صفات اليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية (9)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله وصحبه والتابعين:
ذكرنا فيما مضى شيئاً من صفات اليهود في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وها نحن أولاء نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأقوال سلف الأمة، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه:
كنا قد ذكرنا في الحلقة السابقة شيئاً من دعاوى اليهود الباطلة وأكاذيبهم:
ومن مزاعم اليهود الفاسدة: ادعاؤهم أن ذنوبهم مغفورة مهما فعلوا؟! ومهما ارتكبوا من موبقات، وانتهكوا من حرمات، وأكلوا من أموال محرمات؟!
وقد حكى القرآن الكريم قولهم الباطل هذا ورد عليه، قال سبحانه: «{فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} (الأعراف: 168).
فخلف بعد أولئك الذين قطعناهم في الأرض خلف سوء، ورثوا التوراة فقرؤوها وتعلموها وعرفوا ما فيها من حلال وحرام، ولكنهم لم يعملوا بأحكامها، بل استحلوا المحارم، وتهافتوا على حطام الدنيا، وأكلوا الأموال المحرمة بشراهة، من ربا ورشاوى، وقالوا: إنه سيغفر الله تعالى لنا ذنوبنا؟! ولا يؤاخذنا لأننا من نسل أنبيائه، فنحن شعبة المختار!!
ثم أخبر الله تعالى عن إصرارهم على ذنوبهم، وعدم توبتهم، فقال: {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} أي: هم مستمرون على ذلك.
فأنكر الله عليهم بقوله: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه»} أي: قد أخذ الله تعالى عليهم في التوراة، ألا يقولوا على الله إلا الحق والصدق، وألا يخالفوا أمره، ولا يتجاوزوا حدوده، ولاينقضوا عهده، لكنهم لم يعملوا بذلك، بل ضيعوه، واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون.
ومن مزاعم اليهود الفاسدة: قولهم: ليس علينا في الأميين سبيل!! أي: كل من كان من غير اليهود، فإنه مهدر الحقوق! لا حرمة لماله، ولا عتب ولا ملامة في أكل حقه وسلبه!
وقد حكى الله تعالى عنهم هذه المقالة الباطلة في قوله: {ومن أ هل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} (آل عمران: 75).
أي: من اليهود من فريقا إن تأتمنه على الأموال الكثيرة، يؤدها إليك عند طلبها منه كاملة غير منقوصة، ومنهم من إن تأمنه على القليل يأكلها، ولو كانت ديناراً، ويجحدها مستحلاً لها.
والسبب في ذلك: ادعاؤهم وافتراؤهم أنه ليس عليهم في الأميين - من العرب وغيرهم - سبيل، أي: ليس علينا إثم في عدم أداء أموالهم إليهم، وهذا يدل على أنهم رأوا أنفسهم في غاية العظمة، واحتقروا غيرهم غاية الاحتقار!! فلم يجعلوا لغيرهم من الأمم أي حرمة.
وكان هذا كذباً على الله تعالى واختلاقا، وافتراء على دينه وشرعه وكتابه، كما قال سبحانه: {ويقولون على الله الكذب وهم يعملون}، فجمعوا بين أكل الحرام، واعتقاد حله؟!
وما زعموه لا يؤيده شرع قويم، ولا عقل مستقيم!
ثم رد الله عليهم هذا الزعم الفاسد بقوله: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} أي: ليس الأمر كما يزعمون! بل عليكم الإثم والوزر، والله - عز وجل - حرم عليكم أكل الأموال إلا بحقها، ويحب من يوفي بجميع الحقوق، سواء كانت له تعالى أم لعبادة، وهو يحب المتقين من خلقه، من أي جنس وعرق ولون، وسواء كانوا منكم أم من الأميين.
وهذا ا لأمر جعلهم يحرفون التوراة لتوافق ما تهوى أنفسهم الأنانية، ففي التوراة تحريم الربا مطلقا وتقول: «لا تأخذ ربا من أخيك إذا أقرضته» فحرف اليهود هذا النص فزادوا كلمة: الإسرائيلي! فأصبح النص هكذا: «لا تأخذ ربا من أخيك الإسرائيلي إذا أقرضته»!! وبذلك أصبحوا يحرمون الربا عند تعاملهم مع بعضهم، ويحلونه عند تعاملهم مع غيرهم.
ولهذا تجد في الواقع المعاصر أن أكثر البنوك العالمية الربوية اليوم أصحابها من اليهود! الذين لا يبالون الناس، ولا بما يصيبهم جراء الربا.
وقد بين النبي[ أن الأمانة يجب أن تؤدي للبر والفاجر، فقال: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
أي: لا تقابل خيانته بالخيانة، فتكون مثله.
12- جدالهم الشديد وكثرة سؤالهم وتنطعهم في الدين:
فمن طبع اليهود الإكثار من الجدل والمماراة والمخاصمة، وعدم قبول الحق ابتداء، بل بعد لجاج ومحاججة وتشكيك، ولو كان ذلك مع الله تعالى وأنبيائه ورسله، وكثرة الأسئلة والتضييق على النفس.
فمن أمثلة ذلك:
قصة أمرهم بذبح البقرة، وقد وردت هذه القصة في سورة البقرة في قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة أتتخذنا هزوا!! قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي؟ قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون قال ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها..} (البقرة: 67-71).
فقد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يأمر قومه بذبح بقرة لما اختلفوا فيمن قتل القتيل ليضربوه ببعض أعضائها، لكنهم لم يستجيبوا بل قالوا له: أتتخذنا هزوا؟! وهذا يدل على سفههم، وسوء ظنهم بربهم - عز وجل - وبرسولهم الكريم.
ثم ظلوا يسألون نبيهم ويكررون السؤال، ويضيقون على أنفسهم ويتعنتون، فضيق الله عليهم، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة لكفتهم، كما قال ابن عباس وعبيدة ومجاهد غيرهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم، وظلوا يسألون عنها وعن أوصافها ولونها، حتى قالوا بعد كثرة سؤال: «الآن جئت بالحق!» هذا من جهلهم وكفرهم، فقد أتاهم بالحق من أول ما أمرهم بالأمر.
قال تعالى: «فذبحوها وما كادوا يفعلون» أي: كادوا ألا يفعلوا ما أمروا به، وفي هذا ذم لهم وتوبيخ على تباطئهم عن أمتثال الأمر من أول مرة.
< ومن ذلك: جدالهم في إبراهيم عليه السلام وملته، وهي في قوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون} (آل عمران:66).
فأنكر الله تعالى عليهم محاجتهم في إبراهيم عليه السلام، وأنه كان يهوديا؟! مع أن زمنه كان قبل موسى عليه السلام وقبل أن ينزل الله التوراة؟! وكذلك قبل أن ينزل الله الإنجيل، فلا يمكن نصرانيا كذلك.
فهذه المحاجة ظاهرة البطلان؛ لأنهم يجادلون فيما ليس لهم به علم.
ولهذا قال تعالى رداً عليهم ومنكر لقولهم: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، فأمرهم برد مالا علم لهم به إلى عالم الغيب والشهادة.
وبين لهم أن أولى الناس به هم اتباعه، ثم النبي[ والذين آمنوا من أصحابه من المهاجرين والأنصار، قال سبحانه: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين} (آل عمران: 69).
ومن ذلك: جدالهم في نبوة عيسى - عليه السلام - وجحدهم، فهم لا يعترفون بنبوته ورسالته؟! ولا يسلمون بذلك! بل يرون أنه جاء عن طريق الزنا - والعياذ بالله تعالى - ويتهمون أمه بذلك، كما سبق ذكره في فظائعهم وأقوالهم المنكرة على الرسل.
وأما الإسلام فيعترف لعيسى بالنبوة، وأنه من المرسلين، قال تعالى أمر لهم بالإيمان بالجمع: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} (البقرة: 136 - 137).
وقال - عز وجل - في خلق عيسى - عليه: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} (آل عمران: 59).
أما هم فقد أبوا ذلك، كما قال الله تعالى: {قال يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون} (المائدة: 59).
ومن ذلك جدالهم في قضية النسخ: وقد اشتد جدلهم في هذه القضية وآثاروا حولها الشغب والفتن، قاصدين الطعن في الإسلام، وبث الشكوك والارتياب في نفوس اتباعه.
ومن الآيات في هذا الأمر قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم بأن الله على كل شيء قدير} (البقرة: 106).
لقد استنكر اليهود أن يبدل الله تعالى آية بآية، أو حكما بحكم آخر، فالنبي[ لما هاجر إلى المدينة استقبل بيت المقدس تأليفاً لقلوب اليهود؛ لأن بيت المقدس قبلتهم، وفرحوا بذلك ولكنهم لما عموا وصموا وعاندوا وأبوا الدخول في الإسلام وزعموا أن الرسول[ وابتهل إلى الله أن يحول قبلته إلى قبلة أبيه إبراهيم - عليه السلام - فاستجاب الله لنبيه؛ فولاه القبلة التي يرضاها، وهي البيت الحرام؛ ف فرح النبي[ والمؤمنون بذلك.
أما اليهود ومن كان على شاكلتهم ممن في قلبه مرض، فقد استقبلوا ذلك بالاستهزاء والجحود وإثارة الشبه والتشكيك للمسلمين، فقالوا: إن كانت القبلة الأولى هي الحق، فقد تركتم الحق أيها المسلمون؟! وإن كانت القبلة السابقة باطلة، فقد كانت عبادتكم باطلة؟! فقال سبحانه رداً عليهم: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (البقرة:)
ثم بين الله تعالى الحكمة من تحويل القبلة، فقال: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} أي: ما فعلنا ذلك إلا اختبارا وامتحاناً للناس، لنعلم الصادق في اتباعه من المتذبذب في إيمانه {ليميز الله الخبيث من الطيب}، ثم قال تعالى: {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات} أي: لكل أهل ملة قبلة يتجهون إليها في عباداتهم، فسارعوا أنتم جهدكم إلى ما اختاره الله لكم.
لاتوجد تعليقات