الصومال وأزمة غياب الدور العربي
غابت المواقف الجادة والحاسمة من العرب لإنقاذ معضلة الصومال التي تحولت من مشكلة محلية إلى إقليمية
انحسار النشاط الإنساني لكثير من الدول العربية تطور إلى تراجع الدول العربية التي لم تحرك ساكناً
لقد تردد الحديث عن غياب الدور العربي السياسي والاقتصادي والاستثماري للصومال كثيراً في وسائل الإعلام العربية ولاسيما القنوات والفضائيات العربية، على الرغم من الجهود العربية التي بذلت في أكثر من مرة لاحتواء الأزمةالصومالية في التسعينيات من القرن الماضي، لكن الجهود العربية هذه لم تستمر طويلاً حتى بات الصومال وحده يواجه صراع الهوية والتاريخ في محيط أفريقي ملتهب بالصراعات الأهلية والسياسية.
ومع بداية الألفية الجديدة تعمقت الأزمة الصومالية، وتحولت بوصلتها من الاقتتال الداخلي إلى حرب مفتوحة بين أطراف داخلية وأخرى خارجية، وهو ماتمثل في الحرب بالوكالة بين أمراء الحرب في الصومال والمحاكم الإسلامية، حتى انتهت تلك الصراعات بمواجهة عسكرية مع القوات الإثيوبية التي توغلت في العاصمةالصومالية مقديشو عام 2006.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أسباب غياب الدور العربي للصومال، وما موقف العرب تجاه إعادة إعمار الصومال بعد فترة الحرب الأهلية وابتداء من 2015.
الحديقة الخلفية
بنظر الكثير من المحللين والمراقبين فإن الصومال تعد الحديقة الخلفية للدول العربية التي لم تعط اهتماماً بالغا للتدخل في حل أزمتها؛ إذ كان للجامعة العربية أدواراً كثيرة، وكان بإمكانها التمسك بها، للتوسط بين الفرقاء في الصومال، بدلاً من تسليم الملف الصومالي لدول الجوار والاتحاد الأفريقي.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في الصومال عام 91 من القرن الماضي، لم تحظ الصومال بأي اهتمام يذكر بأزمتها، كما لم يرزها أي رئيس من الجامعة العربية ولأكثر من عقدين من الزمن، كما أنها لم تعقد قمة طارئة لحل الأزمة الصومالية، وكان هذا جانباً يمثل مظاهر غياب الدور العربي.
ومع الاهتمام الدولي بالمنطقة ولاسيما الصومال وجيبوتي فإن الاهتمام العربي مازال غائباً على حساب تمدد القوى الخارجية من الولايات المتحدة الأميريكية وفرنسا واليابان، أضف إلى ذلك الصين التي أبرمت اتفاقية مع جيبوتي لبناء أسطول صيني قبالة باب المندب لحماية مصالحها الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية من أبواب العرب التاريخية قديماً وحديثاً.
الغياب وأسبابه
تتمثل أسباب غياب الدور الفعلي والمحوري للعرب في الصومال في النقاط الآتية:
1- غياب الرؤية الاستراتيجية العربية
يرى العديد من المحللين أن من أسباب غياب الدورالعربي الذي كان من المفروض أن يساهم إخماد الصراع الصومالي/الصومالي في بداياته إلى غياب رؤية عربية مشتركة لحل الأزمة الصومالية، فبينما كانت تقف مصر ليل نهار لعقد اجتماعات طارئة هنا وهناك، كانت دول عربية أخرى تقف على النقيض الأخر مثل اليمن التي كانت تنحاز لطرف صومالي على حساب طرف آخر.
وعلى هذا الأساس غابت المواقف الجادة والحاسمة من العرب لإنقاذ معضلة الصومال التي تحولت من مشكلة محلية إلى إقليمية تتخذ منعطفات سياسية وعسكرية حيناً بعد الآخر، حتى أصبحت اليوم (بعبع) العرب، ونموذج فشل دولة عربية مخيفة تركت للعبث الأجنبي.
وقبل إيجاد رؤية عربية مشتركة لدعم الصومال حالياً يتساءل العديد من المحللين: هل هناك كتلة عربية أو وحدة عربية تتسم بالإيديولوجية الاقتصادية المشتركة والدفاع الموحد لحماية المصالح الاستراتيجية والسياسية والأمنية والاقتصادية، تبدو الإجابة غير حاضرة في الأذهان، ولافي الواقع والخيال أيضاً.
2- الضغوط الدولية لمحاربة الإرهاب
عقب أحداث 2001 سبتمر التي غيرت مسارات السياسة الدولية ولاسيما العربية، وبروز مصطلح (الإرهاب) وتصدره في الإعلام الدولي والعربي، والغزو الأميريكي للعراق عام 2003، وإدراج شركات صومالية ومليشيات إسلامية في قائمة الإرهاب؛ تراجع الدور العربي سياسياً وإنسانياً، فأغلقت الكثيرمن أبواب الخير ولاسيما الهيئات الإنسانية فبقي في الساحة دور هيئات قليلة كانت هي الأخرى تتحاشى العمل بجد خشية عواقب ضمها إلى قائمة الإرهاب أو إغلاق مكاتبها في المنطقة.
كما أن انحسار النشاط الإنساني لكثير من الدول العربية تطور إلى تراجع ومواقف الدول العربية لم تحرك ساكناً وحتى لم تعقد قمة طارئة بشأن التدخلات الخارجية السياسية والعسكرية ولاسيما من دول الجوار، فلم يتبن موقفا تجاه إرسال بعثات عسكرية أفريقية إلى الصومال في ظل وجود إمكانيات عربية لتعزيز مكانتها في الصومال سياسياً وعسكرياً.
3- الأطراف الصومالية وعدم الفاعلية
من بين جملة الأسباب وراء غياب الدور العربي عدم فاعلية الأطراف الصومالية وطرح قضيتهم في المجالس والقمم العربية والمحافل الدولية لفهم أعمق لأزمتهم، كما أن غياب الدور الإعلامي للعرب أدى إلى غياب فعلي عربي في الأزمة الصومالية.
الصومال للعرب..هل من وقفة جدية؟
بعد انتهاء السنوات العجاف التي مرت بها البلاد، تبدو حالياً أنها تخطو نحو بناء دولة صومالية جديدة، يعقد عليها الكثير من الصوماليين آمالهم العريضة، فمع تراجع قوة حركة الشباب الصومالية أمام انتشار القوات الصومالية وعودة الكثير من المدن تحت إمرة الحكومة الصومالية، يلوح في الأفق بصيص أمل مكن الكثير من الصوماليين المغتربين من العودة إلى بلادهم والاستثمار فيه.
وإلى جانب الاهتمام الدولي والأفريقي للصومال حالياً يبرز الدور التركي الذي بات أكثر اهتماماً بالشأن الصومالي أكثر من أي دولة أخرى؛ إذ أعاد الكثير من الشوارع إلى سابق عهدها كما رممت الهيئات التركية الكثير من المرافق الحكومية مثل المستشفيات والسجون والميناء.
كما أن الاهتمام الغربي مازال مستمرا من أجل سلخ الصومال من هويته الإسلامية والعربية ومحيطه الجغرافي، والإمساك بمقدراته الأمنية والسياسية والاقتصادية، وذلك في مقابل دور ضئيل للعرب، الذي يتمحورفي المجالات الإنسانية عبرالهيئات الإنسانية الكويتية والإماراتية والبحرينية.
وأخيراً، فإن الصومال اليوم بحاجة إلى وقفة عربية جادة لدعم الصومال والمساهمة في إعادة إعماره وبناء دولة صومالية جديدة، فهل من وقفة عربية يمكن الاعتماد عليها في الصومال؟
لاتوجد تعليقات