تحوي آلاف الكتب والمخطوطات القيّمة والنادرة- المكتبات العامة.. صروح علمية شامخة على أرض غزة
للمكتبات العامة في فلسطين أهمية كبيرة في الحياة الثقافية للسكان الفلسطينيين منذ الفتح الإسلامي وحتى هذا اليوم؛ حيث تحوي بين جنباتها وأرففها مئات آلاف الكتب، بعضها توصف بأنها نادرة وقيمة تحفظ بين طياتها تراثا ثقافيا يفخر به الفلسطينيون على مر الأزمان.
تتعدد المكتبات العامة وتتنوع في قطاع غزة، غير أن هدفاً واحداً يجمعها من خلال إسهامها في تكوين جيل مثقف وواعٍ؛ حيث يجد فيها المطلعون والمثقفون وأصحاب البحث العلمي وسيلتهم للنهل من علومها، وفق إجراءات وأنظمة سهلة وميسرة وحديثة.
في عام1948م تاريخ احتلال غالبية فلسطين ونشأة دولة الاحتلال الإسرائيلي على أراضيها، تدهورت أوضاع المكتبات الفلسطينية؛ بسبب السياسة التي انتهجتها سلطات الاحتلال تجاه المكتبات الفلسطينية العامة والخاصة؛ حيث استولت على الكثير من المكتبات، ونقلتها إلى مكتبات معاهدها وجامعاتها.
أما بعد استكمال الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، لعبت سلطات الاحتلال دورا مدمرا للمكتبات الفلسطينية؛ وصادرت 6420 كتابا في مختلف الموضوعات حتى عام 1993م.
لكن ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994م، شهدت المكتبات نهضة ثقافية كبيرة؛ فقد أولت الحكومات الفلسطينية المتعاقبة المكتبات بأنواعها المختلفة عناية خاصة، فانتشرت المكتبات الحكومية والمكتبات الأهلية التابعة لمؤسسات المجتمع المدني، فضلا عن مكتبات الجامعات والمدارس والمكتبات العامة.
وتفيد إحصاءات منشورة عبر وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، أن عدد المكتبات العامة العاملة في الأراضي الفلسطينية يبلغ 65 مكتبة عامة، بواقع 52 مكتبة في الضفة الغربية مقابل 13 مكتبة في قطاع غزة ويرتادها الأفراد من أجل المطالعة والاستعارة والتوثيق العلمي.
من أبرز المكتبات في قطاع غزة، مكتبة الجامع العمري الكبير التي أنشأها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري، وعيّن عليها خيرة العلماء للعناية بها.
يقول عبد اللطيف أبو هاشم مدير دائرة التوثيق والمخطوطات بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية: إن مكتبة الجامع العمري تعد ثالث مكتبة في فلسطين بعد مكتبة المسجد الأقصى، ومكتبة مسجد أحمد باشا الجزار في مدينة عكا، وغيرها من المكتبات ودور الكتب التي احتوت على ذخائر التراث ونفائسه.
ويضيف أبو هاشم خلال حديثه لمجلة (الفرقان)، أن المكتبة كانت تحوي أكثر من عشرين ألف كتاب ومخطوط في مختلف العلوم والفنون إلا أنها تعرضت للسرقة والتدمير والعبث ولاسيما أثناء الغزو الصليبي، وأثناء الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام، والحرب العالمية الأولى، ونالت مكاتب القاهرة وباريس وبرلين منها قسطاً وافراً، وانحصرت الآن في غرفة قريبة من الباب الغربي للمسجد.
ومع ذلك بقيت غزة مكتظة بكتب العلماء الذين ظهروا فيها، ونبغوا منها، وهؤلاء جمعوا كتباً كثيرة، مشيرا إلى أن المكتبة تحتوي على 132 مخطوطة ما بين مصنف كبير ورسالة صغيرة، ويعود تاريخ أقدم نسخة مخطوطة إلى سنة 920هـ هو بعنوان «شرح الغوامض في علم الفرائض» من تأليف: (بدر الدين محمد بن أحمد المارديني)، المتوفى سنة 867هـ.
وذكر أن أغلب مخطوطات مكتبة الجامع العمري وردت بطريق الوقف والإهداء والتبرع، وفضل ذلك يرجع للعلامة الشيخ الراحل عثمان الطباع؛ حيث كان يعمل دائما وبتواصل لاستنهاض همم العلماء في فلسطين والخارج للتبرع والإهداء لهذه المكتبة حتى أصبحت من المكتبات الغنية في فلسطين.
مكتبة أخرى لا تقل أهمية عن مكتبة الجامع العمري وهي مكتبة الجامعة الإسلامية التي تم افتتاحها بالتزامن مع تأسيس الجامعة عام 1398هـ - 1978م.
مرت المكتبة بتطورات عدة؛ من حيث المساحة وعدد المقتنيات والموظفين، والخدمات المقدمة، رغم الصعوبات التي مرت بها الجامعة ولاسيما خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، فشقت طريقها بكل إصرار إيمانًا بضرورة وجود مكتبة تخدم المجتمع الجامعي خصوصا، والباحثين والدارسين عموما، وتوفير كل السبل لإنجاح المسيرة الأكاديمية.
تبلغ مساحة مبنى المكتبـة حوالـي (4500م2) موزعة على خمسة طوابق قابلة للتوسع الرأسي، وتضم بين جنباتها عشرات الآلاف من أوعية المعلومات ما بين كتابٍ ودورية ورسالة جامعية ومخطوطة وCD ومواد سمعية وبصرية. وتعد المكتبة من أولى المكتبات الأكاديمية وأكبرها في قطاع غزة، ويعمل بها طاقم من الموظفين المتخصصين في علم المكتبات ومن لهم خبرة طويلة في هذا المجال.
وقد تم حوسبة المكتبة كاملة وتم استخدام الحاسوب في أعمالها المباشرة وغير المباشرة كافة، وتم تزويدها بوحدتي إنترنت للطلاب والطالبات.
وتيسيرا للخدمة على الطلبة والعاملين والباحثين، أنشئت مكتبة إلكترونية لتكون رديفة للمكتبة الورقية وهي الآن في تقدم مستمر، وتعد مرجعا أساسيا للباحثين والدارسين وطلبة الشهادات العليا. وتحوي المكتبة الكتب والمراجع باللغتين العربية والإنجليزية في شتى المجالات المعرفية، ويسمح باستعارة جميع مقتنياتها ماعدا الكتب المرجعية.
ثالث المكتبات المركزية في قطاع غزة، هي مكتبة بلدية غزة العامة؛ حيث يتكون مبناها من طابقين وسرداب، ومساحتها الإجمالية حوالي 1410 مترًا مربعًا.
مجلة (الفرقان) التقت مدير المكتبة حسن أبو عطايا الذي رحب بتسليط المجلة الضوء على المكتبات في فلسطين وبالتراث الإسلامي عموماً.
ويشير أبو عطايا إلى أنه تم افتتاح المكتبة رسميا في 1/7/1999م وفي وقت لاحق من العام نفسه ضمت المكتبة إليها كلا من مكتبة ديانا تماري صباغ في مركز رشاد الشوا الثقافي ومكتبة مركز هولست الثقافي المخصصة لخدمة الأطفال ليكونوا ثلاثياً ثقافياً متميزاُ يلبي احتياجات جميع المواطنين.
ويبين أن مجموع مقتنيات المكتبة يبلـغ حالياً ما يقارب عشرة آلاف مادة باللغات الثـلاث العربية والإنجليزية والفرنسية، تشمل المواد الورقية من كتب ودوريات ومـواد غير ورقية، وتشمل مواد سمعية بصرية كأشرطة الفيديو ومواد إلكترونية مثل الأقراص المدمجة CD-ROM.
ويؤكد أن المكتبة تقدم لروادها مجموعة متنوعة من الخدمات المكتبية والمعلوماتية وهي: القراءة والبحث والمطالعة، الإعارة، الخدمات الإرشادية والمرجعية، خدمة الحجز الكتاب المعار، خدمة الاستنساخ للمستفيدين منه فقط،،خدمة الوسائل السمعية البصرية أشرطة الفيديو، والأشرطة الصوتية، والأقراص المدمجة CD-ROMs. وجميع هذه المواد مفهرسة ومصنفة حسب نظام ديوي العشري، ومدخلة بياناتها في الفهرس الآلي، خدمات البحث الآلي.
ويشدد على أن من أهم أهـداف المكتبة: الإسهام في التنمية الثقافية والاجتماعية والتربوية للمجتمع الفلسطيني، التشجيع على القراءة والمطالعة والبحث لجميع المواطنين ولاسيما الأطفال، والإسهام في الحفاظ على التراث الفكري والثقافي للمجتمع الفلسطيني. ويؤكد أن آلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة يرتادون هذه المكتبة شهريًا، وتجتهد إدارة المكتبة حاليا لزيادة هذه الأعداد لزيادة الوعي الثقافي بين السكان.
لاتوجد تعليقات