رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 27 مايو، 2013 0 تعليق

الحكمـة ضالـة المؤمن- تلك عاجل بشرى المؤمن


إذا كان العبد يجد أعمال الخير ميسرة له، مسهلة عليه، ويجد نفسه محفوظا بحفظ الله عن الأعمال التي تضره، كان هذا من البشرى التي يستدل بها المؤمن على عاقبة أمره

الإنسان يحب الأخبار السارة، وينشط للبشارات والأنباء الطيبة، ولهذا فإن الإسلام دين بشارة بالخير للمؤمنين، والتبشير من وظيفة المرسلين، كما قال تعالى:{  وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}(الأنعام48)، والبشارة صفة القرآن الكريم، كما وصفه الله تعالى بقوله:{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (الإسراء:9).

والبشارة كما يعرفها الجرجاني بأنها:«كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشر، وفي الخير أغلب».

     وقد جاءت البشارة في القرآن على أوجه عديدة منها ؛ بشارة أرباب الإنابة بالهداية، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} (الزمر:17-18).

     ومنها بشارة المتقين بالفوز كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ { 63 } لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (يونس:63-64)، ومنها بشارة الخائفين بالمغفرة كما قال عزوجل: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ . فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ(11)} (يس:11).

     ومنها بشارة المطيعين بالجنة كما قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} (البقرة:25)، ومنها بشارة المؤمنين بالعطاء الأخروي كما قال عز وجل:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (يونس:2)، وقال سبحانه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا } (الأحزاب:47).

     ويوضح الشيخ ابن سعدي معنى البشارة فيقول: «والبشارة هي الخبر أو الأمر السار الذي يعرف به العبد حسن عاقبته، وأنه من أهل السعادة، وأن عمله مقبول».

      ويبين -رحمه الله- مجالات البشارة ونطاقها، وأنها أخروية، ودنيوية فيقول: «أما في الآخرة فهي البشارة برضى الله وثوابه، والنجاة من غضبه وعقابه، عند الموت، وفي القبر، وعند القيام إلى البعث، يبعث الله لعبده المؤمن في تلك المواضع بالبشرى على أيدي الملائكة، كما تواترت بذلك نصوص الكتاب والسنة.

     وأما البشارة في الدنيا التي يعجلها الله للمؤمنين نموذجا وتعجيلا لفضله، وتعرفا لهم بذلك، وتنشيطا لهم على الأعمال فأهمها؛ توفيقه لهم للخير، وعصمته لهم من الشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة» متفق عليه.

     فإذا كان العبد يجد أعمال الخير ميسرة له، مسهلة عليه، ويجد نفسه محفوظا بحفظ الله عن الأعمال التي تضره، كان هذا من البشرى التي يستدل بها المؤمن على عاقبة أمره؛ فإن الله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وإذا ابتدأ عبده بالإحسان أتمه، فأعظم منة وإحسان يمن به عليه إحسانه الديني، فيسر المؤمن بذلك أكمل السرور، سرور بمنة الله عليه بأعمال الخير وتيسيرها؛ لأن أعظم علامات الإيمان محبة الخير، والرغبة فيه، والسرور بفعلهن، وسرور ثان بطمعه الشديد، في إتمام الله نعمته عليه، ودوام فضله».

     ومن البشارات الدنيوية ما أخرجه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ».

     قال النووي: «مَعْنَاهُ هَذِهِ الْبُشْرَى الْمُعَجَّلَة لَهُ بِالْخَيْرِ, وَهِيَ دَلِيل عَلَى رِضَاء اللَّه تَعَالَى عَنْهُ, وَمَحَبَّته لَهُ, فَيُحَبِّبهُ إِلَى الْخَلْق, ثُمَّ يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض. هَذَا كُلّه إِذَا حَمِدَهُ النَّاس مِنْ غَيْر تَعَرُّض مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ, وَإِلَّا فَالتَّعَرُّض مَذْمُوم».

     وقال ابن سعدي: «أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن آثار الأعمال المحمودة المعجلة أنها من البشرى، فإن الله وعد أولياءه وهم المؤمنون المتقون بالبشرى في هذه الحياة، وفي الآخرة، ومن ذلك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: إذا عمل العبد عملا من أعمال الخير، ولا سيما الآثار الصالحة، والمشاريع الخيرية العامة النفع، وترتب على ذلك محبة الناس له، وثناؤهم عليه، ودعاؤهم له، كان هذا من البشرى بأن هذا العمل من الأعمال المقبولة، التي جعل الله فيها خيرا وبركة.

     ومن البشرى في الحياة الدنيا محبة المؤمنين للعبد لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} (مريم:96)، أي: محبة منه لهم، وتحبيبا لهم في قلوب العباد.

ومن ذلك الثناء الحسن؛ فإن كثرة ثناء المؤمنين على العبد شهادة منهم له، والمؤمنون شهداء الله في أرضه.

ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له؛ فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات.

     فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ». قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ». أخرجه البخاري.

قال ابن حجر: «المبشرات: جمع مبشرة وهي البشرى، والمعنى: لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات، ثم فسرها بالرؤيا».

     وسأل أبو الدَّرْدَاءِ النبي صلى الله عليه وسلم عن قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (يونس:64) فَقَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ» أخرجه الترمذي. وصححه الألباني.

     والخلاصة أن البشارة للمؤمن مقدمة فضل الله تعالى عليه، وتمهيد لما هو مقدم عليه، فعليه أن يخلص العمل لله تعالى، ويحقق الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك حقيقة الاستقامة التي هي من أسباب البشارة، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت:30)، وإذا حصل له شيء من البشارات فلا يعجب ولا يبطر، بل يتواضع ويشكر، ويزيد من العمل، ويكثر من الذكر، فهذا شأن العقلاء، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم حتى تتفطر قدماه عبودية وشكرا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه.. قالت عائشة : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، فقال صلى الله عليه وسلم :« يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا» أخرجه مسلم.

نسأل الله تعالى أن يتولانا برحمته، وأن يزيدنا من فضله، وأن يكرمنا بطاعته، وأن يوفقنا لشكره وحسن عبادته، وبالله التوفيق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك