شرح كتاب الطَّلاق من مختصر مسلم – باب: تَخْيِير ال
859. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوساً بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَال: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا، قَال: فَقَال: لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ، سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقَال: «هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ» فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟ فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا، أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} حَتَّى بَلَغَ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب)، قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْراً، أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ، حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ» قَالَتْ: ومَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ، قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟! بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وأَسْأَلُكَ أَلَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ، قَالَ: «لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، ولَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا».
860. عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: ما أُبَالِي خَيَّرْتُ امْرَأَتِي وَاحِدَةً، أَوْ مِائَةً، أَوْ أَلْفًا، بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي، ولَقَدْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَفَكَانَ طَلَاقًا؟
الشرح:
الحديث أخرجه مسلم في الطلاق (2/1104) باب: بيان تَخيير امْرأته لا يكونُ طَلاقاً إلا بالنيّة.
الاستئذان عند الدخول
- يقول جابر: «دخلَ أبو بكر يَسْتأذن» أي: أرادَ الدخول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. «فوجد» أي: أبو بكر «الناس» أي: جماعة منهم «جُلوساً ببابه» لمْ يُؤذن لأحَدٍ منهم، قال: أي: جابر «فأذِن» بضم الهمزة، ويُفتح «لأبي بكر فدَخل، ثمّ أقبلَ عُمر فاسْتَأذن فأذن له، فوَجَد»، أي: عمر «النَّبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً حوله نساؤه» لعلّ هذا قبل نُزُول الحِجاب، أو قد لبسن الحِجَاب لمّا دخل.
عمر يدخل السرور على النبي صلى الله عليه وسلم
- قوله: «واجِما» أي: حَزيناً مهتمّاً، وفي النهاية: الواجِم منْ أسْكته الهمّ، وعلته الكآبة. اهـ. أي: هو الذي اشتدّ حزنه حتى أمسك عن الكلام.
- قوله: «فقال» أي: عُمر في نفْسِه، لأقولنّ شيئاً أضْحك النبي - صلى الله عليه وسلم -» أي: شيئاً يَضحك به النّبي - صلى الله عليه وسلم -، والمُراد حُصُول السُّرور والانْشراح له، ورفع الكدَر عنه بالمِزاح، قال النووي: قوله «يَضْحك» في نسخة «أضحك» فيه ندبُ مثل هذا، وأنَّ الإنسانَ إذا رأى صاحبه حَزيناً أنْ يُحدّثه حتى يَضحك، أو يَشْغله ويطيب نفسه اهـ. «شَرح مسلم».
- قوله: «فقال- أي: عمر- يا رسول الله، لو رَأيت» أي: لو عَلِمت، «بنت خارجة» يعني بها زوجته، ولو للتمنّي. «سألتني النَّفقة» أي: الزّيادة على العادة، أو فوقَ الحَاجة «فقمت إليها فوجَأتُ عنقها» بالهَمز، الوجْأ: الضّرب باليد، أي: ضربتُ عنقها بكفّي. وقال الطيبي -رحمه الله-: الوجأ الضّرب، والعرب تحترز عن لفظ الضرب؛ فلذلك عدل إلى الوجأ. وفي القاموس: وجأه باليد والسكين كوضعه، ضَرَبه اهـ. - قوله: «فضَحِك رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «هنّ» أي: نِسَائي، «حَولي كما تَرى يَسْألنني النَّفَقة» أي: زيادتها عن عادتها.
كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَريماً مع زَوجاتِه
وقد كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَريماً مع زَوجاتِه، وكانَ يُنفِقُ عليهِنَّ ممَّا آتاهُ اللهُ، ولكِنَّه كانَ كَثيرَ النَّفَقةِ في سَبيلِ اللهِ، وفي مَصالِحِ النَّاسِ، حتَّى إنَّه كانَ لا يُبقي إلَّا القَليلَ لِنَفْسِه وأهلِه، ممَّا تَرتَّبَ عليه بَعضُ ما يَقَعُ على الزَّوجاتِ مِنَ التَّضرُّرِ، ولكِنَّ اللهَ -سُبحانَه- خَيَّرهُنَّ بيْنَ الصَّبرِ على ضيق العَيشِ معه، وبيْنَ الطَّلاقِ والفِراقِ بالمَعروفِ.
- قوله: «فقام أبو بكر إلى عائشة -رضي الله عنها- يَجأ عُنَقها، وقام عُمَر إلى حفصة يجَأ عُنقها، كلاهما يقول» أي: خِطاباً لبنته: «تسألينَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليسَ عنده؟ فقلنَ: واللهِ لا نَسألُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» أي: بعدَ هذا شيئاً، أي: من الأشياء، «أبدا» تأكيد «ألا نَسْأل» «ليس عنده: أي: ذلك الشّيء.
اعتزال النبي لزوجاته شهرا
- قوله: «ثم اعتزلهن شَهراً، أو تِسْعاً وعشرين» بناء على يَمينه السّابق، والصّحيح الثاني، ولعلّه لمْ يبلغ الراوي فتردّد فيه. أي: غَضِب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لذلك، فاعتزَل نِساءَه ثَلاثين أو تِسعاً وعِشرين يوماً، لم يَدخُلْ بيوتَ أزواجِه، وامتنَعَ عنهنَّ.
- قوله: «ثمّ نزلت هذه الآية: {يا أيها النبي قلْ لأزواجك} حتى بلغ {للمُحْسِنات منكنَّ أجْراً عظيما}. وهي قوله -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 28- 29).
التخيير أمر من الله -تعالى
قال ابن كثير: هذا أمرٌ مِنَ الله لرسوله -صلوات الله وسلامه عليه-، بأنْ يُخيّر نِسَاءه بين أنْ يُفارقهنّ، فيذهبنَ إلى غيره ممّن يحصل لهنَّ عنده الحَياة الدنيا وزينتها، وبين الصّبر على ما عنده منْ ضِيقِ الحال، ولهنَّ عند الله في ذلك الثواب الجزيل، فاخترنَ -رضِي الله عنهنّ وأرْضَاهنّ- الله ورسُوله والدار الآخرة، فجَمَع اللهُ لهنّ بعد ذلك بين خيرِ الدنيا، وسَعادة الآخرة. انتهى.
- قوله: «قال: أي: جابر «فبدأ» أي: في التَّخيير «بعائشة -رضي الله عنها-» فإنّها أعْقلهنّ وأفْضلهن، «فقال: يا عائشة، إنّي أريدُ أن أعْرضَ عليك أمْراً، أحبّ ألا تَعْجلي فيه» أي: في جوابه مِنْ تلقاء نفْسِك، «حتى تَسْتَشِيري أبويك» خوفاً عليها مِنْ صِغر سنّها، المُقْتضي إرادة زينة الدُّنيا؛ ألا تختار الآخِرة.
شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعائشة
وفي رواية عنها: «وقد عِلمَ أنّ أبوي لمْ يَكونا ليَأمراني بفِرَاقه» قال النووي -رحمه الله-: إنّما قال: «لا تَعْجلي» شَفَقةً عليها وعلى أبَويها، ونصيحةً لهم في بقائِها عنده، فإنَّه خافَ أنْ يَحْملها صِغَرُ سنّها، وقلّة تَجاربها، على اختيارِ الفِراق، فتتَضرّر هي وأبواها، وباقي النِّسْوة بالاقتداء بها.
عائشة اختارت الله ورسوله
- قالت: «وما هو؟» أي: ما هو ذلك الأمر «يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية» أي: المَذكورة سابقا، «قالت: أفِيكَ» أي: في فِراقك، أو في وِصَالك، أو في حقّك يا رسولَ الله، أسْتَشير أبوي؟» لأنَّ الاسْتِشارة فَرْعُ التّردّد في القَضيّة والأمر، «بل» أي: لا أستشيرُ أحَداً، «بل أختارُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة» وفي الكلام إيماء إلى أنَّ إرادةَ زِينة الحياة الدنيا، وطلب الدار الآخرة لا يَجْتمعان على وجْه الكمال، ولذا قيل: مَنْ أحبَّ دُنياه أضَرّ بآخرته، ومَنْ أحبّ آخرتَه أضَرّ بدنياه، فآثروا ما يَبْقى، على ما يفنى.
«إنّ الله لمْ يَبْعثني مُعنّتا»
- قولها: «وأسْألك ألا تُخْبر امرأةً مِنْ نِسَائك بالذي قُلْت» أي: طَلَبَت منه - صلى الله عليه وسلم - ألَّا يُخبِرَ امرأةً مِن نِسائِه بالَّذي أجابتْ به؛ وذلِك غَيْرةً منْها، وحِرْصاً على التَّفرُّدِ بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والاستكثارِ منه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسأَلُني امرأةٌ منهنَّ إلَّا أخبَرْتُها»؛ أي: أخْبِرها بالذي اخْتَرت، لأُعِينَها به على الاخْتيارِ، تقليداً أو تَحْقيقا.
- قوله: «إنّ الله لمْ يَبْعثني مُعنّتا» بالتَّشديد أي: علّل ذلك بأنّ الله لمْ يَبْعثه مُوقعاً أحداً في أمرٍ شديد، والعَنَت: المَشقّة، والإثم أيضا، «ولا مُتَعنّتا» أي: طَالباً لزلَّة أحد، «ولكنْ بعثني مُعلّمَا» أي: للخَير، «مُيَسّراً» أي: مُسَهّلا للأمْر. ووَجهُ التَّيسيرِ في هذا: أنَّه إذا أخبَرَ نِسَاءه بذلك، اقْتَدى بعائشةَ -رضي الله عنها- غيرُها مِن أزْواجِه، وسهُلَ عليها اختيارُ اللهِ -تعالَى-، ورسولِه - صلى الله عليه وسلم -، والدَّارِ الآخِرةِ. وفي نسخة «مبشراً» أي: لمَنْ آمَنَ بالجنَّة والنَّعيم، ولمَنْ اختارَ الله ورسوله والدار الآخرة، بالأجر العظيم. قال قتادة: فلمّا اخْتَرنَ الله ورسوله، شَكرهن على ذلك، وقصَره عليهن، فقال: {لا يَحِلّ لك النساءُ مِنْ بَعد} (الأحزاب: 52). كذا ذكره البغوي.
- وفي الحديث من الفوائد:
1- أنّ للأبِ الحقّ في تَوجيه ابنته وتربيتها وتأديبها أمامَ زوجها، إذا رأى المَصلحةَ في ذلك، كخَوفِه مِنْ تَطْليق ابنته مِنْ زوجها صاحبِ الخُلُق والدّين؛ إذْ المَرأة بطبيعتها ناقصة، قد يَصْدر منْها شيءٌ يكون سَبباً لخَراب بيتها، وهذا إذا لمْ يكنْ ذلك ممّا يُغْضب الزّوج، أو يسبب له ضِيقاً وكَدَراً، أو يكون سبباً في إحداثِ فِتْنة أكبر بين ابنته وزوجها. وهذا واضحٌ مِنْ فِعْل الصديق - رضي الله عنه -، وفعل الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، مع ابنتيهما عائشة وحفصة -رضي الله عنهما.
2 - وهذا الأمر الذي حَصَل مِنْ أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّما كان شيئاً فطرياً طبَعيا؛ إذْ إنّ مقتضى الطَّبيعة البشرية تُحب السّعة في النفقة، وتُحب التمتع بما أحلَّ الله -تعالى- مِنَ المُباحات، ولهذا فإنَّ الله -تعالى- قد أمَرَ بالنَّفقة على الزوجة بقَدْرِ قُدْرة الزّوج، فقال: {لينفق ذُو سعة من سعته ومَنْ قُدِر عليه رزقُه فلينفق مما آتاه الله لا يُكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا} (الطلاق: 7).
أي: لينفق الزَّوجُ ممّا وسَّع الله عليه على زَوجته، وعلى ولده، إذا كان الزوجُ ذا سَعَة في الرّزق، ومَنْ ضُيِّق عليه في الرّزق وهو الفقير، فليُنفق ممّا أعطاه الله من الرزق، لا يُكَلَّف الفقير مثل ما يُكَلَّف الغني، سيجعل الله بعد ضيقٍ وشدّة سَعَة وغنى.
قال ابن القيم -رحمه الله-: «.. وأنه لمْ يُقدّرها- يعني النّفقة - ولا وَرَد عنه ما يدلُّ على تقديرها، وإنّما ردَّ الأزواج فيها إلى العُرْف، وثَبَت عنه في صحيح مسلم: أنّه قال في خُطْبة حَجّة الوداع، بمحضرِ الجَمْع العظيم قبل وفاته ببضعة وثمانين يوماً: «واتقوا الله في النِّساء، فإنّكم أخذتُمُوهنَّ بأمانةِ الله، واسْتَحْللتم فُرُوجَهنّ بكلمَة الله، ولهنَّ عليكم رزْقهن وكسْوتهن بالمعروف»... وهذا الحُكم مِنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُطابقٌ لكتاب الله -عزوجل-؛ حيث يقول الله -تعالى-: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة: 233). (زاد المعاد (5/490).
3- من خصائص النّبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه أُمِرَ بتخيير نسائه بينَ الصَّبر على ضِيق العيش، وبينَ أنْ يُفارقهن، كما جاء ذلك في الآيات الكريمة، وهو منْ زُهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتَقلُّله مِن الدُّنيا. ومعنى هذه الخصوصية: انفراده - صلى الله عليه وسلم - بكون التَّخْيير واجباً عليه، تنفيذاً للآية الكريمة. وليست الخصوصية بانْفراده بهذا الأمر؛ إذْ لكلّ إنسانٍ أنْ يُخيّر زوجته إذا رَغب في ذلك.
- وقد ذكر الحافظ النووي -رحمه الله- جُملةً مِنْ فوائد الحديث، فقال:
4- فيه جواز احْتِجاب الإمام والقاضي ونحوهما في بعض الأوقات، لحاجاتهم المُهمّة، والغالب مِنْ عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يتّخذَ حَاجبا، فاتخاذه في ذلك اليوم ضرورة.
6- وفيه: وجُوب الاستئذان على الإنْسَان في منزله.
7- وفيه: أنّه لا فَرْق بين الخليل- أبي بكر- وغيره في احْتياج الاسْتئذان.
8- وفيه: تأديبُ الرّجل ولده وإنْ كَبُر فاسْتقلّ.
9- وفيه: ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - مِنَ التَّقلّل مِنَ الدُّنيا والزهادة فيها.
10- وفيه: جواز سَكن الغرفة لذات الزوج، واتخاذ الخزانة.
11- وفيه: ما كانوا عليه مِنْ حِرْصِهم على طلب العلم.
12- وفيه: أنَّ للزوج تَخْيير زوجته، واعتزاله عنها في بيت آخر.
13- وفيه: دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد، وجماهير العلماء: أنّ مَنْ خَيّرَ زوجته، واخْتَارته، لمْ يَكنْ ذلك طَلاقاً، ولا يَقَعُ به فُرْقة، وروى عن عليّ وزيد بن ثابت والحسن والليث: أنَّه يقعُ الطّلاق بنفس التَّخيير طلقة بائنة، سواءً اختارت زوجها أم لا! ولعلّ القائلين به، لمْ يَبْلغهم هذا الحديث اهـ.
لاتوجد تعليقات