أثـار الفتـن (5)التغرير بالناشئة والشباب
في الفتن وما يترتب عليها: إن الفتن تكون سبباً ووسيلة لاستدراج الناس وصغار الأسنان، والتغرير بهم من خلال خطوط وقنوات ومسارات، إلى أن يصلوا إلى عواقب وخيمة ونهايات مؤلمة.
وهنا ينبغي على الشاب ألا يغتر بالدعايات التي تُرفع، والشعارات التي تُثار ونحو ذلك، بل إذا دُعي إلى شيء يُرجع إلى أكابر أهل العلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «البركة مع أكابركم» (1).
فإذا دُعي إلى طريق أو مسار أو مسلك يرجع إلى أكابر أهل العلم، الراسخين فيه، المعروفين بالتحقيق فيه، الذين رسخت قدمهم في العلم ومدارسته ومذاكرته، ورسخت قدمهم في الفتوى والبيان والتوجيه والنصيحة والتعليم.
لكن في الفتن قد يُستدرج بعض الناشئة ويُؤخذون عبر خطوات، إلى أن يدخلوا في أمور عظيمة، وورطات جسيمة، ربما لا يجدون لأنفسهم منها مخرجاً، وتكون البدايات مع الصغار من مثيري الفتن في أشياء مألوفة، وأمور معروفة، مثل أن يجتمع جماعة ويتعاهدون على أشياء معروفة ومتقررة، فيقولون مثلاً: نجتمع على الإيمان بالله وملائكته وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ونتعاهد على ذلك، ويضيفون لها بعض الأشياء التي تجعل الشاب فيما بعد يجد أنه التزم بعهد، وربما دخل في حزب أو سلك أو في تنظيم أو دخل في بيعة أو نحو ذلك، ويجد نفسه في مسار يحتار فيه، وربما يصعب عليه الرجوع، وقد قطع فيه شوطاً وتورط في ذلك المسلك والمسار، بينما إذا كان الشاب موفقاً ومن الله تعالى؛ فإنه يسلم من ذلك، ومثل هذه الأمور كانت توجد من قديم.
في زمن التابعين، يروي لنا مطرف بن عبد الله بن الشخير قصة له لما كان صغيراً، يقول: كنا نأتي زيد بن صوحان فكان يقول: يا عباد الله: أكرموا وأجملوا فإنما وسيلة العباد الى الله بخصلتين: الخوف والطمع، -كان واعظا يعظ ويذكر ويخوفهم بالله، ويرغبهم في العبادة والطاعة.
فيقول: فأتيته ذات يوم وقد كتبوا كتاباً فنسقوا كلاماً من هذا النحو: إن الله ربنا، ومحمد نبينا صلى الله عليه وسلم ، والقرآن إمامنا، ومن كان معنا كنا وكنا، ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكنا وكنا، -كتبوا كتاباً بهذه المعاني وبهذه المضامين التي في ظاهرها أنها أمر لا إشكال فيه عند كثير من الناس.
قال: فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلاً رجلاً، كلما عرضوا على رجل يقولون له: أقررت يا فلان؟! فيقول: نعم أقررت.
قال: حتى انتهوا إلي؛ فقالوا: أقررت يا غلام؟! - يعني: بهذه الأمور - قلت: لا، ما أقررت.
قال زيد -أي: ابن صوحان-: لا تعجلوا على الغلام، قال: ما تقول يا غلام؟
قال: قلت: إن الله قد أخذ عليَّ عهداً في كتابه فلن أُحْدِث عهداً سوى العهد الذي أخذه الله عليَّ في كتابه.
قال: فرجع القوم عن آخرهم، ما أقر منهم أحد، وكانوا زهاء ثلاثين نفساً(2)؛ أي قرابة الثلاثين نفسا.
الشاهد: أن الفتن ربما يُستدرج فيها كثير من الشباب وصغار السن في تنظيمات أو في تحزبات أو في بيعات أو في نحو ذلك من الأمور، مما يترتب عليه ما لا تحمد عاقبته.
الأثر الثامن:
إضعاف الأخوة الإيمانية والرابطة الدينية:
أيضاً من آثار الفتن ومآلاتها المردية: أنها تفكك المجتمعات، وتضعف الأخوة الإيمانية والرابطة الدينية، وتنشر بين الناس الضغائن والأحقاد والعداوات، ولهذا جاء في الحديث الذي في «الصحيحين»، حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: « كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، فقلت: يا رسول الله وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن»، وجاء في بعض الروايات أنه قال: «بقية- وفي رواية: جماعة- على أقذاء، وهدنة على دخن»، وفي رواية قال: «لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه» (4).
فالشاهد: أن الفتن عندما تتأجج؛ تغير النفوس وربما تخلخلت معاني الأخوة والرابطة الإيمانية، والله -تبارك وتعالى- يقول:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }(الحجرات:10)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يخذله، ولا يظلمه، ولا يحقره، التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»(5)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
الهوامش:
1- أخرجه ابن حبان (559)، والطبراني في الأوسط (8991)، والحاكم (1/131) وصححه، ووافقه الذهبي، وأقرهما الألباني في الصحيحة (1778).
2- «حلية الأولياء» (2/204)، «تاريخ دمشق» (58/313).
3- البخاري (7084،3606)، ومسلم (1874).
4- أخرجه أحمد (23282)، وأبو داوود (4246)، وابن حبان (5963)، وانظر: «الصحيحة» للألباني (2739).
5- أخرجه مسلم (3564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
لاتوجد تعليقات