السياسة الشرعية – أدباء العرب ودعوة ابن عبد الوهاب
تأثر بعض الأدباء والمفكرين في شتى أنحاء العالم الإسلامي، بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تأثرًا حقيقيًا, وسنتناول في عددنا هذا بعضًا مما قالوه عن الدعوة المباركة.
الدكتور طه حسين الذي كتب مقالاً في مجلة الهلال عدد مارس 1933م بعنوان: الحياة الأدبية في جزيرة العرب, فكان مما قال: إن الباحث عن الحياة الفعلية الأدبية في جزيرة العرب, لا يستطيع أن يهمل حركة عنيفة نشأت فيها أثناء القرن الثامن عشر, فلفت إليها العالم الحديث في الشرق والغرب, واضطرته أن يهتم بأمرها, وأحدثت فيها آثارًا خطيرة، هان شأنها بعض الشيء, ولكنه عاد فاشتدّ في هذه الأيام, وأخذ يؤثر لا في الجزيرة وحدها, بل في علاقاتها بالأمم الأوربية أيضاً, هذه الحركة هي حركة «الوهابيين» التي أحدثها محمد بن عبد الوهاب, شيخ من شيوخ نجد.
وعلق الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار على هذا المقال، عندما كان يدرس في مكة قائلاً: ولم يكن بيننا وبين «الوهابية» تعاطف, والفكرة عنها بأذهاننا سيئة, ولهذا عجز أساتذتنا من إزالتها, حتى نُشر مقال الدكتور طه حسين فانتزع منا هذا المقت في الوقت الذي لم يستطع أساتذتنا إزالته. ثم يُكمل قائلاً: وهناك أناس كان لهم فضل إزالة السمعة السيئة عن «الوهابية» في العالم الإسلامي, وهم طلاب العلم الذين وفدوا إلى مكة والمدينة ـ حرسهما الله ـ لتلقي العلم في حرمهما المقدسين ومدارسهما. ولم يكن هؤلاء الطلاب من بلد واحد, بل كانوا من مختلف الأقطار الإسلامية, من إندونيسيا، والقارة الهندية، وأفريقية, وكانوا بالآلاف، وعادوا إلى أوطانهم, وهم يحملون أفضل المشاعر عن « الوهابية والوهابيين».
وقد كتب علامة الشام محمد كردعلي بحثًا بعنوان: أصل « الوهابية « في مجلة المقتطف 1318م وقد ختمه بقوله: وما ابن عبد الوهاب إلا داعية، هداهم من الضلال، وساقهم إلى الدين السمح, وإذا بدت شدة من بعضهم, فهي ناشئة من نشأة البادية, وقلما رأينا شعبا من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم, وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة, فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد أنملة.
وذكر الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي أن الحُجّاج تأثر بعضهم بالدعوة, فأخذوا ينشرونها في بلادهم, ويدعون إلى التوحيد, فانتقلت هذه المبادئ الإصلاحية إلى سومطرة، وجاوة، والعراق، وعمان، وفارس، والشام، والسودان، ومصر، والجزائر.
وفي السودان تأثر بها الشيخ عثمان فودي، ودعا إليها في بلاده, وأخذ يحارب البدع والخرافات الشائعة بين قومه, فاستطاع أن يجمع حوله قبيلته, وابتدأ حروبه لنشر الدعوة ضد قبائل الهوسا الوثنية، حتى أقام مملكة «سوكوتو» في السودان على أساس من الدعوة الدينية « الوهابية».
وفي الجزائر كان محمد بن علي السنوسي ممن تأثر بالدعوة التصحيحية الإصلاحية بعض الشيء, وأنشأ في جبل أبي قبيس بمكة زاوية، حيث بنى تأثره على الطريقة الشاذلية التي كانت وسطًا بين الصوفية والسلفية, وكان له دور بارز في إيقاظ الناس من غفلتهم, فهم مالكية المذهب يعتمدون على القرآن والأحاديث النبوية, ولا يقرون الإجماع والاجتهاد, فبدأت تلك الطريقة السنوسية كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وانتهت بإقامة دولة إسلامية جديدة في الجزائر أواسط القرن التاسع عشر, ثم غزت طرابلس, ثم شمال أفريقيا, ثم انتشرت نحو الجنوب, فتمكنت من شمال السودان ووسطه, وناهضت الاستعمار الغربي آنذاك.
ولم يقتصر عدد المتأثرين من العلماء والأدباء والمفكرين بدعوة الشيخ ابن عبد الوهاب إلى هذا الحد فقط, وهذا ما سنتناوله في عددنا القادم إن شاء الله رب العالمين.
والله الموفق والمستعان.
لاتوجد تعليقات