كيف تكتب بحثاً علمياً متميزاً؟
أصبح منهج البحث العلمي والتمرس على تقنياته علمًا قائمًا بذاته، وقد أُلِّف في هذا الفن العشرات من الكتب والرسائل والأبحاث، وقد أصبح الهدف من تدريس هذه المادة لطلاب المراحل الجامعية هو إعداد الطلاب إعدادًا تربويًُا علميًا يؤهلهم ليصبحوا أساتذة وباحثين منهجيين، وتوجيههم التوجيه الصحيح ليتفرغوا للبحوث والدراسات العلمية الأكاديمية، وتخريج باحثين أكاديميين يمتلكون الوسائل العلمية لإثراء المعرفة الإنسانية، بما يقدمونه من مشاركات جادة في مجالات تخصصهم، ويتحلون بالأخلاق السامية التي هي عدة الباحث في هذا الميدان؛ لذلك نحاول في هذه الحلقات تقديم تصور كامل عن هذا العلم حتى يستفيد منه الجميع:
تعريف البحث العلمي
البحث العلمي هو محاولة ناقدة تحاول الوصول لحلّ مشكلة إنسانيّة معيّنة، وعرفه بعضهم على أنه تفسير لحقيقة ما باستخدام عباراتٍ واقعيّة تطبّق بقوانين عامّة توجد في المجتمع، وهو مجموعة من الخطوات المنتظمة والمدروسة، تبنى على معلومات تجمع حول مشكلة معيّنة، خضعت للفحص والتّدقيق، لحلّ تلك المشكلة، ومن أدق التعاريف في هذا الشأن أن البحث العلمي هو فكر منظّم يقوم به شخص يدعى (الباحث)؛ للوصول إلى الحقائق لحلّ قضيّة تسمّى (موضوع البحث)؛ إذ يتّبع طريقة علميّة تسمّى (منهج البحث)؛ ليصل إلى حلول تسمّى (نتائج البحث).
أهداف البحث العلمي
من أهم أهداف البحث العلمي: الوصف، التّفسير، التنبّؤ، حلّ المشكلات، استخلاص حقائق جديدة، تطوير المعرفة الإنسانيّة، وأخيرًا مواجهة متطلّبات البيئة المحيطة بالإنسان.
أساسيّات البحث العلمي
كما ينطلق البحث العلمي من أسس عدة لا ينفك عنها من أهمها: الأمانة العلميّة والتّوثيق العلمي، الأصالة والابتكار، عرض المشكلة، صياغة الفرضيّات، شمول ودقّة عرض الدّراسات السّابقة، سلامة حجم العيّنة والبيانات، عمق التّحليل، سلامة النّتائج والتّوصيات، دقّة اللغة واستيفاء الجوانب الشكليّة، حداثة المراجع وارتباطها بالبحث.
خطوات البحث العلمي
تتعدد الأبحاث التي نقرؤها، وتتفاوت مستوياتها، ومعظمها يندرج تحت مسمى البحث العلمي رغم فقدانها لكثير من شروط البحث العلمي الصحيح، وتكمن خطورة البحث العلمي في أنّه قد يتم الاعتماد عليه في بناء حقائق معينة أو فرضيات أو أبحاث أخرى تكملها.
لكن إن كان هناك خلل في عنصر من عناصر البحث، أو عدم استيفائه شروط البحث العلمي الصحيح فسيكون عبارة عن مجموعة معلومات مرصوصة في ورق، تفي غرضها بوصفها بحثاً جامعياً أو بحثاً مدرسياً أو مؤسساتياً فقط؛ لذلك يجب أن نعرف ما الخطوات الصحيحة لكتابة البحث العلمي؟:-
1- اختيار مشكلة البحث:-
وهي مجموعة تساؤلات يطرحها الباحث حول فكرة معينة يمحورها لتكون عنوان البحث، وتتعدد التساؤلات التي يجب أن تكون لها إجابة واضحة خلال هذا البحث؛ فمثلًا التساؤل عن مدى تأثير التكنولوجيا على المستوى التعليمي للأطفال فهذا التساؤل يجعلنا نربط الوسائل التكنولوجية بالعلمية التعليمة، وعمل اختبارات لمدى تأثيرها على تعليم الأطفال.
ويتم الحصول على مشكلة البحث إمّا من الخبرة العملية في مجال معين ويود الباحث أن يرى علاقة شيء بآخر وتأثيره، أم كأبحاث الجامعات يُكلف بها الطلاب من قبل أساتذتهم، أم قد يكون من الاحتكاك في البيئة المحيطة الذي يجعل هذه التساؤلات تقفز لأعلى وتحتاج لبحث. ويجب أن تكون المشكلة جديدة نوعًا ما أو تضيف شيئاً لم يكن سابقًا، حتّى لا يكون في مجمل التكرار إنمّا يضيف شيئاً للمعرفة، وأن يؤمن الباحث بفكرته ومشكلة البحث، وأن يسعى لتوفير البيانات اللازمة؛ لأنّه إذا لم تتوفر البيانات فسيفقد البحث مصداقيته.
2- القراءات الاستطلاعية:-
أو ما يسمى بجدوى البحث فعلى الباحث أن يبحث عن جدوى بحثه، هل سيضيف البحث شيئاً للعلم، وهل هذا البحث مُجدٍ أصلًا؟ وهل الفكرة تستحق بحثًا علميًا؟.
3- صياغة الفرضية:-
وضع كل الفرضيات التي يطرحها البحث أو المشكلة، والفرضية هي تخمين أو استنتاج يعتمد على طرفين، الطرف الأول هو المتغير المستقل، والطرف الثاني هو المتغير التابع؛ ففي مشكلة البحث عن تأثير التكنولوجيا في تعليم الأطفال فالمتغير المستقل هنا هو تأثير التكنولوجيا، بينما المتغير التابع هو تعليم الأطفال؛ فيتم دراسة الفرضيات حول هذا التأثير من كل الجوانب، وتوضيح كل فرضية على وجه خاص.
4- خطوات تصميم خطة البحث :-
إن من أهم ما يميز البحث العلمي، ويجعل المختصين قادرين على تحديد مستواه، هو الخطوات المتبعة في عمل هذا البحث، فكثير من الباحثين الذين يمتلكون الهيمنة والتمكن الكامل في مواضيعهم المختارة لدراستها، ولكن قد يخطئون في اتباع الخطوات الصحيحة المتبعة في عمل بحث علمي، فينتج عن ذلك أبحاث مهلهلة لا لجهل الباحث بموضوعه، ولكن لجهله في الطريقة الصحيحة المتبعة لإنجازه، ونظرا لاتساع هذا المجال، الذي يدرس بوصفه اتجاها خاصاً في الجامعات المختلفة تحت مسمى مناهج البحث العلمي؛ سوف نذكر الخطوات الأساسية المتبعة لإتمام بحث علمي يلامس المستوى المطلوب، وباتباع هذه الخطوات سوف تخرج ببحث علمي جيد.
1- عنوان البحث:- ويجب أن يكون موجزًا ومحددًا للفكرة، فلا يجوز أن يكون عنوان البحث مثال: (تأثير التكنولوجيا على التعليم) يجب أن تكون هناك فئةً محددةً وفترةً محددةً، ويظهر ذلك في العنوان، فيصبح ( تأثير التكنولوجيا على تعليم الأطفال في فلسطين في الفترة بين 1مارس 2014 إلى 10 أغسطس من العام نفسه)؛ فهذا التحديد مهم لمعرفة حيثيات الفترة التي أجريت فيها الدراسة.
2- مقدمة البحث :- تشرح المقدمة المختصرة للبحث ما سوف يتم دراسته ضمن هذا البحث؛ حيث يتم بدؤها بالأمور العامة، التي تتقلص لتصبح أكثر خصوصية، حتى تصل في النهاية وتوضح المشكلة الحقيقية التي يتناولها الباحث من خلال بحثه، ومن ثم في نهاية هذه المقدمة يتم الشكر والثناء على كل من ساهم في إنجاح هذا البحث، وفي الغالب يتم إنجاز المقدمة بعد الانتهاء من البحث.
3- مشكلة البحث:- صياغة المشكلة الخاصة بالبحث بطريقة مفهومة واضحة، تبين أهمية تناولها ومن الأفضل أن تتم على شكل تساؤلات توضح ماهية المشكلة.
4- أسئلة الدراسة :- يجب أن ترتبط أسئلة الدراسة ارتباطا وثيقا بمشكلة البحث، ومن أفضل الطرائق أن تصاغ مشكلة البحث بطريقة سؤال رئيس، تتفرع عنه أسئلة الدراسة المتبقية التي تتناول الجوانب المختلفة، التي تناقش المشكلات المتعلقة بالمشكلات الرئيسة.
5- أهداف الدراسة :- تجيب أهداف الدراسة عن الاسئلة التي يطرحها الباحث في الأغلب على نفسه لماذا تحدث هذه الدراسة؟ وتوضح جليّاً ما يريد الباحث الوصول إليه من خلال دراسته.
6- أهمية الدراسة :- باختصار شديد هو ما تضيفه هذه الدراسة للمجال الذي تم استهدافه .
7- فرضيات الدراسة :- الحلول التي يفرضها الباحث بنفسه لحل مشكلة البحث يتم نفيها أو إثباتها بعد ذلك في النتائج والتوصيات .
8- اختيار العينة :- يجب على الباحث اختيار العينة المناسبة لبحثه، ويتم أيضا تحديد حجم العينة المستهدفة .
9- خطة البحث:- تحتوي على البحوث السابقة لموضوع بحثه، أو دراسات سابقة لموضوعات مشابهة لموضوع بحثه.
10- جمع المعلومات:- يتم جمع المعلومات ومن ثم البدء بتحليلها وغالبا ما يتم ذلك عن طريق التحليل الإحصائي؛ حيث يتم عمل ذلك لاستنباط النتائج.
11- وضع مقترحات وتوصيات:- بناء على النتائج الصادرة، ومقارنتها مع التوصيات والنتائح لأبحاث أخرى في المجال نفسه.
12- قائمة المصادر:- يتم توضيح قائمة المصادر (المراجع المستخدمة في البحث) التي تراعي توثيق معلومات المصدربكتابة المؤلف، العنوان، الطبعة، بيانات النشر، الجزء؛ وذلك تحت الترتيب الهجائي، وبهذا نكون قد أحصينا خطوات البحث العلمي كاملاً . وللحديث بقية إن شاء الله.
لاتوجد تعليقات