وحجم المعاناة الإنسانية الكارثية، وذهاب اليمن صوب أزمة طاحنة من الجوع والعطش، كل ذلك سيجعل الشعب اليمني يكفر بالحروب ودعاتها ويقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، وسيرجح كفة الحل السياسي.
منظومة الحل السلمي
ومن هذا المنطلق ينبغي أن تستند منظومة الحل السلمي إلى النقاط الآتية لتحقيق السلام المنشود والخروج من نفق الأزمة اليمنية المظلم:
1- إعلان هدنة حقيقية لوقف كل مظاهر الحرب والعمل المسلح والخروقات.
2- المسارعة إلى تقديم المساعدات الإنسانية.
3- الجلوس إلى طاولة الحوار والمفاوضات و صياغة حل سلمي يوقف الحرب الدائرة وفق رؤى استراتيجية .
4- تكوين حكومة ذات قاعدة موسعة لإنهاء الصراع.
وهكذا بدأت الحرب في اليمن وتوالت عليها (عاصفة الحزم) وعملية (إعادة الأمل)، وما يزال الوضع في اليمن على حاله، وكل المؤشرات تدفع بقوة إلى حتمية الحل السلمي للأزمة اليمنية.
ويرى مراقبون أن فرصة السلام متاحة أمام اليمنيين بدعم المجتمع الدولي وبتعاون دول الخليجي، وعلى الميليشيات اقتناص الفرصة وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية دون شروط.
وإذا لم يحدث ذلك فإن الأزمة اليمنية ستتفاقم بفصولها الدامية التي تخلف يوميا قتلى وجرحى ودماراً يطال مختلف المناطق اليمنية، وتسير بالبلاد إلى الهاوية وإلى ما لا تحمد عقباه.
لاتوجد تعليقات