يد الإرهاب تضرب الآمنين أثناء تأدية صلاة الجمعة في لبنان
ضربة إرهابية همجية ووحشية لم تشهدها مدينة طرابلس من قبل؛ حيث وضع مجرمون سيارتين مفخختين أمام مسجدين لحظة خروج المصلين، وهذا الأمر يفترض أن يكون خطأ أمنياً يصل إلى حد التقصير. ويبدو أن المسجدين -«السلام» في ميناء طرابلس و«التقوى» في مستديرة نهر أبو علي، وعند بوابة التبانة- قد اختيرا بعناية إجرامية متقنة، «فالسلام» الذي يقع عند مدخل مدينة الميناء استهدف -بحسب المعلومات المؤكدة- بسيارة من طراز «فورد» رباعية الدفع، وتقدر زنة العبوة فيها بـ 175 كلغ من المواد المتفجرة.
وموقع التفجير يعد نقطة تقاطع لمنازل عدد من المسؤولين الكبار، لعل أهمهم -وقد يكون هدفاً، لكن العناية الإلهية أنقذته- هو المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، الذي لا يبعد منزله سوى 20 متراً عن المسجد الذي اعتاد ريفي تأدية الصلاة فيه، وقد ألحق به انفجار السيارة أضراراً كبيرة، لكن الرجل سلم هو وعائلته بحمده تعالى.
أما مسجد «التقوى» -وهو مسجد حديث، أنشئ منذ عامين، ويقع في نقطة تقاطع واسعة، يجمع عادة المصلين من مناطق التبانة والزاهرية والمئتين- فقد كان الهدف إمامه الشيخ سالم الرافعي، عضو هيئة العلماء المسلمين، والذي لمع نجمه منذ هاتين السنتين، منذ اندلاع الثورة السورية، لكن العناية الإلهية أنقذته أيضاً، فسلم الرجل؛ لأنه كان لا يزال داخل المسجد.
إلا أن هدف المجرمين لم يكن فقط هذين الرجلين، بقدر ما كان حصد الأبرياء بالقتل تفجيراً، وقد أجمعت كل المواقف السياسية على إدانة الجريمة المزدوجة التي حصدت -على الأقل- أكثر من 43 شهيداً وحوالى 500 جريح، بحسب حصيلة شبه النهائية التي أعلنتها وزارة الصحة.
وفيما ربطت بعض الأوساط مسلسل السيارات المفخخة بتسلل النيران السورية الى لبنان، نتيجة انخراط «حزب الله» في الحرب السورية، سارع الرئيس فؤاد السنيورة إلى مناشدة الحزب بالانسحاب من سوريا، وإغلاق أبواب الفتنة القادمة من سوريا، والعمل على تحصين الجبهة الداخلية، كما نشط بإجراء اتصالات بكل من إمام مسجد «التقوى» الشيخ الرافعي، وإمام مسجد «السلام» الشيخ بلال بارودي مشدداً على «خطورة الجريمة التي تعرّضت لها طرابلس وأبعادها ومعانيها».
والسؤال الذي شغل الأوساط السياسية بقي عائماً، وهو: مَن يقف وراء هذه التفجيرات المتشابهة والمتقنة في التنفيذ، لا سيما وأن التحقيقات الأوّلية لم تظهر وجود أي أثر لانتحاري في السيارتين، ما يؤشر إلى أن سيارتي طرابلس تمّ تفجيرهما بنفس الطريقة التي تمّ بها تفجير سيّارة الرويس.
وأبدت هذه الأوساط تخوفها من أن تكون التفجيرات المتنقلة في المناطق ذات الكثافة السنية، والأخرى ذات الكثافة الشيعية، تبيّت مخططاً خبيثاً هدفه إضرام نار الفتنة المذهبية، على غرار ما حصل في بغداد، إبّان الوجود الأميركي في العاصمة العراقية، الأمر الذي ينذر «بعرقنة» الوضع اللبناني، في حال تركت الأمور على غاربها، دون أي معالجة سياسية وأمنية حاسمة.
ولم تستبعد الأوساط السياسية أن تشكل هذه التفجيرات الإجرامية ضغطاً متزايداً على كل الأطراف السياسية، لمراجعة مواقفها وحساباتها من الوضع الحكومي، واتفاق بعض المواقف التي تساعد على تسهيل ولادة الحكومة العتيدة، وتحقيق نقلة نوعية تساعد على استعادة الأمن بواسطة أجهزة الدولة الشرعية، وإعادة الدماء إلى شرايين الحياة السياسية.
ولفتت هذه الأوساط إلى أنه لم يعد بمقدور أي طرف الإنكار بأن الحرب على لبنان وأهله أصبحت أكبر من الجميع، وأن وعي القيادات لخطورة وحساسيات ما يجري يحتاج إلى تعزيز هذه المناخات عبر إحباط أية مفاعيل سلبية لهذه التفجيرات، من خلال رفع منسوب الوعي السياسي برفض الإنجرار إلى السلبية وتغليب لغة الحوار والعقل، مما يقيد ويكبح جماح من يريد تفجير لبنان.
لاتوجد تعليقات