رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحميد 29 ديسمبر، 2014 0 تعليق

نصيحة إلى أبناء الصحوة الإسلامية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فإن مِن الآفات التي دبَّت في بعض أبناء الصحوة الإسلامية: الحرص على التصدر، وتقلد الوظائف التي فيها البروز والشهرة والظهور، وترك الأعمال التي فيها خفاء مع ما فيها مِن المصلحة للدعوة؛ ظنـًّا منهم أن الأعمال التي ليس فيها بروز وشهرة معناها أنه في منزلة وضيعة! وهذا غير صحيح؛ فإن كون بعض الدعاة لا يصلح للإدارة لا يعني إخفاقه وضعفه في كل شيء، بل إن غاية الأمر أنه لم يؤتَ قدرة في هذا الجانب، وقد يكون لديه مِن القدرة والإمكانات في العلم والعمل ما يفوق ما عند غيره ممن هو أهل للإدارة، وهذه سنة الله في توزيع القدرات ليحصل التكامل.

     وقد يكون الإنسان حريصًا على منصب معين أو صورة معينة مِن العمل يظن أنها هي الأفضل -ولا يعمل غيرها!- مع أن العمل اليسير مع الصدق والإخلاص قد يترتب عليه الأجر العظيم، والنجاة في الدنيا والآخرة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- افتقد امرأة سوداء كانت تقمُّ المسجد -أي تعمل على كنسه ونظافته- وحرِص على الصلاة عليها والدعاء لها! فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا: مَاتَت، قَالَ: «أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟!» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا- فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِا» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاتِي عَلَيْهِمْ» (متفق عليه).

     فتنظيف المسجد والقيام على تهيئته للمصلين عمل يسير، ولكن فيه أجر كبير. - وكم مِن خادمٍ لدين الله -تعالى- صالح، مغمور، خامل الذكر عند الناس، له أرفع المنازل عند الله -تعالى-: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «طُوبَى لِعَبْدٍ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثُ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٌ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَة كَانَ فِي السَّاقَة، وَإِن اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يشفع» (رواه البخاري) «وطوبي: المرجع الحسن، والحال الطيب»، وقال صلى الله عليه وسلم : «رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ» (رواه مسلم)، - وهذا جلبيب -رضي الله عنه-، كان رجلاً فقيرًا، ليس له حسب ولا جاه؛ لم يفتقده أحد لما قُتل في إحدى المغازي، ولكن افتقده النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي برزة -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ، فَأَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلانًا، وَفُلانًا، وَفُلانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فُلانًا، وَفُلانًا، وَفُلانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لا، قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فَاطْلُبُوهُ» فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً، ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» قَالَ: فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدِهِ، فَمَا كَانَ لَهُ سَرِيرٌ إِلا سَاعِدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَفَنَهُ، وَمَا ذَكَرَ غُسْلاً. (رواه مسلم). - وفي سلمان الفارسي وصهيب وعمار «مِن مستضعفي الصحابة» -رضي الله عنهم-: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو أفضل منهم: «يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ» فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: «يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟»، قَالُوا: «لا، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَخِي» (رواه مسلم).

     وفي أويس القرني -رضي الله عنه- قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ رَجُلاً يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، لا يَدَعُ بِالْيَمَن غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا الله فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ» (رواه مسلم). فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. (رواه مسلم).

     وقال الأصمعي: «لَمَّا صَافَّ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ لِلتُّركِ, وَهَالَهُ أَمرُهم, سَألَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، فَقِيْلَ: هُوَ ذَاكَ فِي المَيْمَنَةِ, جَامحٌ عَلَى قَوسِهِ, يُبصبصُ بِأُصْبُعِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَقَالَ: تِلْكَ الأُصْبُعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ شَهِيْرٍ، وَشَابٍّ طرِيْرٍ» (سير أعلام النبلاء). - وبعد انتصار المسلمين في معركة (نهاوند»): أرسل قائد المسلمين رسولاً بالبشرى إلى المدينة لعمر -رضي الله عنه-، فقال البشير: «أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بفتحٍ أعزَّ اللَّهُ فِيهِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وأذلَّ فِيهِ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ، فَقَالَ: النُّعْمَانُ بَعَثَكَ؟ قَالَ: احْتَسِبِ النُّعْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَبَكَى عُمَرُ وَاسْتَرْجَعَ، قال: وَمَنْ -وَيْحَكَ-؟ فَقَالَ: فلانٌ، وفلانٌ، وفلانٌ -حَتَّى عَدَّ نَاسًا- ثُمَّ قَالَ: وَآخَرِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا تَعْرِفُهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ- وَهُوَ يَبْكِي: لا يَضُرُّهُمْ أَلا يَعْرِفَهُمْ عمر، لكنَّ الله يعرفُهم!» (رواه ابن حبان، وصححه الألباني). - فعلى مَن أراد خدمة دين الله -تعالى- والدعوة إليه والتمكين له؛ أن يخلص العمل لله في أي موقع كان، ولا يسأل الإمارة، ولا يحرص على التصدر والرياسة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه-: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا» (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» (رواه مسلم).

والتطلع إلى التصدر والرياسة له مفاسد عديدة، منها:

1- فساد النية وضياع الإخلاص.

2- انصراف الهمة عن المهمة الأساسية «وهي تحقيق العبودية لله -تعالى-».

3- اتباع الهوى.

4- الحرمان من توفيق الله وعونه «وُكِلْتَ إِلَيْهَا».

5- تعريض النفس للفتنة. - ومِن مظاهر الحرص على التصدر:

1- العجب بالنفس وكثرة مدحها، والحرص على وصفها بالأوصاف المفخمة: «كالشيخ - وصاحب الفضيلة».

2- كشف عيوب الآخرين «ولاسيما الأقران»، والغيرة منهم عند مدحهم، ومحاولة التقليل من شأنهم.

 3- الشكوى من عدم نيل المنصب، وكثرة السؤال عن المعايير والأسس لتقلد بعض المناصب.

4- الحرص على تقلد المناصب والمهام التي فيها تصدر وبروز «كالإمامة» وغيرها.

5- عدم المشاركة بجدية عندما يكون مرؤوسًا، والتهرب مِن التكاليف التي لا بروز فيها.

6- كثرة النقد للمشاريع الصادرة عن غيره، والعمل على إخفاقها!

 7- الإصرار على رأيه وعدم التنازل عنه وإن ظهرت له أدلة بطلانه!

 8- التزلف لمن بيده القرار في تقليد المناصب.

ومن الأمور التي ينبغي للعبد أن يراعيها في نفسه لإصلاحها في هذا المجال:

1- أن يستوي عنده -أو في نظره- مدح الناس وذمهم له.

2- أن يقدِّم مصلحة المسلمين ومنفعتهم على مصلحته الخاصة.

3- أن يكون الأصل في عمله إخفاء العمل والإسرار به.

4- أن يجتهد ويخلص في كل عمل يوكل له، ولا يشترط ما يوافق هواه.

5- أن يفر من الرياسة فراره من الأسد.

6- أن يمقت نفسه في الله، ولا يرى لها فضلاً أبدًا.

7- أن يكون متواضعًا.

8- أن يصون قلبه من الفتن، ويكون مراعيًا للسلامة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك