المسجد الأقصى بين التقسيم والولاية اليهودية
مشروع التقسيم تناغم مع مخططات الجماعات اليهودية الرامية لهدم المسجد الأقصى، وتأكيد بأن الحكومة المحتلة تعمل على التهويد
القدس تعيش معاناة حقيقية وتواطؤاً دولياً وعالمياً لم يشهد له مثيل، والسكوت عن تلك الممارسات بسبب انشغال الشعوب العربية بالخريف العربي لا مسوغ له
أضحت الاقتحامات اليومية، والممارسات التلمودية أمراً واقعاً في ساحات المسجد الأقصى، وأعطت التصريحات الرسمية من قادة اليهود كوزير الداخلية وسلطة بلدية القدس وأعضاء البرلمان، الضوء الأخضر للجماعات اليهودية العاملة على إحكام السيطرة على المسجد الأقصى بساحاته ومنشآته، مستغلين الفرصة الذهبية التي وفرها الصمت العربي والإسلامي والدولي التام.
فبعد أن كان مشروع تقسيم المسجد الأقصى طموحات وتصريحات، أضحى الآن ممارسات فعلية، يستهدف التعجيل في نزع الهوية والسيادة الإسلامية على المسجد الأقصى وشرقي القدس، بل ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال، ليصبح المسجد الأقصى بموجبها تابعا لوزارة الأديان الصهيونية.
بل خطوا المقترحات التي قرب وقتها – حسب مخططهم – لتكون أمراً واقعاً والتي تنص على أن الجامع القبلي المسقوف هو فقط المسجد الأقصى وفيه فقط تؤدي صلوات المسلمين، أما كامل مساحة صحن قبة الصخرة والجهة الشرقية منه هو مقدس يهودي خالص!!
وهذا يعطي الحق الرسمي – المزعوم - لليهود بدخول المسجد الأقصى من جميع الأبواب وفي كل الأوقات وفي أماكن واسعة من المسجد الأقصى الذي هو كل ما دار عليه السور، وليس فقط قبة الصخرة والمسجد القبلي (المصلى الجامع) – كما يشيع اليهود.
وقادة الاحتلال قدموا مشروع التقسيم على المشاريع والسيناريوهات الأخرى، والهادفة إلى التهويد الشامل للمسجد الأقصى لمقاصد أهمها:
- التقسيم أقل ضرراً على الكيان المحتل من السيناريوهات الأخرى، والمرحلة تستلزم التدرج خشية من ردود أفعال فلسطينية داخلية قد تعطل مشاريع اليهود المستقبلية.
- مشروع التقسيم تناغم مع مخططات الجماعات اليهودية الرامية لهدم المسجد الأقصى، وتأكيد بأن الحكومة المحتلة تعمل على التهويد لكن بسياسات قد تخالف الاندفاع عند الكثير من الجماعات والحركات المتطرفة والتي لا تحسب حساب العواقب.
- والتقسيم يحقق هدف التعجيل بنزع الهوية والسيادة الإسلامية على المسجد الأقصى وشرقي القدس، بل ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال، ليصبح المسجد الأقصى بموجبها تابعا لوزارة الأديان الصهيونية.
- وتقسيم المسجد الأقصى استقطاب للداعمين الخارجيين للجماعات اليهودية العاملة من أجل إقامة الهيكل المزعوم، والمدعومة من أحزاب سياسية تحت قبة البرلمان اليهودي التي تؤمن بضرورة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
وهذا لم يأت من فراغ، فهو نتاج جهد لسنوات عديدة نسج خلاله حاخامات وباحثو وسياسيو اليهود وأعوانهم من المستشرقين الكثير من الأساطير حول الهيكل المزعوم؛ الذي سطروا حوله الكثير من الأكاذيب، واتخذوا منها المسوغات للكثير من الإجراءات والممارسات الممهدة لهدم المسجد الأقصى؛ ليعيدوا أمجادهم المزعومة في بناء ما أسموه: (هيكل سليمان).
مصاطب العلم وإلحاقها بالإرهاب:
وفي خطوة بالغة الخطورة قرّر وزير الجيش في دولة الاحتلال الصهيوني موشيه يعلون، اليوم الأربعاء في 9/9/2015 تصنيف المرابطين والمرابطات في الأقصى وطلاب مصاطب العلم فيه بأنهم مجموعات إرهابية؛ ما يعني منعهم من دخول الأقصى واعتقالهم وملاحقتهم قانونيًا، وتأتي هذه الخطوة في سياق التصعيد الصهيوني الذي يستهدف المسجد الأقصى في سبيل تحقيق هدف الاحتلال، بتقسيمه زمانيًا وتعزيز السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليه.
ولا شك أن ذلك القرار وضع الموقف الأردنيّ على المحكّ؛ حيث إن الأردن وحسب اتفاق السلام الذي وقعه مع الكيان الصهيوني في وادي عربة في العام 1994 م يقر بإشراف الأردن الكامل على المقدسات، فضلاً عن الاتفاق الموقع بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة محمود عباس حول الوصاية الهاشمية لتلك الأماكن، ومع ذلك تتعرض المقدسات الفلسطينية والمسجد الأقصى على وجه الخصوص من حملة تهويد وتحريف واعتداءات متكررة ومتنامية، بلا أي رادع قانوني أو دبلوماسي أو أخلاقي.
وجاء هذا الطرح والسعي لفرض السيادة على المسجد الأقصى بعد أن طرح بقوة قبل ذلك مصطلح (يهودية الدولة) الذي يفترض وحدة اليهود في العالم، وأن هذه الدولة دولتهم التي تعبر عن إرادتهم وتطلعاتهم؛ حيث يطمح قادة اليهود واليمين الديني وأتباعهم إلى إسقاط الحق الديني والتاريخي للمسلمين بفلسطين، وزعم أن هذا الحق لهم وبمقتضاه أقيمت دولة يهودية دينيه مفتوحة لكل يهود العالم!!
وتعميم مصطلح يهودية الدولة هو الشعار الأنجع لإنهاء السيادة الإسلامية على المساجد والمقابر، بل وإنهاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وتصفية الأساس القانوني لهذا الحق وشطب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948، والداعي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في أقرب فرصة ممكنة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم جراء اللجوء القسري.
ما العمل؟!!
نعم القدس تعيش معاناة حقيقية وتواطؤاً دولياً وعالمياً لم يشهد له مثيل، والسكوت عن تلك الممارسات بسبب انشغال الشعوب العربية بالخريف العربي، لا مسوغ له، فاليهود يجيدون استغلال الفرص، بل إن هذه التصريحات وتلك الممارسات ما هي إلا جس نبض الأمة، لمعرفة حقيقتها بعد هذه الفوضى التي تعيشها في ظل ما أسموه الربيع العربي!!
إذا كان أمر التهديدات قد بدا في السنوات الماضية أنه مجرد بالونات اختبار، فإنه من الواضح الجلي أن بالونات الاختبار أضحت مشاريع تناقش في المؤسسات اليهودية الرسمية وبتناغم وتوافق مع الحركات المتطرفة، ومشاريع تطبق على أرض الواقع.
نحن على يقين أن المشروع اليهودي مشروع متماسك متكامل محدد الأهداف... أمام لا مشروع عربي أو إسلامي يواجه ولو بالقليل من الاندفاع اليهودي لتهويد القدس وأرض فلسطين وما حولها.
فهل بعد هذا وقفة جدية رسمية وشعبية من الدول العربية والإسلامية لإنقاذ المسجد الأقصى من مخاطر التهويد التي تهدده؟! أو لعلهم يظنون أن التقسيم أو الهدم يدور في دائرة نشر السلم والسلام، ولكننا لا نعي معانيها ومقاصدها!!!!
فلا بد من التعجيل في مواجهة فكرة السيادة اليهودية على المقدسات الإسلامية وكذلك يهودية الكيان الصهيوني، وما زلنا نملك أدوات يمكننا أن نواجه بها هذه الأطروحات وفي مقدمتها التمسك بثوابتنا الشرعية والتاريخية والقانونية فنحن أصحاب الحق في الأرض والمقدسات!!
فالطريق الذي ينبغي أن يسلك، هو التمسك بثوابتنا - وإن سلبت وشوهت - التي لا حياد عنها في حقنا بأرضنا ومقدساتنا، ولإسلامية فلسطين أرضاً وشعباً ومقدسات.
لاتوجد تعليقات