د. عيسى القدومي في ورشة تقنيات الجودة الشاملة وتطبيقاتها في العمل الخيري – لا جودة شاملة إذا لم تقتنع الإدارة العليا بجدوى هذا المفهوم وحاجة المؤسسة الخيرية له
اختتمت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو- بالتعاون مع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، الأسبوع الماضي فعاليات ورشة العمل الوطنية حول تقنيات الجودة الشاملة وتطبيقاتها في العمل الخيري في الفترة من 20-22 من الشهر الجاري.
وقد التقت الفرقان على هامش الورشة بالدكتور زكريا محمد الرباني ممثل منظمة الأيسيسكو للتعرف على أهم أهداف الورشة والرؤية التي يراد تحقيقها من خلالها، وسألته بداية عن أهم تلك الأهداف فقال مشكورًا:
< إن من أهم تلك الأهداف تشخيص واقع العمل الخيري في دولة الكويت وتحديد الصعوبات التي تواجه مؤسسات العمل الخيري، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لتلك الصعوبات والتحديات، من أجل رفع جودة الأداء في منظمات العمل الخيري.
كذلك استهدفت الورشة تحديد التقنيات الحديثة وأدواتها المستخدمة عمليًا في المجال الإداري والمالي والميداني وكيفية إسهامها في تحسين جودة العمل الخيري في الكويت.
كذلك تبادل الخبرات والتجارب الناجحة بين المشاركين والتعرف على مشاريع رائدة تنفذها مؤسسات وهيئات عمل خيرية متعددة في الكويت.
وأخيرًا طرح رؤى وأفكار جديدة للنهوض بجودة العمل الخيري لتحقيق أهدافه الإنسانية النبيلة.
- ما المعايير التي تم من خلالها اختيار عنوان الورشة، وكذلك المحاضرين فيها؟
- تمثل الورشة أحد الأنشطة المشتركة التي اعتمدت في برامج التعاون المشترك بين المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة والهيئة الخيرية، وقد تم اختيار موضوع الورشة انطلاقًا من الاهتمامات المشتركة التي تعمل في إطارها المنظمة، والهادفة إلى الإسهام في الجهود المبذولة للنهوض بالعمل الخيري في البلدان الإسلامية لما له من دور فعال في مكافحة الفقر وتداعياته، وتحقيق التنمية المستدامة.
وأما عن الخبراء فقد تم اختيارهم بالتشاور بين المنظمة والهيئة بمراعاة الكفاءة والتخصص، والقدرة على تناول محاور الورشة بشمولية سعيًا وراء تحقيق الأهداف الإجرائية المنشودة منها.
- هل ترى أن مثل هذه الورش تثري العمل الخيري في الكويت، وتقدم حلولا عملية فعلا لمشكلاته؟
- أعتقد أن ضخامة التحديات وتسارع وتيرة التغيرات تفرض على منظمات العمل الخيري عقد لقاءات تشاورية تمكن من التنسيق بين جهود مختلف الفاعلين في قطاعات العمل الخيري والإنساني بهدف تحسين الأداء وتعزيز قدرات العاملين في هذه المنظمات، لأن نجاح العمل الخيري في رأيي يرتكز على التخطيط الاستراتيجي لبرامج المؤسسات الخيرية ومشاريعها؛ من حيث الإعداد والتنفيذ والتقييم، حتى تتمكن مؤسسات العمل الخيري من الانتقال من مرحلة التكافل إلى مرحلة التمكين.
كما التقيت على هامش الورشة أيضًا بالدكتور عيسى القدومي أحد المحاضرين في الورشة؛ حيث قدم ورقة عمل بعنوان: (مجالات العمل الخيري وسبل تحسين أداء العاملين ومهاراتهم في هيئاته ومؤسساته وصولاً للجودة الشاملة)، وقد سألته عن مفهوم مجالات العمل الخيري وماذا يعني بها؟ فقال مشكورًا:
- مجالات العمل الخيري هي نطاق الأعمال الخيرية أو ميادينها، وتطلق على مجموع الأعمال الخيرية الموزعة حسب الحاجات والمتطلبات، ومفردها مجال؛ فكل عمل خيري يمس حاجة الإنسان وما دون الإنسان من بيئة وحيوان، وليس فيه مخالفة للشرع، يعد مجالا من مجالات العمل الخيري.
- ما الحكمة من تنوع مجالات العمل الخيري؟
- العمل الخيري الإسلامي يتمتع بالأصالة نقلًا، ومرغوبٌ فيه عقلًا، ومحبوبٌ نفسًا، ومطلوب فعلًا، ومقصودٌ تقربًا، ومستمرٌ عطاءً، ومتسعٌ بابًا، ومتنوعٌ مجالاً، وجاء تنوع مجالات العمل الخيري لحكم عظيمة أذكر منها: توسيع أبواب كسب الأجر والمثوبة من الله تعالى، كذلك تلبية رغبات أهل الفضل والصدقة واهتماماتهم، وأيضًا لتفي بحاجات الكثير من فئات المجتمع، ولتحقق الشمولية في سد الحاجات، للإنسان والبيئة والحيوان، وفتح أبواب المشاركة من المجتمع وأفراده، وتحقيق التعاون والتكامل مع القطاع الحكومي والتجاري.
- هل تنوع هذه المجالات أمر طارئ ومستحدث أم أن له أصل في الشريعة؟
- تعدد مجالات العمل الخيري ليس أمراً طارئاً بل هو أصيل منذ أن وطأت قدما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، وقد شُرع العمل الخيري لصلاح البلاد والعباد، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» متفق عليه.
- هل تعتقد أن المؤسسات الخيرية بحاجة ماسة للتحسين المستمر في أداء العاملين ومهاراتهم فيها؟
- لا شك في ذلك، فالعاملون في المؤسسات الخيرية هم عناصر المؤسسة، وثقافة المؤسسة هي ثقافة أفراد العمل: كيف يؤدون أعمالهم؟ كيف يتفاعلون؟ كيف يتواصلون؟ كيف يتعاملون مع المشكلات؟ كيف يفكرون ويبتكرون؟ ولا يتحقق حسن أداء العاملين إلا إذا كان هناك إخلاص في العمل واختصاص في تنفيذ العمل، ولا يتم الاختصاص إلا إذا كان التحسين المستمر في تنفيذ الأعمال هي ثقافة مؤسسية.
- كيف يمكن تحسين أداء هؤلاء العاملين ومهاراتهم؟
- توجد وسائل عدة يمكن من خلالها تحسين أداء العاملين أهم تلك الوسائل:
1- حسن اختيار الكفاءات للعمل في المؤسسات الخيرية.
2- تنمية مفهوم الاحتساب وطلب الأجر من الله تعالى.
3- الربط بين إتقان النفع وازدياد الأجر.
4- العمل وفق الضوابط والقواعد الشرعية في الأعمال الخيرية.
5- استخدام النظم الحديثة في إدارة الأعمال وتقديم الخدمات.
6- العمل وفق الخطط المعدة التشغيلية والاستراتيجية.
7- فاعلية منهجية التقييم والمراجعة والتحسين لتطوير الأداء وتحسين المهارات.
8- الاستفادة من التجارب الخيرية الناجحة في العالم الإسلامي والغربي.
9- تحقيق الشراكة بين المؤسسات الخيرية وكذلك القطاعين الحكومي والتجاري.
10- التدريب والتأهيل وبناء القدرات وتطويرها.
- هل تعتقد أن تحسين الأداء سيعود بالفائدة على المؤسسات الخيرية عمليًا؟ وهل ستكون النتائج المترتبة على ذلك محققة لطموحات تلك المؤسسات؟
- لا شك في ذلك فإن كل عملية تحسين مهما صغرت لها أهميتها؛ ولهذا فالنتائج المترتبة على تحسين الأداء في العمل موزعة على جميع الإدارات في المؤسسة، ستكون ذات فائدة عظيمة ومن أهم تلك الفوائد:
1. تمكين الإدارة العليا من اتخاذ القرارات الضرورية.
2. خطوة أساسية للإصلاح والتغيير .
3. يفتح آفاقاً جديدة للعمل والعاملين.
4. كشف نقاط القوة ونقاط الضعف في الأداء.
5. يتحقق معه الاستمرار والعطاء.
6. المخرجات التي تفوق التوقعات.
- عندما نتحدث عن الجودة الشاملة فإن التصور يذهب مباشرة للمؤسسات التجارية والاقتصادية، فهل يختلف تطبيق هذا المفهوم في تلك المؤسسات عن تطبيقه في المؤسسات الخيرية؟
- مفهوم الجودة الشاملة في أداء العاملين ومهاراتهم ليس قاصراً على المؤسسات التجارية والصناعية، بل هو في المؤسسات الخيرية مطلب شرعي ومطلب إداري.
والجودة الشاملة في المؤسسات الخيرية: تعني إيجاد بيئة في المؤسسات الخيرية يسعى فيها كل من الإدارة العليا والعاملين والمتطوعين إلى تحسين أدائهم لأعمالهم، وتحقيق الرضا والتوقعات والرغبات لكل من المتبرعين والمستفيدين والشركاء.
وجودة الأداء في المؤسسات الخيرية: هي مجموعة من الخصائص والصفات للخدمة تحقق رضا المتبرعين والمستفيدين وتتوافق مع رغباتهم وتوقعاتهم وإشباع حاجاتهم.
- ماذا نعني بجودة الأداء؟
- جودة الأداء تعني أداء العمل الصحيح بطريقة صحيحة وفي أقل وقت، بما يلبي متطلبات المتعاملين وتوقعاتهم من متبرعين ومستفيدين وشركاء.
ولابد أن ننتبه! لا جودة شاملة إذا لم تقتنع الإدارة العليا بجدوى هذا المفهوم وحاجة المؤسسة الماسة له.
- هل هناك متطلبات خاصة لتحقيق هذا المفهوم في المؤسسات الخيرية؟
- 1. العمل وفق منهجية علمية وإدارية.
2. التطوير المستمر للأساليب الإدارية المتعلقة في أداء العاملين.
3. التنسيق الفعال بين العاملين لكل مشكلات الأداء.
4. التركيز على تحقيق رضا العاملين والمتعاملين.
5. توفير كافة الموارد اللازمة للوصول لأداء مميز.
6. التدريب وتنمية المهارات باستمرار.
7. مراقبة كافة النشاطات المتعلقة بأداء العاملين وتوجيهها.
ولا شك أن تطبيق مفهوم الجودة الشاملة في المؤسسات الخيرية من المفترض أن يحقق نتائج تفوق تحقيقه في المؤسسات التجارية، لما يحمله العمل الخيري من قيم أخلاقية تنبع من الشريعة الإسلامية والتي من أهمها:
1. الإخلاص في العمل: (لا ثواب إلا بنية)
2. الإتقان: (أداء العمل الصحيح بالوقت الصحيح وبالطريقة الصحيحة)
3. الاستمرار: (العطاء والديمومة طريق الوصول للجودة)
4. التحسين: (أن تؤدي العمل المطلوب أفضل من المطلوب)
5. التجديد (أفضل العمل ما كان أكثر نفعاً في زمنه)
- لو أردنا تحقيق مفهوم الجودة الشاملة وتطبيقها في المؤسسات الخيرية. ما أهم المرتكزات التي يجب أن يرتكز عليها حتى ينجح تطبيق هذا المفهوم؟
- الجودة الشاملة هي تغير شامل لكل مكونات المنظمة وذلك بهدف إرضاء المتعاملين من خلال تقديم جودة عالية باستمرار، وسأذكر لك أهم ركائز نجاح تطبيق هذا المفهوم في مؤسساتنا الخيرة وهي:
1. دعم الإدارة العليا والتزامها بالجودة الشاملة.
2. إعداد التخطيط الاستراتيجي للجودة.
3. تهيئة البيئة والثقافة التنظيمية للعمل.
4. تحليل عمليات العمل من أجل تحسين الأداء.
5. تلبية رغبات المموليين والمستفيدين.
6. التزام عمليات التحسين المستمر للخدمات.
7. التدريب والمشاركة في التطوير.
8. اتخاذ القرارات المبنية على الحقائق ذات الجدوى.
9. التغذية الراجعة، وأخذ ملاحظات المتعاملين مع المؤسسة وآرائهم.
10. نظم إدارة المعلومات: لتوفير المعلومات الدقيقة ذات الصلة وفي الوقت المناسب للمديرين، لاستخدامها في اتخاذ القرارات.
11. الشراكة والتعاون والتكامل مع المؤسسات الخيرية الشبيهة في المجتمع.
12. الحوافز والمكافآت.
- أخيرًا من وجهة نظرك ما أهم مقوم من مقومات نجاح المؤسسات الخيرية والوصول إلى المثال لمفهوم الجودة الشاملة؟
- كما ذكرت لك من قبل لابد بداية أن ننتبه إلى أنه لا نجاح للمؤسسة في تحقيق الجودة الشاملة إذا لم تقتنع الإدارة العليا بجدوى هذا المفهوم وحاجة المؤسسة الماسة له.
ونجاح المؤسسة الخيرية لا يأتي من زيادة عدد أفراد المؤسسة الخيرية، ولكن من التوليفة الصحيحة بين الأفراد الذين يمتلكون مهارات وقدرات متنوعة، وفشل أي مشروع خيري يبدأ بافتقاد الحوار والتواصل الإيجابي فالجودة مسؤولية الجميع.
لاتوجد تعليقات