حسين بن عبد العزيز آل الشيخ: موقف المسلم من الأحداث الجارية
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (موقف المسلم من الأحداث الجارية)، والتي تحدَّث فيها عن أحوال المسلمين في كثيرٍ من البلاد، وأنها تبعث على الأسى والحزن، وما أسبابُ ذلك، ثم تطرَّق إلى ذكر العلاج في عدَّة نقاط، مُنبِّهًا إلى أن المسلمين إذا أخذوا به نجَوا من ويلات الفتن والمِحن، وكان مما جاء في خطبته:
أحوالُ المُسلمين في كثيرٍ من المواطِن تبعثُ على الأسَى والحُزن، خاصةً مع ظهور الفتن العَمياء، ومِحنٍ شتَّاء، جرَّت على المُسلمين الدمارَ والخرابَ والفساد في الدين والأنفُس والأعراض والأموال والديار، ولا نقولُ إلا: لا حولَ ولا قوة إلا بالله العظيم، والله المُستعان وعليه التُّكلان، نسألُه أن يرفع عنَّا وعن المُسلمين.
أسباب المحن والنكبات
ألا وإن السببَ الأعظمَ لما حلَّ من نكباتٍ وأزمات، وما أصابَ من مِحنٍ ومُصيبات: هو البُعدُ عن المنهج الإلهي، والبُعد عن الطريق النبوي، في شتَّى مجالات حياتنا، ألم يقُل ربُّنا - جل وعلا - قولاً يفهمُه كل أحدٍ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى: 30)؟!، ألم يُخبرنا ربُّنا - جل وعلا - بقوله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم: 41)؟!
لقد أخبرنا نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - بهذا المعنى، فقال: «وما لم تعمل أئمتُهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعلَ الله بأسهم بينهم»، فالسيئاتُ بمُختلف أنواعها سببٌ لزوال النعم الحاضِرة، ولقطع النعم الواصِلة.
قال عليٌّ - رضي الله عنه - يُخبرُنا عن مِشكاة النبوة: «ما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، وما رُفع إلا بتوبة»، وقال ابن القيم وهو يستقرِئُ هذا المعنى، قال: «وهذا يزيدُ في القرآن على ألف موضِع».
ولهذا - أيها المسلمون - ما ترادفَت بنا الفتن الدامِية الفاتِكة بنا وبأمتنا إلا بسبب اشتِهار المُخالفة لمنهج الوحيَين، والمُعارَضة لشريعة إله الأولين والآخرين، وجاء في «مسند الإمام أحمد»: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا ظهرَت المعاصِي في أمَّتي عمَّهم الله بعقابٍ من عنده».
سبيل السلامة من الشرور
إذا تقرَّرت هذه الحقيقةُ الغائبةُ عن كثيرٍ من النفوس البعيدة عن منهاج القرآن والسنة، خاصةً في القرون المُتأخرة لهذه الأمة، فلنعلَم أن ثمَّة أصولٍ كُبرى، وأركانٍ عُظمى، متى أحكمَها المُسلمون بصدقٍ، وعمِلوا بها بإخلاصٍ، وحرِصُوا على تحقيقها بإتقانٍ سلِموا من الشُّرور، ونجَوا من ويلات المِحَن وقوارِع الفتن، وإلا فلا تسأل عما هو أعظم!
إحداثُ التوبة الصادقة
الأصلُ الأولُ من هذه الأصول: إحداثُ التوبة الصادقة إلى الله - جل وعلا -، من شعوبنا، ومن حُكَّامنا، ومن إعلامنا، ومن مُثقَّفينا، ومن علمائِنا، بالرجوع إلى صراط الله - جل وعلا - والتِزام شرعه، والامتِثال لأمره وأمر رسولِه - صلى الله عليه وسلم -. فبذلك وحدَه يتحقَّقُ الصلاح، وتُعمرُ الحياةُ على خير وجهٍ، وتندفعُ عن العباد الشُّرور والويلاتُ والمصائِبُ والأزمات.
فالفلاحُ مُعلَّقٌ بالتوبة، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31)، ويقول - جل وعلا - عن نبيِّه هود: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} (هود: 52).
فالخيرُ بكل أنواعه مما ننشُدُه في هذه الحياة مُعلَّقٌ على التوبة الدائِمة إلى الله - جل وعلا -، والإصلاح بكافَّة أشكاله مُرتبطٌ بهذه الحقيقة، قال - جل وعلا -: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} (التوبة: 74).
اسمعوا معي إلى هذا النداء الإلهي: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ{، إنها تحكي حقيقتنا اليوم.
التوبةُ إلى الله بإصلاح ما فسَد من ترك الواجِبات، وفعلِ المحظُورات سببٌ لرفع البلاء، ودفع اللأواء، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال: 33).
بل إن التوبةَ سببٌ لنزول الخيرات المُتنوِّعة المُتدفِّقة، وحصول المسرَّات العظيمة، {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} (هود: 3)، ويقول - جل وعلا - عن نوحٍ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (نوح: 10- 12).
الإكثارُ من الطاعات
- الأصلُ الثاني: الإكثارُ من الطاعات، والتضرُّعُ إلى الله - جل وعلا - بسائر القُرُبات، فبذلك تندفعُ النِّقم، وتُجلَبُ النِّعم، يقول - جل وعلا -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 2، 3).
قال ابن القيم - رحمه الله -: «فالمُحسنُ المُتصدِّقُ يستخدمُ جندًا وعسكرًا يُقاتلون عنه وهو نائِمٌ على فراشه، فمن لم يكُن له جُندٌ ولا عسكرٌ وله عدوٌّ، فإنه يُوشِكُ أن يظفرَ به عدوُّه، وإن تأخَّرَت مدةُ الظفَر، والله المُستعان».
وهذا ما تحقَّق في بعض مواضِع بُلدان المُسلمين اليوم.
أهلُ الإيمان العامِلون بطاعة الله، المُنزجِرون عن نواهِيه يجب أن يعلَموا أن لهم من الله عنايةٌ خاصَّة، وكفايةٌ تامَّة، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج: 38).
لو أن الأمة من الحُكَّام والمحكُومين قرؤوا هذه الآية بتمعُّنٍ ودراسةٍ وتمحيصٍ وتحقيقٍ لها في أرض الواقع، لما كانوا في مقام الذلِّ والهوان.
الاعتصام بالوحيين
- الأصلُ الثالث: أنه حينما تُخيِّمُ على الأمة ظُلَلُ الفتن، وتتقاذَفُ سفينتَها أمواجُ المِحَن، تعظُمُ حاجتُها إلى ترسُّم طريق النجاة، لتصِلَ إلى برِّ الأمان وشاطِئ السلامة، ولن تجِد لذلك سبيلاً مهما حاولَت، ما لم تُعالِج مشاكلَها وأدواءَها بنور القُرآن العظيم وسُنَّة النبي الكريم - عليه أفضلُ الصلاة والتسليم -.
وإذا كانت المآسِي والمصائِب تلفَحُ وجهَ الأمة في كل وادٍ، فليس أرجَى ولا أنجَى من تلمُّس الحلُول في الوحيَين، يقول - جل وعلا -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103).
{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} (الأنبياء: 10)، من المعاني الصحيحة لهذه الآية: أنها تعني: أي: فيه عزُّكم، وفيه شرفُكم ومجدُكم وسُؤدَدُكم ورفعتُكم.
أخرج مالكٌ في «موطئه» عن النبي المعصُوم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «تركتُ فيكم أمرَين لن تضلُّوا ما تمسَّكتُم بهما: كتابَ الله وسُنَّتي».
فالاعتِصامُ بالوحيَين عند الفتن، والتمسُّك بهما عند التنازُع والاختلاف، والتحاكُم إليهما في كل فُرقةٍ ونزاعٍ وخِصامٍ هو السبيلُ الأوحَدُ للمُسلمين، لدفع شُرور الانحِرافات المُتنوِّعة، والاضطرابات المُختلفة، والفوضَى المُنتشِرة في عالَم المُسلمين اليوم، وإن حادُوا عن ذلك فلن يجِدوا إلا الخيبةَ والدمار.
- الأصلُ الرابع: الأمنُ مطلبُ كل أمةٍ، وغايةُ كل دولة، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبحَ منك آمنًا في سِربه، مُعافًى في جسده، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حيزَت له الدنيا بحذافيرها»؛ رواه الترمذي وابن ماجه بسندٍ حسن.
ألا وإن الأمنَ بكافَّة صوره، ومُختلف أشكاله عمادُه تحقيق الإيمان الصادق بالله - جل وعلا -، عقيدةً صحيحةً، وقولاً مُستقيمًا، وسُلوكًا يُوافقُ القرآنَ والسنَّة.
الأمنُ رُكنُه الأساس فعلُ الأوامر القرآنية، والحرصُ على تنفيذ التوجيهات النبوية، والعمل بالشريعة الإسلامية في كل شأنٍ من شُؤون هذه الحياة، صغيرِها وكبيرِها، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82)، وقصرُها على نوعٍ من الأمن قصرٌ يبعُد عن مقاصِد كتاب الله - جل وعلا -.
ومتى حادَت بلادٌ عن شرع الله، واتَّبعَت أهواءَها، وقادَتها شهواتُها، فقدَت الأمنَ المنشُود، وحلَّ بها الخوفُ والقلقُ والهلَعُ من كل جانبٍ ومن كل وادٍ، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل: 112).
الأصلُ الخامس: إن أهم عوامل القوة في الأمة التعاوُن على البرِّ والتقوى، والاتحاد على الخير والهُدى، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103).
إن من أعظم المصائِب التي ابتُلِيَت بها الأمةُ الإسلامية، وفتكَت في سواعِد قواها، وأطاحَت برايات مجدِها: الاختلاف والتفرُّق والاعتِصامَ والخِصامَ والتنازُع الذي خلَّفه الاستخرابُ الماضِي في القرون السالِفة، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46).
ويقول - صلى الله عليه وسلم-: «لا تباغَضُوا، ولا تحاسَدوا، ولا تدابَروا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، لا يحلُّ لمُسلم أن يهجُر أخاه فوق ثلاث»، فكيف بالمُسلمين اليوم وهم يتنازَعون ويتخاصَمون ويتفرَّقون على دُنيا فانية، ويضرِبُ بعضُهم رِقابَ بعضٍ من أجل ذلك، والعياذُ بالله.
استمِعوا إلى قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حينما قال: «أيها الناس! عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرقة»، قالَها ثلاثًا، إنها أصولٌ عظيمةٌ، ومبادِئُ كُبرى، لم يسبِق لها نظيرٌ وليس لها مثيل.
واقِعُ التأريخ أكبرُ شاهدٍ على أن الفُرقة هلاكٌ، وأن التشرذُم دمارٌ وخراب، فعلى المُسلمين أن يتَّقوا الله في دينهم، أن يتَّقوا الله في أنفسهم، أن يتَّقوا الله في بُلدانهم، وألا يتفرَّقوا وبينهم كتابُ الله حكَمًا ومنهجًا، وسُنَّةُ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - نِبراسًا وهُدًى، وسيرةُ خلفائِه الراشِدين قُدوةً ومثالاً صالحًا، أما حينما يتفرَّقون، حينما يتنازَعون، حينما يتخاصَمون يكونون لُقمةً سائغةً للأعداء وللشيطان.
فهل يا تُرى يقِفُ المُسلمون وقفةً صادقةً مع أنفُسهم، ويُحاسِبوها لا على سبيل الحُكَّام، ولا على سبيل المحكُومين، وأن يعلَموا أن ما أصابَهم لا بُدَّ أن يقودَهم إلى رُشدهم، وأن يجتمِعوا تحت رايةٍ واحدةٍ دستورُهم الوحيان، حكمُهم شريعةُ الرحمن، نسألُ اللهَ ذلك عاجلاً غير آجل، إنه سميعُ الدعاء.
لزوم المسالك الشرعية
آخرُ هذه الأصول: أن يلزمَ الناسُ عند ظهور الفتنِ المسالِكَ الشرعية، والتوجيهات القرآنية، والسيرةَ النبوية، وفقَ قوله - جل وعلا -: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء: 83).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عبادةٌ في الهَرْج كهِجرةٍ إليَّ».
فعلى المُسلمين أن يعلموا أن شأنَ اللسان والقلم خطيرٌ في تأجيج الفتن، وإسعار نارها، فزمنُ الفتنة مظنَّةٌ للزَّلل والخطأ، {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور: 15).
إن العلماءَ والساسةَ والمُثقَّفين والإعلاميين لواجبٌ عليهم في هذا الزمن التثبُّت، يجبُ عليهم أن يتثبَّتوا في تصرُّفاتهم وقت الفتن، وألا يُقدِموا على ما يُؤجِّجُ الفتنةَ ويزيدُ في استِعارها.
ومن تابعَ الفتنَ الماضيةَ في أرض المُسلمين علِمَ صدقَ ما أخبرَ به النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستيقنَ بذلك قلبُه، في حديثٍ ضعَّفه بعضُ أهل العلم، وأشارَ بعضُهم إلى تحسينِه، ولكن معناه تشهَدُ له الأصولُ الشرعية، والنصوصُ الخاصةُ والعامَّة.
ألا وهو الحديثُ المرفوع: «ستكونُ فتنةٌ عمياءُ صمَّاء بكماءُ، من استشرفَ لها أشرفَت له، وإشرافُ اللسان فيها كوَقع السيف».
وما وقعَت فتنٌ عبرَ التأريخ إلا وأصلُ مبدئِها من اللسان ومن القلم. لهذا قال ابن عباسٍ - رضي الله عنه - وهو يتحدَّثُ عن الفتن: «إنما الفتنةُ باللسان، وليست الفتنةُ باليد»، ويشهَدُ لذلك ما رآه المُسلمون في فتن هذا الزمن، التي عظُم شرُّها، واستطارَ ضررُها، والله المُستعان.
وإن علينا جميعًا - أمة المسلمين - علينا تجاه ديننا وتجاه نبيِّنا: أن نُظهِر للعالَم عظمةَ الإسلام، أن نُظهِر للعالَم أن الإسلام دينُ رحمة والإحسان والعدل والقِسط والرِّفق واللِّين والاجتماع والاتحاد، وأن يرى العالَمُ أن الإسلام يصنعُ أعظمَ المُجتمعات حضارةً ورُقيًّا، ينعمُ بالرفاهية والرخاء والسعادة والأمن والأمان والمحبَّة والتعاوُن وسائر المعاني العظيمة الجليلة التي يسعى إليها كلُّ مخلوق، فذلك واجبٌ مما أوجبَه الله علينا تجاهَ ديننا.
لاتوجد تعليقات