رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحميد 12 يناير، 2015 0 تعليق

السمات المَرْضِيَّة لأبناء الدعوة السلفية (1)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فالسلفيون شامة في أمة الإسلام، هم أهل الحق لا الضلال، وأرباب العدل لا الجور، وأتباع الشرع لا الهوى، وأصحاب العلم لا الجهل، وهم وسط بيْن المنحرفين، وثبات بين المضطربين، وأصالة بين المتميعين. منهجهم: كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وقدوتهم: رسول الله -صلى الله عليه وسلم -. وأسلافهم: الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان. وأعلامهم: أئمة الإسلام. وحياتهم: نشر للحق ودفاع عن السنة. ومعاملتهم: دعوة بحكمة، وإرشاد بعلم، ومقابلة بإحسان، ومواجهة بعدل.

- سمتهم: الإنصاف والعدل، والتزام الحق والصواب مع الموافق والمخالف: عاملين بقول الله -تعالى-: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} (الشورى:15)، وقوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} (النحل:90)، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا  اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} (المائدة:8)، وقوله -تعالى-: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } (النساء:58).

وقال ابن عبد الهادي -رحمه الله-: «وما تحلَّى طالب العلم بشيء أحسن مِن الإنصاف، وترك التعصب».

- وكذلك من سمتهم: عدم الظلم: عاملين بقول الله -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا... ) (رواه مسلم)، وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رواه مسلم).

     وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى النفس؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ في الْجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ، فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لاَ يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فإذا كان مَن يقضي بين الناس في الأموال والدماء والأعراض إذا لم يكن عالمًا عادلاً كان في النار، فكيف بمن يحكم في الملل والأديان، وأصول الإيمان، والمعارف الإلهية والمعالم العلية بلا علم ولا عدل؟!» (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 22).

- ومن سمتهم: الإنصاف حتى مع الكفار، وعدم بخسهم حقوقهم، وذلك مع البراءة منهم ومن كفرهم: قال الله -تعالى-: {َوَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا  اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} (المائدة:8).

     وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» (رواه البخاري)، وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد الله: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ؛ قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ! فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ» (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- ومن سمتهم: العدل والإنصاف مع أهل البدع والفساق: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في تفسيره لقوله -تعالى-: {َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا  اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}: «فنهى أن يَحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا؛ فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان؟! فهو أولى ألا يحمله ذلك على ألا يعدل مع مؤمن وإن كان ظالمًا له».

     وقال أيضًا -رحمه الله-: «هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله فيَّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية؛ فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله، وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمًا بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس، حاكمًا فيما اختلفوا فيه...»

(مجموع الفتاوى 3/ 245).

     وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «بل كما تشهدون لوليكم؛ فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم؛ فاشهدوا له ولو كان كافرًا أو مبتدعًا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق؛ لأنه حق، لا؛ لأنه قاله، ولا يُرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق».

     وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة؛ استحق مِن الموالاة والثواب بقدر ما فيه مِن الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة؛ فيجتمع له مِن هذا، وهذا» (مجموع الفتاوى 28/ 209).

- ومن سمتهم أنهم يعذرون العلماء فيما أخطؤوا فيه، ولا يتبعونهم فيما أخطؤوا فيه، ولا يسكتون عن خطأ، لكنهم لا يجرحون في أهل العلم والفضل: قال الذهبي -رحمه الله-: «ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعُلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه؛ يغفر له زللـه، ولا نضللـه ونطرحه، وننسى محاسنه! نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك» (سير أعلام النبلاء ج5/ 269).

وقال أيضًا -رحمه الله-: «ولو أنَّا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له، قمنا عليه وبدعناه وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا مَن هو أكبر منهما» (المصدر السابق).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ومَن جعل كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور مذمومًا معيبًا ممقوتًا؛ فهو مخطئ ضال مبتدع» (مجموع الفتاوى 11/ 15).

- ومِن سمتهم: قبول الحق ممن جاء به ولو كان كافرًا؛ مقتدين في ذلك بالكتاب والسنة: فإن بلقيس ملكة سبأ لما قالت: {  إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} صدَّق الله على كلامها، فقال: {   وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (النمل:34).

     وكذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن الشيطان لما كان يسرق مِن الصدقة فأمسك به قال له: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا. قُلْتُ مَا هُي؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ؛ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ، يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. «قَالَ: مَا هِيَ؟». قُلْتُ: قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيء عَلَى الْخَيْرِ. فَقَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟!». قَالَ: لاَ. قَالَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ».

وقال معاذ بن جبل -رضي الله عنه -: «اقبَلوا الحق مِن كل مَن جاء به، وإن كان كافرًا أو فاجرًا، واحذروا زلة الحكيم! قال: كيف نعلم أن الكافر يقول الحق؟ قال: إن على الحق نورًا» (رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح موقوف)

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك