رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الهيثم زعفان 5 أبريل، 2015 0 تعليق

الخليـــج فارسي أم عربي؟!

إيران  تحتج بأن الأمم المتحدة اعترفت منذ عام 1994 بأن الاسم الرسمي للخليج العربي هو (الخليج الفارسي)،

المتابع لإشكاليات المصطلحات يدرك جيداً خطورة توظيف المصطلح في تمرير الأفكار وتحقيق الأهداف سواء كانت سياسية أم عقدية أم حتى فكرية؛ وللغرب مع العالم الإسلامي صولات وجولات في تشويه العديد من المصطلحات العقدية الأصيلة ومحاولة قلبها من جاذبة إلى منفرة. أو الترويج لمصطلحات غربية ذات بريق لفظي؛ ومضمون صراعي.

وفي هذا الإطار ننظر إلى تعاطي الغرب مع المصطلحات الإيرانية؛ فظاهر العلاقة التي يحاول كلا الطرفين الغربي والإيراني تصديرها لنا على أنها متوترة؛ يتنافى مع المصالح المشتركة بينهما التي تنكشف عراها يوما تلو الآخر.

     والسؤال الجوهري هنا؛ إذا سلمنا بصحة فرضية توتر العلاقة بين الغرب وإيران، وأن الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني مصلحتهم تقف أينما كان الضرر الإيراني؛ فما هي المخرجات المتوقعة في التعامل مع المطامع الإيرانية؟.

مصطلحات سياسية

     وعلى مستوى المصطلحات؛ ما المتوقع من المعسكر الغربي حينما يتعامل مع المصطلحات الإيرانية ذات الدلالات السياسية أو المذهبية أو العقدية؟. المنطق يقول هو تجنب استخدام تلك المصطلحات، بل ومعاداتها والحرص على تضمينها ضمن حقيبة الصراع الظاهري بين الطرفين؛ لكن هل الواقع يسير على الدرب العدائي ذاته؟.

حقيقة الواقع قد ينافي ذلك في أحيان كثيرة.

     دعونا نقترب بصورة أكثر عملية من القضية؛  وذلك من خلال مصطلح (الخليج العربي)، فهو مصطلح راسخ في الوجدان العربي؛ وله دلالاته السياسية والحقوقية والجيوسياسية، وهو مرتبط بمنطقة نفطية ثرية ذات سيادة عربية سنية راسخة، لكن إيران عبر سنوات ممتدة تشدد على استخدام اصطلاح الخليج الفارسي،  وهو الاسم الذي كان مستخدماً إبان الإمبراطورية الفارسية، وحقيقة لا نجد تسويغاً لإصرار القيادة الإيرانية على الاصطلاح الفارسي، إذا كان الإسلام قد طهر الأرض من دنس الفرس وعبادة النيران، وقضى على الإمبراطورية الفارسية؛ فلماذا يصر هؤلاء على استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية؛ وإحياء تلك القومية الوثنية؟ أليس منطقياً أن يكون حرصها في ظل تصديرها للمد المذهبي تحت مظلة محبة آل بيت النبوة -رضي الله عنهم- أن يكون المصطلح الحريصة عليه ذا صبغة شرعية يعبر عن الهوية الإسلامية مثل الخليج الإسلامي مثلاً؛ أم أن الهوية الفارسية مقدمة عند قادة إيران على الهوية الإسلامية؟!.

الموقف الغربي

     الإشكالية هنا تكمن في تعامل الغرب مع المصطلح الإيراني؛ فمن يسمع الخطاب السياسي الغربي والعقوبات على إيران والملف النووي ولن نسمح ولن نسمح- يتوقع أن يكون هناك نوع من الحسم الغربي في التعامل مع الاصطلاح الإيراني، لكنها لعبة السياسة والمصالح.  فأمس عندما كان النهوض النفطي العربي، وعندما كانت التحويلات المالية والاستثمارات العربية في الدول الغربية على أشدها، كان التشديد الغربي في استخدام الاصطلاح العربي بارزاً؛  والآن وبعد إشارات البدء في التغيرات السياسية في المنطقة العربية؛ وفي ظل تعمق المصالح وتشابكها وتعقدها بين الغرب وإيران، يتبدل الأمر ونجد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يغرد عبر تويتر قائلا: «من دواعي سروري مشاركة الرئيس أوباما بتهنئة كل من يحتفل بعيد النوروز في العالم من آسيا والقوقاز إلى الخليج الفارسي والولايات المتحدة» هذه التغريدة المغرد بها من حساب رأس الخارجية الأمريكية، التي لا يمكننا فصلها عن رسائل السياسة الخارجية الأمريكية؛ تتضمن اصطلاحين فارسيين بامتياز، الأول هو «عيد النوروز المجوسي»- عيد رأس السنة الإيرانية- الذي له حظوة خاصة عند الإمامية، والثاني هو اصطلاح (الخليج الفارسي) بديلاً عن الخليج العربي. والتغريدة متضمنة لرئيس أمريكا الذي هنأ قبله إيران بهذا العيد المجوسي. فهل سيق الأمر عند حدود التغريد والاحتفالات المبهجة في البيت الأبيض؛ أم ستتبعه خطوات عملية تصاعدية في استخدامات الاصطلاح في الخرائط والملاحة البحرية والجوية انتهاء بتغيير المسمى رسمياً؛ حيث تصبو إيران وترجو؟.

الأمم المتحدة

     الأمر لم يقف عند حدود الخارجية والرئاسة الأمريكية رغم خطورة الدلالات السياسية للألفاظ على التحولات الدولية والإقليمية في المنطقة، لكنه يمتد ليطرح سؤالاً أكثر بعداً عن ماهية المنظمات ووسائل الإعلام والمراكز البحثية الغربية التي تستخدم في خطابها الاصطلاحات الإيرانية ولاسيما مصطلح (الخليج الفارسي) على مدار العقود المنصرمة؟!.

     فإيران  تحتج بأن الأمم المتحدة اعترفت منذ عام 1994 بأن الاسم الرسمي للخليج العربي هو (الخليج الفارسي)، وتأكيداً على هذا الاحتجاج وترجمة عملية له ذكر ستيفان ديجوريك -مسؤول مركز الإعلام التابع للأمم المتحدة في مايو 2013- أن (الأمم المتحدة تعتمد اسم (الخليج الفارسي)، وليس الخليج العربي في تعريف المنطقة جغرافياً في جميع وسائل الأمم المتحدة الإعلامية سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة.

الوسائل الإعلامية

     وعليه فإن الوسائل الإعلامية الغربية المتلقية للوثائق والبيانات الصحفية والرسمية والخرائط الصادرة عن الأمم المتحدة باللغة الإنجليزية تنقلها كما هي باصطلاح (الخليج الفارسي)، ومن ثم فإن التحليلات والإحصائيات المرتبطة التي تدرجها المراكز البحثية ويوظفها الباحثون والكتاب في تقاريرهم ومقالاتهم وبحوثهم ستميل أكثر لطرح الأمم المتحدة الأكثر دقة بالنسبة إليهم. وهو الأمر الذي يلمسه من يتعاطى مع وسائل الإعلام والمراكز البحثية الغربية؛ فالمتتبع لأكثر الوسائل الإعلامية الغربية شهرة كالبي بي سي أو السي إن إن  يجدها تميل لاستخدام اصطلاح (الخليج الفارسي)؛ وفي حالات الحرج المصاحب للاحتجاج العربي قد تستخدم بعض المنابر الإعلامية اصطلاح (الخليج) مجرداً – وهو بالمناسبة حال عدد غير قليل من وسائل الإعلام في العالم العربي- وإذا كان الاحتجاج شديداً تتبعه بعبارة (المعروف عند العرب بالخليج العربي) الذي يشهد خلافاً على التسمية بين دول الجوار إيران والدول العربية.

     إن هذه المقالة لا تعني بالخوض في جدلية تأريخ الاصطلاح؛ ومنطقية البعد عن القوميات، وضرورة التمسك بإسلامية الخليج  Islamic Gulf، لكنها بالأساس ترصد الموقف الغربي المتناقض في العلاقة الغربية الإيرانية؛ ففي الوقت الذي ترفع فيه إيران شعار الموت لأمريكا وإسرائيل؛ وتقابلها أمريكا بسياسات ظاهرها العداء وتعارض المصالح؛ نجد الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني يستخدمون المصطلحات الإيرانية ذات الدلالات  الاستراتيجية والسياسية المضادة لمصالح الدول الإسلامية في المنطقة العربية، والمحققة للمطامع الفارسية في المناطق السنية.

     كما أن توقيتات ومستويات استخدام المصطلحات الإيرانية من قبل الغرب ودلالات التوقيت والمستوى قد تكشف بعض معالم الربيع الغربي الإيراني القادم؛ الذي لن يكون في صالحنا بأي حال من الأحوال.

     ولعل الأمر فيه سعة أن تجرى دراسة موسعة لرصد المصطلحات الإيرانية وتحليلها ولاسيما مصطلح (الخليج الفارسي) في الأدبيات والأطروحات والخطابات السياسية الغربية؛ لنقترب بصورة دلالية أعمق نحو أكذوبة العداء الغربي لإيران، وصحة فرضية المصالح المشتركة بين الغرب وإيران، التي لن تكون يوما ما في صالح أهل السنة والجماعة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك