آن لنــــا أن نجــــرب هــــذا الحـــــــل
مردُّ كثير من المصائب والمحن والابتلاءات التي يعانيها مجتمعنا يعود في حقيقته إلى الفساد العقدي، الذي ينخر في عظام المجتمع، ويتخلل مستوياته وشرائحه كافة، والذي يتفرع منه الفساد الأخلاقي بمختلف أنواعه.
أذكر أنني التقيت بأحد أتباع الطرق الصوفية، فسألته - ونحن نتجاذب أطراف الحديث ليصحح لي المعلومة إن كنت مخطئاً - عن طوافهم بقبر شيخهم. فقال لي: نعم نحن نطوف بقبر الشيخ ونتمسح به.
فقلت له: وتدعونه أيضاً؟! فقال في هدوء: نعم نطوف بقبره وندعوه أيضاً.
قلت في استغراب: أليس هذاً شركاً أكبر؟!
فأجابني بكل بساطة: لا، هؤلاء المشايخ واسطة بيننا وبين الله عز وجل.
قلت له: الدعاء والطواف عبادتان، ولا يجب صرفهما لغير الله عز وجل، ثم ما الفرق بينكم وبين من ذمهم القرآن الكريم في قوله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (الزمر: 3)، وقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (يونس: 18).
ثم انتهى الحديث بدخولنا إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، فقلت حينها في نفسي: حق لنا أن نُبتلى بشتى المصائب والأزمات من حرب لم تتوقف منذ أكثر من نصف قرن، فما إن نطفئها في جبهة من الجبهات، حتى تعود لتندلع في جبهة أخرى، ومن عوز مدقع جعل أغلب أهل بلادنا تحت خط الفقر، علاوة على البطالة، وارتفاع الأسعار، وجور الحكام، والأمراض، وغير ذلك من المصائب التي كانت حصاد ما كسبت أيدينا؛ ابتداءً من الشرك بالله، ومروراً بسائر المعاصي من قتل النفس التي حرم الله، والزنا، والربا، ونقص المكيال، والكذب، والغش، والتبرج والسفور، وغيرها مما لا يعد ولا يحصى، وهذا مصداق قول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى: 30)، ومصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم : «خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن:لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، ومالم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم».
جرب الكثيرون الحل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي، إلخ، ولكن بقي حل لم نجربه بعد: الحل العقدي، تصحيح العقيدة التي تصح بها سائر العبادات، بتوحيد الله عز وجل وإفراده بالعبودية، هذا الحل الوحيد الذي تحل به مشكلاتنا في السودان وسائر الدول الإسلامية، إصلاح الفساد العقدي ثم إصلاح الفساد الأخلاقي؛ لتكون النتيجة الفلاح والفوز بخيري الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور: 55).
لاتوجد تعليقات